الدولة تحتضن 20 % من الأبراج الشاهقة في العالم

العمارة في الإمارات.. من بيوت الطين إلى ناطحات السحاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

شهدت العمارة في الإمارات نقلات ضخمة على مدى تاريخها وباتت تتنوع بين ما هو تقليدي ومتأصل إلى ما هو حداثي ودولي.

ولعبت صناعات البناء والتشييد والتطوير العقاري دوراً محورياً في التنمية الشاملة للدولة منذ بداية تأسيسها، حيث ساهم القطاع في تسريع النمو، وخلق فرص العمل، وتحريك النشاط الاقتصادي في الكثير من الصناعات المرتبطة به، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمارات.

وتمكنت الدولة التي عرفت بالنفط من أن تصبح نموذجاً عالمياً يحتذى به فقد جرى إطلاق عشرات المشاريع الضخمة، لتلبية حاجة السوق والطلب المتزايد على الوحدات العقارية السكنية والتجارية، لاسيما في دبي وأبوظبي.

حتى أصبحت الإمارات تستحوذ على 20% من إجمالي الأبراج الشاهقة (التي يتجاوز طولها 150 متراً)، في العالم.

وشهدت دبي منذ نشأتها ولا تزال تطورات تاريخية كبرى، وفي بداياتها كانت تمثل نقطة عبور للقوافل التجارية السالكة للطريق التجاري، الذي يمتد من العراق إلى عُمان براً، ومرفأ استراتيجياً لكل السفن التي تنتقل بين الهند وشرقي أفريقيا وشمالي الخليج العربي.

وقد جعل هذا الموقع المتميز من دبي مركزاً تجارياً عالمياً، تمتزج فيه الكثير من الثقافات والتقاليد، حيث انعكس ذلك على جميع ملامح المدينة وعلى العمارة فيها.

ولقد انصهرت فنون الأمم الأخرى في دبي، لتصبغ فن العمارة بثراء لا نظير له، فعلاوة على الاحتفاظ بطابع الأصالة العربية، أغنى التنوع فن العمارة في المدينة وأضاف إليه فنون آسيا وأوروبا.

ويقول م. هوتن من البحرية البريطانية الملكية في تقرير له يصف فيه دبي عام 1822: دبي عبارة عن مجموعة من الأكواخ الطينية المتآخية، محاطة بجدران قوية تستند إلى ثلاثة أبراج مستديرة ومبنى على شكل قلعة مربعة، ثبتت عليها ثلاثة أو أربعة مدافع، وكذلك تم نشر ثلاثة أو أربعة مدافع فوق البرج الغربي، الذي يطلّ على جرف صغير يمتد داخل الخور«.

وقد تم بناء قلعة الفهيدي في العام 1799، وهي عبارة عن قلعة مربعة الشكل كما وصفها هوتن، وكانت تعد منزلاً للحاكم وملجأ للسكان في حالة حدوث أي هجمات مفاجئة، وهي الآن مقر لمتحف دبي.

عاش السكان في تجمعات تسمى «الفرجان» ومفردها «فريج»، وكل منها يضم ما يراوح بين 4 إلى 6 منازل، يتعارف أهلها ويتواصلون، ويجتمعون على الخير والحب والتعاضد، ويتعاونون على جميع الأعمال، ويتبادلون الطعام والشراب، وينتصرون للجار إذا ما تعرّض المنزل لحادث ما، أو غاب»راعي البيت«أي ولي الأمر أو الوالد، في رحلة صيد أو رعي أو سفر أو للتبضع أو التجارة.

ومن المعروف في المنظومة الاجتماعية للحياة البدوية أن لكل فريج قائداً، وهو رجل كبير السن، يثق به الجميع، ويعدّ المرجع الذي تسند إليه مسؤوليات كثيرة، كما أنه المستشار في القضايا والمشكلات التي قد تقع داخل القبيلة أو بين أفراد الأسرة الواحدة.

أما فرجان الحضر في فترة الخمسينات والستينات، فكانت تضم»عرشان«متناثرة، وقد يصل عدد البيوت في الفريج إلى 30 بيتاً، كما في فرجان جميرا في دبي، التي كان سكانها يعملون في البحر، سواء صيد الأسماك أو الغوص على اللؤلؤ، وكانوا يمتلكون قوارب صيد وسفناً في بعض الأحيان.

ومع اختلافها من مكان إلى آخر، تظل هناك ملامح عامة كانت تجمع بين مختلف الفرجان في الإمارات، فيتكون الفريج من بيوت العرشان أو الطينية متراصة ومتجاورة، وغالباً تصنع سقوفها من المدر والطين، وهي مواد متوافرة في البيئة المحلية، وكانت تتناسب مع طبيعة المناخ في المنطقة، وتعمل على التكيف معها، وتنساب بين هذه البيوت سكك ضيقة تعرف باسم»سكيك«، وممرات كانت معظم الوقت تعج بحركة سكان الفريج.

تطورات

تمكنت دبي خلال السبعينيات من أن تصبح التجمع الأكبر للسكان على مساحة محدودة، فظهر نظام الشقق والبنايات إلى جانب البيوت التقليدية. وقد تم بناء البنية التحتية لدبي، من طرق وإسكان وأنظمة صرف وأبنية المكاتب... الخ، في هذا العقد من الزمن. وكان أهم هذه البنايات مركز دبي التجاري العالمي، الذي يتألف من 39 طابقاً. وقد أسهم فنانو العمارة في دبي منذ الثمانينيات في تطوير مشاريع معمارية تواكب التطلعات الحضارية للسكان، وتم بناء فناء ونوافير مياه في مبنى بلدية دبي، كما تمت إضافة أقواس تقليدية إلى مبنى مستشفى الوصل.

