«5G» سباق الفضاء الجديد بين الشرق والغرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

في عام 1960، قاد الرئيس الأمريكي الراحل جون كينيدي حملة دعائية كبيرة حول «فجوة الصواريخ» و«سباق الفضاء» بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. واليوم تقود الولايات المتحدة حملة جديدة ضد الصين لتخويف العالم من «التهديدات» التي تحملها شبكات الجيل الخامس «5G» من شركة «هواوي» الصينية، والتي تهدف بوضوح إلى كسب سباق الهيمنة على سوق تقنيات الجيل الخامس في العالم، أحد أهم بؤر «الحرب التقنية» الدائرة بين حالياً الصين وأمريكا، والتي بدورها ستُكسب الهيمنة في عالم الجغرافيا الإلكترونية الذي تلاشت فيه الحدود الفاصلة بين عوالم الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والقدرات الإلكترونية والقوة العسكرية والدفاعية التقليدية.

ويمكن تشبيه أهمية إمكانات تقنيات اتصال 5G بأهمية الكهرباء بالنسبة للثورة الصناعية التي دعمت خطوط الإنتاج على نطاق لم يسبق له مثيل، غير أن القوة الكامنة وراء الإنتاج بالنسبة لتقنية 5G ستكون بالبيانات وليس الـ«واط»، حيث من المرتقب أن تكون تلك التقنية بمثابة العمود الفقري للعديد من الصناعات التي أعلنت بكين أنها ستقوم بتطويرها ضمن «صنع في الصين 2025» مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية، وأتمتة الآلات، والروبوتات، ومعدات الفضاء والطيران، والمعدات البحرية والشحن عالي التقنية، ومعدات النقل الحديثة للسكك الحديدية، والسيارات ذاتية القيادة والمعتمدة على الطاقة الجديدة، ومعدات الطاقة والمعدات الزراعية، وتطوير الأجهزة العسكرية الجديدة، والمستحضرات الدوائية الحديثة والمنتجات الطبية المتقدمة.

 

تراكم الإيرادات

 

وخلال لقاء حصري مع جريدة «البيان» توقع رئيس شركة هواوي في منطقة الشرق الأوسط تشارلز يانغ، أن يصل عدد مواقع شبكة الجيل الخامس في 2019 إلى ما يقارب المليون في مختلف أنحاء العالم، وأن عدد المستخدمين إلى 500 مليون مستخدم في غضون 3 سنوات فقط، في حين استغرق الوصول إلى هذا العدد 6 سنوات عند نشر شبكة الجيل الرابع، و9 سنوات عند نشر شبكة الجيل الثالث. وأكّد أن امتلاك الإمارات لواحد من أعلى معدلات استعمال الأجهزة المحمولة في العالم وبنية تكنولوجيات الاتصالات والمعلومات الرائدة عالمياً في الدولة يجعلها في وضع مناسب للاستفادة من تقنية شبكة الجيل الخامس بشكل كبير، مشيراً إلى أنه ووفقاً لدراسة أجرتها «هواوي» في دول مجلس التعاون الخليجي بالاشتراك مع شركة أناليسيس مايسون، فإن تقنية الجيل الخامس ستوفر فرصة تراكمية جديدة للإيرادات على مدى 10 سنوات تقدر بـ 273 مليار دولار، 50% منها يأتي عن طريق مشغلي شبكات الهاتف النقال والباقي من قبل مشغلي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الآخرين.

وأضاف تشارلز يانغ أن الجيد في الأمر أن حكومات منطقة الشرق الأوسط تنظر إلى شبكة الجيل الخامس على أنها أداة تمكين حقيقية للاقتصاد والمجتمع، بالإضافة إلى كونها أداة تمكين فعّالة في رحلة التحول الرقمي. وهذه النظرة مصيبة تماماً باعتبار أن تقنيات الجيل الخامس تمتلك القوة والقدرة على تغيير مستقبل جميع القطاعات والصناعات، بالإضافة لإضفاء قيم غير مسبوقة على الخدمات يمكن توظيفها لصالح تطوير المجتمعات البشرية والأفراد.

