هل تعمل عن بُعد؟.. لست وحيداً!

ت + ت - الحجم الطبيعي

أدى تفشي وباء كورونا إلى قلب جميع التوقعات بين ليلة وضحاها، حتى إن فكرة مكان العمل «الثابت» تغيّرت بطريقة لم يكن لنا أن نتخيلها يوماً، بل حتى قبل شهر واحد. ووجد الملايين من الناس أنفسهم أمام واقع جديد يفرض عليهم العمل عن بُعد للمرة الأولى على الإطلاق بعد توجيههم للعمل من المنزل وإغلاق المكاتب.

إذن، كيف ينبغي للقادة التعامل مع هذا التغيير الكبير؟ هل يمكن النظر إليه فرصة لتغيير الطريقة التي نعمل بها للأفضل، أم مرحلة قد تحدث فيها الكثير من الأخطاء؟ إن فكرة العمل بعيداً عن المكتب ليست بجديدة.

فمنذ اختراع الحواسيب الشخصية والحواسيب المحمولة الضخمة (وفق معايير اليوم)، أصبح إمكان العمل من المنزل أو أي مكان آخر بعيداً عن المكتب متاحاً، ولكن لم يتم اعتماده على نطاق واسع أبداً. إن هناك فرصة كبيرة اليوم لاختبار هذا الأمر، إذ إن الوقت حان لتغيير الطريقة التي نعمل بها.

أمامنا فرصة لتغيير عاداتنا السيئة، فقد كنا نعقد الكثير من الاجتماعات، ولم نكن نقضي الوقت الكافي مع أطفالنا، بصمتنا الكربونية غير مستدامة، نعاني الإرهاق المتواصل، وثمن كلّ ذلك باهظ على صحتنا العقلية.

وبنهاية هذه الأزمة، سيكون العمل أكثر مرونة، ولربما نتحول للعمل إلى أربعة أيام في الأسبوع. وفي نهاية المطاف، قد نخرج من هذه الأزمة لنجد أنفسنا أكثر مرونة وفي وضع أفضل.

ويقوم العمل عن بُعد على ثلاثة عناصر رئيسة وهي: التكنولوجيا، الجوانب الاجتماعية، والعمل بحد ذاته. إن المهنيين المستقلين هم رواد فكرة العمل من المنزل، حيث استكشفوا الإمكانات المتاحة عبر أجهزة الحاسوب الشخصية الكبيرة وغير العملية في الأيام الأولى للإنترنت، وحققوا أقصى استفادة من التكنولوجيا.

وسرعان ما ظهرت المشكلات الاجتماعية: فلم يمضِ وقت طويل حتى شعر البعض بالوحدة والعزلة، ولم يكن القادة على ثقة بأن أداء العمل يتم بصورة جيدة ومبتكرة، وبدأ الموظفون يفتقدون التعاون المباشر وجهاً لوجه.

ومن ثم كان هناك العمل نفسه، فنوع العمل الذي تؤديه في المكتب محاطاً بالآخرين ليس هو نفسه الذي تقوم به حين تكون بمفردك.

ومن هنا لا بدّ من النظر إلى العمل الافتراضي و(إدارته) على نحو مغاير. والأخبار الجيدة والمشجعة هنا هي أن هذا الوباء ليس الحدث الخارجي الكبير الأول الذي يفرض التغيير، فقد كانت هناك موجات متباينة من العمل الافتراضي منذ ثمانينيات القرن الماضي.

فخلال الموجة الأولى، في الثمانينيات، نشأت شركات مثل «إيلانس» (التي سميت لاحقاً «أب وورك»)، وهي شركات وسيطة جرّبت العمل خارج المكتب.

ولربما حازت فكرة المرونة والاستقلالية الجديدة إعجاب الاستشاريين والمهنيين المستقلين، إلا أنهم كانوا قلقين بشأن الانتماء إلى مجتمع معيّن، وقد أدركوا أن المرء يتعلم من مراقبة الآخرين في مكان العمل، ويكتسب معرفة ضمنية بمجرد قربه منهم.

وحدثت الموجة الثانية مطلع الألفيات حين أصبح العمل الافتراضي جزءاً أساسياً من المؤسسة. وأصبح لدينا جميعاً زملاء عمل افتراضيون. ومن جديد، أدّت أحداث خارجية مثل هجمات 11 سبتمبر وتفشي مرض سارس لتغيير الطريقة التي ننظر بها لمكان العمل ومدى حاجتنا إلى التواجد فيه.

ولم نرجع يوماً إلى طريقة العمل السابقة نفسها تماماً، وما يحدث اليوم ليس مجرد تغييرات صغيرة.

ومع نضوج العمل عن بُعد/‏ العمل الافتراضي، برزت مسائل أخرى، فالعمل من أي مكان وفي أي وقت هو فكرة رائعة! وظهرت أدوات تواصل تعاونية جديدة مثل Slack ولم يمانع بعض المديرين فكرة وجود زملاء يعملون من المنزل.

ولكن السؤال هنا، هل كان هؤلاء أقل تفاعلاً؟ وهل تأثرت الإنتاجية سلباً؟ هل ينطبق عليهم المثل القائل «بعيد عن العين، بعيد عن القلب؟» وأما السؤال الأهم فكان: كيف تدير أشخاصاً يعملون من المنزل، وكيف تقيس إنتاجيتهم وأداءهم؟

للإجابة عن هذه الأسئلة، يجب أن ننظر إلى تجربة جوهرية أجرتها شركة الاتصالات البريطانية BT، حيث قامت بدراسة مجموعتين من العمال، نصفهم يعمل من المكتب والنصف الآخر من المنزل. وجرى قياس مستويات المشاركة والإنتاجية والاحتفاظ بالموظفين لكلتا المجموعتين. وسرعان ما بدأت إنتاجية العاملين من المنزل بالتراجع، إذ إنهم لم يعرفوا كيف يستخدمون التكنولوجيا، ولا كيف يعملون مع بعضهم البعض.

 

 

Email