عزز جاذبية الإمارات مركزاً مالياً عالمياً

القطاع المصرفي أكثر قوة رغم تراجع النفط

ت + ت - الحجم الطبيعي

لمشاهدة الغرافيك بالحجم الطبيعي اضغط هنا

 

نجح القطاع المصرفي بالإمارات في تحقيق معدلات نمو قوية، وازداد قوة ومتانة رغم الانخفاض الذي حدث في أسعار النفط عالمياً، ما عزز من جاذبية الدولة مركزاً مالياً إقليمياً وعالمياً، استطاع أن يجذب المزيد من ودائع المقيمين وغير المقيمين، كما لبى القطاع المصرفي احتياجات القطاع الخاص من القروض، وهو الأمر الذي أكده معالي مبارك راشد المنصوري محافظ المصرف المركزي لـ«البيان الاقتصادي» خلال فعاليات مؤتمر صندوق النقد العربي نهاية الأسبوع الماضي.

وشكل التراجع في أسعار النفط ضغطاً قوياً على القطاعات المالية والمصرفية لدول المنطقة، إلا أن هذا التراجع الذي هوى بسعر البرميل إلى ما دون 28 دولاراً بداية يناير 2016 بعد أن قفز إلى 115 دولاراً منتصف يونيو 2014، قد كشف عن قوة ومتانة القطاع المالي والمصرفي بالإمارات، فلم يشهد القطاع أزمة سيولة، بل ارتفعت بنسبة 19.4% خلال الفترة من يونيو 2014 إلى نهاية أكتوبر 2018، وتحسنت بشكل كبير ملاءته المالية، كما قفزت أصوله ونما إقراضه وودائعه للمقيمين وغير المقيمين والحكومة بنسب تراوحت بين 23% و55%. وخلال السنوات الأربع الماضية دب النشاط الاقتصادي في كل قطاعات الدولة، بسبب استمرار وتيرة الإقراض، ويؤكد خبراء مصرفيون أن هذا النجاح الكبير للقطاع سيرسخ دوره في قيادة عملية التنمية بالإمارات.

مسح إحصائي

وكشف مسح إحصائي لـ«البيان الاقتصادي» عن مؤشرات قوية للقطاع المصرفي بعد تراجع أسعار النفط، ووفقاً للإحصاءات المتوفرة في التقارير الإحصائية للمصرف المركزي خلال السنوات الأربع الماضية، قفزت أصول القطاع من تريليونين و236 مليار درهم بنهاية يونيو 2014 إلى تريليونين و841 ملياراً بنهاية أكتوبر الماضي بارتفاع قدره 605 مليارات بنمو 27%، وقفزت احتياطات البنوك بالمصرف المركزي من 235.2 ملياراً إلى 266.4 ملياراً في نهاية أكتوبر 2018 بارتفاع قدره 31.2 ملياراً ونمو 13.3%.

وارتفع إجمالي الائتمان (القروض والتسهيلات) من تريليون و329 مليار درهم إلى تريليون و646 ملياراً بارتفاع قدره 317 ملياراً بنمو 23.9%، كما ارتفاع إجمالي ائتمان القطاع الخاص الذي يعد مؤشراً قوياً على قوة النشاط الاقتصادي من 913.4 ملياراً إلى تريليون و132 ملياراً بارتفاع قدره 219 ملياراً ونمو 24%، وزادت القروض الموجهة للقطاع الصناعي والتجاري والتي تكشف عن التزايد الملحوظ في نشاطي الصناعة وتجارة التجزئة بصفة خاصة من 617.3 مليار درهم إلى 793 ملياراً بارتفاع قدره 176 ملياراً ونمو 28.5%.

وتكشف الإحصاءات ارتفاع القروض الشخصية التي تعد مؤشراً عن قوة الطلب الكلي ممثلاً في الإنفاق الاستهلاكي للأشخاص من 295.9 مليار درهم إلى 339.2 ملياراً بنهاية أكتوبر بارتفاع قدره 44 ملياراً ونمو 15%، كما ارتفاع الائتمان لغير المقيمين من 75.5 ملياراً إلى 141.9 ملياراً بارتفاع قدره 66.4 مليار درهم بنسبة نمو 88%.

جذب ودائع

وأوضحت الإحصاءات أن الودائع في الجهاز المصرفي شهدت زيادة ملحوظة خلال الفترة من يونيو 2014 - أكتوبر 2018 وتؤكد مدى الاستقرار الكبير الذي تنعم به الإمارات وجاذبية الدولة للأموال المحلية أو الأجنبية، وارتفعت الودائع من تريليون و400 مليار درهم إلى تريليون و721 ملياراً بزيادة قدرها 321 ملياراً بنسبة نمو 23%.