 

موقف استباقي

 

واتخذت الهيئات التنظيمية لقطاع الاتصالات في دول الخليج وفي مقدمتها الإمارات موقفاً استباقياً على صعيد إقرار المضي قدماً في توظيف شبكة الجيل الخامس والتخطيط للاستفادة منها في دفع عجلة التنمية والتطور، ليس في قطاع الاتصالات فحسب، بل في كل القطاعات والصناعات الأخرى التي تشكل عصب بناء الاقتصاد المستدام المبني على المعرفة، معتمدين في ذلك على سياسة الانفتاح التي تعنى بمد جسور التعاون والعمل المشترك مع كل الأطراف المعنية. ونحن بدورنا، نواصل أخذ دورنا على مستوى التعاون بشكل فاعل مع كل من المؤسسات الحكومية والعملاء لاستكشاف آفاق نشر تقنيات الجيل الخامس في المنطقة، ونعمل على تسريع الاستفادة منها. وتعتبر هواوي من أقوى شركاء مزودي الاتصالات في المنطقة بعدما حققت إنجازات غير مسبوقة في إتاحة إمكانية الوصول إلى شبكات الجيل الخامس.

ويعد نظام شبكة الجيل الخامس نظاماً شاملاً ومتكاملاً من البداية وحتى النهاية، ولا تقتصر قوة هواوي على منتجات وحلول الشبكات اللاسلكية فقط، بل تشمل جميع جوانب شبكة الجيل الخامس بدءاً من الأجهزة وحتى الشبكات وانتهاءً ببناء النظام الإيكولوجي الشامل والمتكامل بالتعاون مع العملاء والشركاء لخدمة تطوير هذه التقنية. وفي إطار ذلك، نحن بغاية الحرص على تقديم الدعم للدول الحريصة على الاستفادة من هذه التقنية في منطقة الشرق الأوسط لكي تصبح في الصدارة عالمياً في هذا المجال.

 

الأمن الإلكتروني

 

وحيال قلق الولايات المتحدة الأمريكية وبعض البلدان الغربية بشأن الأمن في تقنيات هواوي لشبكة الجيل الخامس، صرّح يانغ: «يمثل الأمن الإلكتروني أولوية قصوى بالنسبة لنا في هواوي. وأكرر أن تاريخ عملنا يشهد لنا، فقد قمنا على مدى الثلاثين عاماً الماضية بخدمة 3 مليارات مستخدم في 1500 شبكة اتصالات في 170 دولة، حافظنا خلالها على سجل أمان قوي للغاية بحيث لم نواجه أي حوادث خطيرة متعلقة بأمن الشبكة. وترفض هواوي ادعاءات حكومة الولايات المتحدة لأنها ليست مبنية على حقائق علمية واقعية ولا أساس لها من الصحة على الإطلاق. ونحن نرحب دائماً بقيام أطراف مستقلة باختبار وتدقيق أعمالنا، ولا نتردد مطلقاً في توفير كل التسهيلات لكل من يرغب بذلك، بناءً على أسس موضوعية وحوارات مفتوحة وبناءة، لا مجرد ادعاءات أو تكهنات. ونحن نقول إن الثقة التي نحظى بها من عملائنا حول العالم هي السبب في نمونا المستمر ووصول عوائد الشركة لما يزيد على 100 مليار دولار».

وأوضح يانغ: «نحن نثق تماماً بقدرة عملائنا في منطقة الشرق الأوسط على إجراء تقييماتهم واتخاذ قراراتهم بأنفسهم. كما نعتقد بأنه من العدل تماماً أن تقوم الدول بتقييم تاريخ شركة هواوي، وتنظر في إسهاماتها للمجتمعات في سياق النظر إن كانت تمثل تهديداً أو لا. لقد أسهمنا بشكل كبير في سد الفجوة الرقمية عن طريق إتاحة فرصة الحصول على المعلومات والتعليم للعديد من الدول الفقيرة. نحن لسنا ولا نرضى بتاتاً أن نكون وسيلة لجلب الضرر أو تهديد المجتمع، بل على العكس عملنا يعود بالمنفعة والفائدة على البشرية. ونحن في هواوي نؤمن بسياسة الانفتاح والتعاون والعمل والنجاح المشترك. فمن خلال الابتكار المشترك مع عملائنا وشركائنا سنعمل على تعزيز فوائد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بغرض تطوير نظام بيئي صناعي أكثر قوة وتكافؤاً. وتُعتبر هواوي من الأعضاء الناشطين في أكثر من 400 منظمة للمعايير، والتحالفات الصناعية، والمجتمعات ذات المصادر المفتوحة، حيث نعمل فيها مع نظرائنا لتطوير المعايير السائدة ووضع الأساس للنجاح المشترك. وبتعاوننا معاً نسير بالصناعة قدماً إلى الأمام، ونسهم في جعل التكنولوجيا أبسط وأكثر راحة وأقل تكلفة من خلال الابتكار والتطوير المستمر للبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأجهزة الذكية، مما يتيح توفير فوائد التكنولوجيا الرقمية لعدد أكبر من الناس. إن هدفنا الأسمى هو تحسين مستوى حياة الناس وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في البلدان التي نعمل بها».

