سهلٌ أن تبني أي مدينة في العالم أرقى المجمعات السكنية التي توفر جميع سبل الحياة الراقية، لأن الأمر لا يتطلب إلا بضع مليارات بأي عملة كانت، ومن ثم الاستثمار في أرض قاحلة أو زراعية أو صحراوية، وتحويلها إلى جنة في الأرض.

بناء جنات الأرض ليس بالأمر المستحيل، ومن يفكر في بناء جنات بغير موقعها فمشروعه لن يكون ناجحاً، فهو كالذي ينشئ مصنعاً للمكيفات أو للثلاجات ليبيعها في سيبيريا، وهي أكثر منطقة باردة على وجه الأرض.

ولمن يبني المجمعات الراقية التي توفر كل ما يحتاج إليه الإنسان العصري، في بلد يفتقد حتى لأساسيات الحياة، يكون استثماره خاطئاً، وأرباحه الندم. وكيف يروج لمشروع ذي إطلالات على بحيرات، والمشترون لا يميزون بين البحيرات والمستنقعات المليئة بالحشرات التي تسامرهم في كل ليلة حتى الصباح، ليتحول أحدهم في يومه التالي إلى مخلوق يكره الفراشات وتغريد العصافير، والألوان وكل من يقول له صباح الخير.

وكيف يروج بعض المستثمرين لمباني راقية ومساكن فارهة في بلدان نسيت رائحة الخبز الطازج، والنوم بأمان. إذاً يجب على المستثمر أن يبني أو يبيع السلعة المناسبة في المكان والزمان المناسبين.

دبي لم تبنِ المجمعات الفارهة، وناطحات السحاب، ومراكز التسوق الضخمة، إلا بعد أن تأكدت أن سكانها بحاجة لمثل هذا النوع من الحياة الراقية، وأعطتهم كل ما يحتاجون إليه من مال وأمان، ليعملوا بإخلاص لهذه المدينة الحلم، ومن ثم أكملت، وبنت لهم المجمعات الراقية التي يستحقون أن يعيشوا فيها هم وأبناؤهم، ليكملوا ثورة الإبداع.

وهنا تكتمل الحلقة الاقتصادية التي من شأنها أن تكون المحفز للنمو العالمي، كما قالت مؤسسة ستاندر أند بورز: «دبي قد تقود نمو الاقتصاد العالمي». دبي تدرك تماماً أن الجائع لا يهتم بآخر عطر عالمي ولا تهمه آخر طرز السيارات الفارهة، ولا يهمه أحدث تصاميم عالم الأزياء والأثاث.

إذاً، دبي قبل أن تبني، أدركت معنى الحلقة الاقتصادية، وأن التفاصيل الصغيرة كرائحة الخبز، هي أهم من بناء أطول برج في العالم، ولمن يشكك في كلامي أسأله متى نام آخر مرة جائعاً؟ إن لم يكن يتبع نظام تنحيف الوزن.

إذاً، الحلقة الاقتصادية المتكاملة لا تبنى بالمقلوب، بل يجب بناء الإنسان أولاً، ومن ثم بناء الحضارة التي ستكون مثلاً للعالم في التنمية وحب الإنسان مهما كان لونه ودينه وعرقه، باختصار هذه دبي أتقنت صناعة الإنسان الذي يتمكن من امتلاك أفخر مكان ليعيش فيه، ووفرت له أفخر العلامات التجارية ليكتسي، وأحدث السيارات ليقود، وأفخم الخدمات ليعيش، ومن ثم أتقنت صناعة الحلقة الاقتصادية المتكاملة.