ونجح القطاع في جذب ودائع من المقيمين خلال فترة المقارنة بنحو 255 ملياراً، حيث ارتفعت من تريليون و267.4 مليار درهم إلى تريليون و522.8 ملياراً بنمو 20%، وشهدت ودائع الحكومة قفزة كبيرة، حيث ارتفعت من 184.7 ملياراً إلى 285.9 ملياراً بزيادة 101.2 مليار ونمو 55%. وشهدت الودائع ارتفاعاً ملحوظاً خلال الشهور التي كان تنتعش فيها الأسعار وحافظت الودائع على استقرارها، كما ارتفعت ودائع القطاع الخاص من 856 ملياراً إلى 990.5 ملياراً بنهاية أكتوبر 2018 بارتفاع قدره 134.5 ملياراً بنسبة نمو 15.7%، وشهدت ودائع غير المقيمين ارتفاعاً ملحوظاً، حيث قفزت إلى 213.1 ملياراً بنهاية أكتوبر 2018 مقارنة بنحو 132.8 ملياراً بنهاية يونيو 2014 بفارق 80.3 ملياراً بنسبة نمو 60.5%.

وكشفت الإحصاءات عن ارتفاع السيولة الإجمالية بالقطاع، حيث قفزت إلى تريليون و565.9 مليار درهم بنهاية أكتوبر مقابل تريليون و311.8 ملياراً بنهاية يونيو 2014 بزيادة قدرها 254.1 ملياراً بنسبة نمو 19.4%، واستقرت نسبة كفاية رأس المال والتي تعبر عن قوة الملاءة المالية للقطاع المصرفي عند 18.2% بمعدل يفوق معدلات لجنة «بازل» بكثير.

ضغط كبير

وأكد خبراء اقتصاديون وماليون لـ«البيان الاقتصادي» أن مؤشرات أداء القطاع المصرفي في الإمارات منذ يونيو 2014 وحتى اليوم تؤكد قوة ومتانة هذا القطاع والنجاح الكبير للمصرف المركزي في ضبط عملياته.

وأفاد الخبير المصرفي سامي العوضي، بأن الأداء القوي للقطاع خلال سنوات تراجع أسعار النفط يؤكد متانة القطاع الذي يحظى برقابة ومتابعة من المصرف المركزي. ونوه إلى أن ارتفاع أصول القطاع المصرفي داخلياً وخارجياً بصور متواصلة خلال السنوات الأربع مكنه من تقديم منتجات مالية جديدة إضافة إلى ضخ مليارات الدراهم في شرايين القطاع الاقتصادي عبر إقراض القطاع الخاص وكذلك الأفراد والحكومة.

وأوضح أن قوة القطاع ترجع بشكل رئيسي لقوة اقتصاد الإمارات وجاذبيته على جذب رؤوس أموال واستثمارات أجنبية من الخارج توافدت على الإمارات بسبب الثقة الكبيرة في الأداء الاقتصادي للدولة، إضافة إلى قوة الاستقرار السياسي والاقتصادي لها.

 

فيما رأى الخبير المصرفي أحمد يوسف أن سيولة القطاع المصرفي خلال السنوات الماضية مكنت البنوك من مواصلة دورها الإقراضي بشكل مستقر وقوي سواء للقطاع الخاص أو الأفراد، وهو ما ظهر جلياً في القفزات الكبيرة التي شهدها الائتمان بشكل عام وائتمان القطاع الخاص بشكل أكثر خصوصية، وبالتالي فإن عرض النقد 1 و2 و3 شهد تحسناً كبيراً، كما زادت القاعدة النقدية للدولة.

ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور علي الصادق أن تراجع أسعار النفط شكل ضغطاً قوياً على اقتصادات دول المنطقة، إلا أنه من الملاحظ أنه على الرغم من تراجع سعر البرميل من 115 دولاراً خلال يونيو 2014 إلى ما دون 28 دولاراً بداية 2016، إضافة إلى أن المستويات السعرية كانت خلال السنوات الأربع منخفضة، إلا أن هذه الأزمة كشفت نجاح سياسة التنويع الاقتصادي في الإمارات ويعد القطاع المصرفي هو أحد قطاعات التنويع الاقتصادي المهمة.