 

 

تحوّل في الموقف الأمريكي المتشدد من هواوي

 

يرى خبراء إن سماح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ببيع هواتف هواوي في الولايات المتحدة الذي أعلن عنه أخيراً على هامش قمة مجموعة العشرين التي أقيمت في مدينة أوساكا، اليابانية وعزمه السماح مجدداً للشركات الأمريكية بالتوريد للشركة الصينية الشهيرة يشير بقوة إلى بوادر انفراج في العلاقات الصينية الأمريكية فيما اكتفت هواوي حتى الآن بوصف تصريح ترامب بشأنها على أحد حساباتها الرسمية في تويتر بأنه «انعطافة كاملة»، متسائلة إن كانت تلك الخطوة تشكل بداية «العودة إلى الوراء».

ويؤكد تشارلز يانغ رئيس شركة هواوي في منطقة الشرق الأوسط دور الشركة وتاريخها العريق في فضاء ابتكارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بالقول: يكفي أن نذكر أن لدينا أكثر من 50 ألف براءة اختراع تمثل مساهماتنا في تأسيس المجتمع الرقمي. بل إن أكثر من 11.500 منها مقدمة من الحكومة الأمريكية. ونحن نمتلك مساهمات كبيرة في تطوير نظم المعلومات في الولايات المتحدة ولا يمكن أن نمثل أي تهديد لها أو غيرها من الدول، وهذا رأي العديد من الدول بنا. وسنسرد هنا بعض الأمثلة المتعلقة بحلفاء الولايات المتحدة في أوروبا. ففي ألمانيا صرحت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل أخيراً قائلة: «هناك شيئين لا أؤمن بهما. أولاً المناقشة العلنية لهذه المسائل الأمنية الغاية في الحساسية، وثانياً استبعاد أي شركة لمجرد انتمائها لبلد معين».

 

الدور العسكري

 

وتكمن أهمية 5G كذلك في أن الولايات المتحدة والصين تعولان كثيراً على إمكانات هذه التقنية في تعزيز «صناعة» الحروب والأسلحة في المستقبل، الذي يقول الخبراء إنه سيشهد اندماج عوالم الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والدفاع التقليدي، حيث يوضح الدكتور كلارك شو، وهو باحث في تقنيات الذكاء الاصطناعي والاتصالات في «جامعة العلوم الإلكترونية والتكنولوجيا» في الصين إن تقنيات 5G تعمل على توسيع وتعميق الإدراك للأوضاع الحاصلة في ساحة المعركة على نحو غير مسبوق من خلال توفير كميات هائلة من البيانات، التي تتطلب من الذكاء الاصطناعي تحليلها وتحويلها إلى أوامر تنفذها «إنترنت الأشياء»، وكذلك تعزيز العتاد والاتصال والمساهمة بشكل كبير في إسعاف أو إنقاذ حياة الجنود أو دخول معارك من دون جنود بالمرة، وذلك باستخدام «الدرون».

 

عقود 5G

 

بحلول يونيو 2019، وصل عدد العقود التجارية التي حصلت عليها شركة هواوي إلى 50 عقداً تجارياً من عقود شبكة الجيل الخامس، بالإضافة إلى شحن أكثر من 150 ألف محطة أساسية على مستوى العالم. كما قمنا بإطلاق سلسلة من مبادرات التعاون في جميع مناحي الاتصالات وتقنية المعلومات بالاعتماد على حلول متطورة كالتجزئة المتخصصة للشبكات والأجزاء الطرفية للحوسبة السحابية في الشبكات الذكية، وتقنيات الواقع الافتراضي والمعزز، وإنترنت السيارات، والجراحة عن بعد، والتصنيع الذكي، وغيرها من المجالات التي تعزز بشكل كبير انتشار النظام البيئي لشبكة الجيل الخامس.

Email