واستمر التطور في فن العمارة في دبي عاماً بعد آخر، ففي التسعينيات تم اعتماد مشاريع للتحديث، وانتشرت الحدائق العامة في مناطق متعددة من دبي. وأسهم توفر جميع المواد ووسائل التكنولوجيا هذه الأيام في خلق تصاميم جديدة في فن العمارة بدبي، فنرى الآن البنايات الرائعة والفخمة في جميع أرجاء دبي، مثل وسط مدينة دبي الذي يحتضن برج خليفة أعلى برج في العالم ودبي مول اكبر مركز تسوق في العالم فضلاً عن تحول المدينة برمتها إلى حاضنة لمدن متكاملة هذا غير أبراج الإمارات وبرج العرب وجميرا بيتش ومرسى دبي والمرابع العربية وسيتي ووك والخليج التجاري والعديد من المناطق والأيقونات العمرانية المعاصرة والمعالم التي تتميز بتصميم معماري حديث مع الإبقاء على لمسات من فن العمارة العربي التقليدي.

من الذاكرة إلى التوثيق

ويجهل المؤرخون لتاريخ دبي الحديث الطريقة التي كان يتبعها الناس لتوثيق عمليات بيع أو شراء العقارات منذ ظهورها على ساحل الخليج العربي عام 1833م». ويعتقد بعضهم بأن سكان المدينة حينذاك لم يقوموا بتدوين أو توثيق التصرفات العقارية لعدة احتمالات وأسباب تتنوع بين شيوع الثقة بين المتعاملين وتفشي الأمية في ذلك الوقت.

ونقل أحد أعداد مجلة «الطابو» التي أصدرتها دائرة الأراضي والأملاك عن بعض المصادر قولهم «بأن التصرفات العقارية كانت موجودة وسرعان ما اندثرت بسبب عدم وجود جهة تحفظها سواء أكانت تلك الجهة من الكتبة أو القضاة، أو أن تلك - الوثائق إن وجدت- ذهبت ضحية التلف والضياع بسبب عدم اهتمام أصحابها وجهلهم بأهميتها» لكن الحال تغير عام 1891 عندما انتقلت التصرفات العقارية إلى مرحلة مهمة عبر توثيقها لدى القضاة الشرعيين أو الكتبة.

ويقول الباحث القانوني أحمد أدريس في أطروحة الماجستير بأن «توثيق التصرفات العقارية في ذلك الوقت نجم عن مجموعة أسباب وهي انتشار التعليم وزيادة الوعي بالملكية العقارية وأهميتها».

وأضافت مجلة الطابو بأن «عقود البيع والشراء وغيرها من التصرفات العقارية بقيت في تلك الفترة غير مصدقة لعدم وجود جهة تتولى ذلك ما يجعل تلك العقود بلا قوة عند تخاصم الأطراف حتى بدأ الناس يتبايعون فيما بينهم ويوقعون عقودهم بشهادة الشهود والقاضي الشرعي ليتم التصديق عليها من قبل الحاكم». وهكذا انتقلت المبايعات إلى مرحلة جديدة عندما أصبحت العقود أو الوثيقة معتمدة ونافذة تجاه الأطراف والغير. وتقول المصادر إن الطريقة التي كان يسلكها الناس لفض نزاعاتهم العقارية، كانت إما في مجالس الصلح أو أحكام القضاة أو بإشراف الشيوخ.

مساهمة كبيرة

وأسهم القطاع العقاري بشكل فعّال في نمو الناتج المحلي الإجمالي، واقترن التحسن في معدلات النمو الاقتصادي بالإمارة بانتعاش أداء القطاع العقاري، وبلغت نسبة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي لإمارة دبي في 2018 ما مقداره 13.6% مقارنة بـ6.9% في 2017، في حين وصلت نسبة مساهمته في 2016 إلى 6.8%، ويمثل المستثمرون الجدد 66% من إجمالي عدد المستثمرين في 2018.

وأظهرت بيانات رسمية بلوغ مساهمة قطاع الإنشاءات 6.4% من الناتج الإجمالي المحلي لإمارة دبي في عام 2018، حيث يتوقع نمو القطاع خلال الفترة المقبلة على وقع اقتراب معرض اكسبو العالمي 2020 دبي، واستمرار الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية وشبكة النقل.

وأشارت غرفة تجارة وصناعة دبي إلى أن دولة الإمارات تتفوق على الدول الأخرى في المنطقة من حيث مساهمة قطاع الإنشاءات في الناتج المحلي الإجمالي الوطني، حيث بلغت قيمتها نحو 33.2 مليار دولار (122 مليار درهم) في عام 2018. وبيّنت أن الإمارات تتصدر دول مجلس التعاون الخليجي من حيث قيمة العقود الممنوحة لعام 2019، حيث تقدر قيمة العقود في الدولة بـ175 مليار درهم (تقريباً 48.4 مليار دولار).

اقرأ أيضاً:

1.2 تريليون ميزانيات الإمارات خلال 48 عاماً

Email