وقال: «بلا شك فإن معدلات نمو القطاع المصرفي الإماراتي خلال السنوات الأربع الماضية من ناحية الأصول والودائع والقروض متميزة للغاية»، مشيراً إلى أن هذا القطاع قبل تراجع أسعار النفط كان قوياً، لكن بعد التراجع أظهر قوة ومتانة أكثر من قبل.

ولفت إلى مؤشر قوي يثبت قوة القطاع وهو مؤشر القروض غير العاملة أو القروض المعدومة والذي يؤكد صحة النظام المصرفي من عدمه، وقال إنه من الملاحظ تراجع هذا المؤشر بصورة كبيرة إلى مستويات أقل من 3% وهو من أقل المعدلات في العالم، علماً بأن هذا المعدل خارج الإمارات قد يصل إلى ما بين 13% إلى 20%، ما يؤكد سلامة الجهاز المصرفي بالإمارات.

سيولة قوية

ولفت الصادق إلى أن الجهاز المصرفي بالإمارات خلال سنوات تراجع أسعار النفط لم يشهد أزمات نقص سيولة، بل المؤشرات تؤكد أن السيولة في القطاع تتزايد باستمرار، وقد توجه جزء من هذه السيولة إلى إقراض القطاع الخاص، وتشير آخر الإحصاءات إلى أن نمو الإقراض للقطاع الخاص تجاوز 5.4%، وهي نسبة جيدة جداً ودليل آخر على أن هذا القطاع يقوم بدوره التمويلي ويمضى قدماً في ذلك وقادر على تحمل أية ضغوط.

ونوه بالنمو الجيد في تمويلات قطاع التجارة بصفة خاصة، مشيراً إلى أن هذه الزيادة المطردة خلال سنوات تراجع النفط تؤكد للجميع أن قطاع تجارة التجزئة نشط للغاية وأن هناك مشاريع وعلامات تجارية جديدة تدخل إليه وليس العكس وهذا يظهر في زيادة التمويلات لهذا القطاع.

وقال إن هذه الزيادة الملحوظة في الإقراض تأتي في ظل أوضاع عالمية وإقليمية غير إيجابية، ما يدل على الأهمية المتزايدة للإمارات وخاصة دبي مركزاً إقليمياً للمال والأعمال. وشدد على أن نمو الإقراض يعكس أيضاً فاعلية الطلب الكلي (الإنفاق)، حيث إن نمو الإقراض يعني تمويل الطلب الكلي الموجود من الحكومة أو القطاع الخاص أو الأفراد، وهذا الطلب المتزايد أيضاً من شأنه أن يعزز حركة النشاط الاقتصادي وبالتالي تزيد وتيرة التوظيف ما يؤدى إلى رفع معدلات النمو الاقتصادي.

 

نمو الودائع

من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لشركة «أبوظبي الأول للأوراق المالية» محمد علي ياسين: إن تزايد الودائع هو أحد المؤشرات الرئيسة لقوة القطاع المصرفي، لافتاً إلى أن القطاع في الإمارات مستمر في جذب ودائع المقيمين وغير المقيمين. وأكد أن الزيادة الكبيرة في الودائع خاصة ودائع غير المقيمين تعكس الثقة والطمأنينة الكبيرة التي يلمسها كل غير مقيم في اقتصاد الإمارات، إضافة إلى جاذبية مناخ الاستثمار وتنوع القنوات الاستثمارية في الدولة، وقوة الاستقرار السياسي والأمني الذي تشهده الإمارات، ما جعلها من أكثر دول المنطقة جذباً للاستثمارات.

وأشار إلى حكمة الحكومة واستثمار أموالها خاصة الفائض بسبب ارتفاع أسعار النفط في فترات محدودة خلال سنوات التراجع، وأن الأسعار تحسنت بشكل جيد خلال عامي 2017 و2018 ووصلنا لمستويات 86 دولاراً للبرميل، وقد انتهزت الدولة الفرصة من وراء ارتفاع أسعار النفط إلى زيادة ودائعها بشكل كبير وصل في بعض الفترات إلى 300%، ويؤكد الأهمية الكبيرة لزيادة الودائع الحكومية في تحسن وزيادة السيولة بالبنوك.

