نظرة موضوعية ودروس مستفادة من أخطاء «أبراج»

ت + ت - الحجم الطبيعي

تداولت وسائل إخبارية عالمية ما حدث لمجموعة أبراج بقدر كبير من المبالغة، محذرةً من حدوث مشكلة في القطاع المالي، بل ذهبت صحف عالمية إلى أن الأمر يسلط الضوء على مخاوف أوسع حيال استثمار الأموال في المنطقة.

ولا تعد المغالاة الصارخة وإطلاق الأحكام العامة أمراً جديداً. ومع ذلك، وبكل أسف، بات تزايد انتشار المقالات الرنانة والعناوين الدولية التي غالباً ما تميل لتجاهل الحقائق الرئيسة بمثابة وضع مألوف.

لا شك في أن ما حدث لمجموعة أبراج، التي كانت يوماً إحدى أبرز شركات الاستثمار في الملكية الخاصة على مستوى الشرق الأوسط، يترك آثاره على سوق الملكية الخاصة الإقليمي.

ولوضع هذه الحالة في المنظور المناسب، لم يمضِ وقت طويل على إفلاس مصرف ليمان براذرز الذي أرسل موجات صادمة عبر أركان النظام المالي العالمي، حتى تواترت تقارير تتناول المشاكل المالية التي يعاني منها القطاع المصرفي.

وقبل ذلك، تصدرت أحداثٌ أخرى كفضيحة إنرون وحل شركة آرثر أندرسون ومخطط بونزي الذي أطلقه بيرني مادوف (على سبيل المثال لا الحصر) أبرز العناوين الرئيسة.

ومع ذلك، غالباً ما تعزى هذه الانهيارات الكبيرة إلى حالات الطمع الفردي أو تطرح أسئلة عموميةً حول المشاكل المتأصلة في النظام المالي العالمي. فلماذا إذن يتم اعتبار انهيار مجموعة أبراج على الفور بمثابة مشكلة مؤسسية إقليمية، وليس كفشل فردي؟

إن الإمارات لديها مركز دبي المالي العالمي الذي بات مركزاً مالياً عالمياً يتمتع بموقع استراتيجي بين الشرق والغرب، ويوفر منصةً آمنةً ومستقرةً تتيح للمؤسسات التجارية والمالية الاستفادة من الأسواق الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوبي آسيا.

ويتمتع المركز بإطار عمل قانوني وتنظيمي فريد ومستقل، مع نظام قضائي ناطق باللغة الإنجليزية، موفراً للشركات ميداناً مستقراً ومألوفاً لتسوية المنازعات – بالرغم من وجود تقارير تشير إلى عكس ذلك.

وفي الواقع، يواصل مركز دبي المالي العالمي تسجيله معدلات نمو قوية، مع وصول إجمالي عدد الشركات المسجلة النشطة لدى المركز إلى أعلى مستوياته على الإطلاق بواقع 2003 شركة مع نهاية شهر يونيو 2018، أي بزيادة قدرها 14% على أساس سنوي من 1,750 شركة خلال ذات الفترة من العام الذي سبقه.

ومن بين هذه الشركات، تخضع 600 شركة للإشراف التنظيمي من قبل سلطة دبي للخدمات المالية بما يشمل شركات محاماة وشركات خدمات مالية.

وتؤكد كل هذه الجوانب حقيقة أن مركز دبي المالي العالمي يمثل موطناً لبعض من أبرز مؤسسات الاستثمار الرائدة في العالم – وجميعها مطالبة بالالتزام بأعلى معايير حوكمة الشركات والشفافية كما هو محدد في اللوائح التنظيمية لسلطة دبي للخدمات المالية.

وكمؤسسة تقدم خدماتها في منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا وجنوبي آسيا، يواصل مركز دبي المالي العالمي لعب دوره كواحدة من السلطات القضائية الأكثر استقراراً خارج المراكز المالية الرئيسة في لندن ونيويورك وسنغافورة.

وبالنسبة للأسواق المالية، يعد مركز دبي المالي العالمي وسوق أبوظبي العالمي بمثابة مؤسسات حديثة العهد نسبياً، ولكن ما حققته المؤسستان منذ بدء عملياتهما عامي 2004 و2013 على التوالي، يكاد يكون غير مسبوق على الإطلاق.

من الواضح أن الحوكمة باتت تمثل قضيةً أساسيةً ومركزيةً بالنسبة للعديد من الشركات الناشطة في المنطقة، وتتخذ الشركات خطوات جادة لضمان وضع الأنظمة الصحيحة قيد التنفيذ.

فعلى سبيل المثال، تأسس معهد حوكمة لحوكمة الشركات في عام 2006 بواسطة مجموعة من المؤسسات العالمية مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومؤسسة التمويل الدولية والبنك الدولي ومنظمات إقليمية مثل اتحاد البنوك العربية ومركز دبي المالي العالمي بهدف المساعدة على سد فجوة حوكمة الشركات في المنطقة، وينشط المعهد منذ ذلك الحين في تحسين مستوى فهم وتطبيق الحوكمة وتوفير البرامج التدريبية في هذا الإطار، ما يعكس رسالةً مفادها أن الارتقاء بالمعايير بصورة استباقية يعزز مستويات الابتكار والفرص وإنشاء القيمة في مجال الأعمال ويساهم ببساطة في وضع استراتيجيات أعمال ناجحة، باعتبار أن المعايير العالية لحوكمة الشركات والنزاهة تمثل محركات رئيسة لتعزيز القدرة التنافسية والاستثمار وتوليد فرص العمل وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام.

لقد كان النمو الكبير الذي حققه كل من مركز دبي المالي العالمي وسوق أبوظبي العالمي خلال فترة زمنية قصيرة أمراً رائعاً بحق. ويتمثل هدف المؤسستين في إرساء مكانة الإمارات كمركز مالي عالمي وبوابة نحو الأسواق الناشئة.

وفي حين تعد التغذية الراجعة البناءة أمراً ضرورياً ومرحباً به، إلا أنه ينبغي أن تتم الإشادة بهذه الجهود المبذولة لا أن تتصدر الساحة العالمية من بوابة الانتقادات غير المتجانسة على خلفية فشل مؤسسة بارزة واحدة.

وإن تمكنت المؤسسات والجهات التنظيمية الخليجية من التعلم من أخطاء أبراج، في الوقت الذي تعتمد فيه معايير مرتفعة لحوكمة الشركات والنزاهة، فلن يكون هنالك أي حدود لنموها المحتمل خلال الأعوام الـ15 القادمة.

 

 

 

Email