وأفاد بأن توفر السيولة الكبيرة لدى البنوك مكنها من ترسيخ وتقوية احتياطاتها المالية ومواجهة أية مشكلات طارئة، كما زادت البنوك مخصصاتها المالية، ما أدى إلى تقوية ملاءتها المالية بشكل كبير، كما دفعها للتوسع في تمويلات الأفراد والشركات بعد أن توفرت لها سيولة كبيرة ناتجة بشكل رئيس عن زيادة الودائع الحكومية، وقد شهدنا خلال العامين الماضي والجاري منافسة قوية بين البنوك لتقديم عروض تمويلية منخفضة للأفراد والشركات، وأبدعت البنوك في تنويع منتجاتها التمويلية، ما أعطى دفعة قوية للنظام المصرفي بالدولة.

وشدد على أن توفير البنوك لتمويلات كبيرة للشركات والأفراد كانت له تداعيات إيجابية على اقتصاد الدولة، فعلى سبيل المثال لاحظنا زيادة واضحة في التمويلات العقارية للشركات والأفراد وكانت هذه الزيادة سبباً رئيساً في استمرار تطوير المشاريع العقارية الجديدة في مختلف إمارات الدولة. وقال: «لو لم يكن هناك حراك اقتصادي قوي في الإمارات لما زادت البنوك من إقراضها للقطاعين الحكومي والخاص والأفراد، ولا شك في أن القاعدة الرأسمالية للبنوك توسعت وكبرت وهو ما يدفعها للمزيد من الإقراض».

45.2 %

ارتفعت استثمارات البنوك من 225.4 مليار درهم بنهاية يونيو 2014 إلى 327.2 ملياراً بنهاية أكتوبر 2018 بارتفاع قدره 101.8 مليار بنمو 45.2%. ووجهت البنوك غالبية استثماراتها نحو السندات بشكل كبير.

وكشفت الإحصاءات عن أن السندات سواء كانت سندات محفوظة حتى تاريخ الاستحقاق أو أوراقاً مالية تمثل ديوناً على الغير، استحوذت بنهاية أكتوبر 2018 على 87.3% من استثمارات البنوك، تشكل 285.6 مليار درهم من إجمالي الاستثمارات البالغة 327.2 ملياراً، وتوزع إجمالي مبالغ السندات على 79.1 ملياراً سندات محفوظة، و206.5 مليارات سندات دين.

 

رصيد ذهبي واحتياطيات تفوق 390 ملياراً

تكشف الإحصاءات عن قوة الوضع المالي للمصرف المركزي خلال فترة المقارنة، حيث نجح المصرف في استحداث احتياطي ورصيد ذهبي له للمرة الأولى، إضافة إلى استثمار ودائعه وأرصدته في بنوك خارج الدولة بشكل فعال وأكثر أماناً، الأمر الذي أدى إلى متانة موقفه المالي.

إ حصاءات

وتشير الإحصاءات إلى أن الاحتياطيات الدولية شهدت ارتفاعاً ملحوظاً، حيث قفزت من 317.5 مليار درهم إلى 390.5 مليار درهم بزيادة 73 ملياراً بنمو 23%، وخلال 2014 لم يكن للمصرف المركزي احتياطي أو رصيد من السبائك الذهبية، وظهر الرصيد الذهبي للمصرف المركزي لأول مرة في ميزانية ديسمبر 2015، حيث بلغ رصيده من السبائك الذهبية 940 مليون درهم، واستمر الرصيد في الارتفاع حتى وصل إلى مليار و77 مليون درهم بنهاية أكتوبر.

وتنوّه الإحصاءات بأن إجمالي أصول المصرف المركزي ارتفعت من 334 مليار درهم بنهاية يونيو 2014 إلى 384.7 مليار درهم بنهاية أكتوبر 2018 بارتفاع قدره 50.7 مليار درهم بنمو 15.2%. وتشير الإحصاءات إلى الارتفاع الملحوظ في أصول المصرف المركزي الأجنبية، حيث ارتفعت من 270.2 مليار درهم إلى 327.6 مليار درهم بنهاية أكتوبر بارتفاع 56.9 مليار درهم ونمو 21%.

أرصدة

وارتفع إجمالي الأرصدة المصرفية والودائع الخاصة بالمصرف المركزي لدى البنوك في الخارج من 110.2 مليارات درهم إلى 256.3 مليار درهم بارتفاع 146.1 مليار درهم ونمو 132%، كما ارتفع إجمالي الأصول الأجنبية الأخرى للمصرف المركزي من 3.59 مليارات درهم إلى 15.55 مليار درهم بنهاية أكتوبر 2018 بارتفاع قدره 12 مليار درهم بنسبة نمو 333%.

 

Email