رسم الباحثون في «سيتي غروب» صورة ليست وردية للاقتصاد الهندي الذي ينمو بسرعة لكنه يعاني تفاوتاً عميقاً، رغم كفاحه لاغتنام فرصة الزيادة السكانية.

وتشير تقديرات خبراء الاقتصاد لدى المصرف إلى أنه حتى إن استمر الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للهند في النمو بنسبة 7%، فإن البلاد ليس بوسعها سوى استحداث 9 ملايين وظيفة سنوياً فقط، وهو ما يقل عن قرابة 12 مليون وظيفة سنوياً تحتاج إليها لاستيعاب القوى العاملة الشابة.

«وفي ضوء خطر تقليل الأتمتة والميكنة لمرونة التوظيف بصورة أكبر، فإن هناك حاجة إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 7% لتلبية احتياجات التوظيف في الهند»، حسبما كتب خبراء الاقتصاد في المصرف في تحليل مشفوع بتوصيات مفصلة.

وفيما تحاول الهند وضع نفسها كبديل عن الصين في التصنيع، فإن التركيز على ضعف التوظيف مسألة حساسة بالنسبة لحكومة رئيس الوزراء، ناريندرا مودي. ورغم التفاخر بتنامي مكانة الهند على الساحة العالمية، إلا أن الإحباط بسبب الوظائف كان مكلفاً لحزبه، بهاراتيا جاناتا، في الانتخابات الماضية، الذي فقد الأغلبية البرلمانية في يونيو.

ويرى أحد المصرفيين الهنود أنه «موضوع حساس، خاصة بعد الانتخابات». لذا، عندما أبرزت وسائل الإعلام تقرير «سيتي»، أصدرت وزارة العمل والتوظيف الهندية «رداً» على المصرف الأمريكي، صرحت فيه بأنه «فشل في الأخذ بعين الاعتبار البيانات الشاملة والإيجابية المتاحة من المصادر الرسمية».

ومن قبيل الصدفة، أدلى المصرف المركزي الهندي بدلوه في هذا الشأن في وقت مبكر من ذلك اليوم الذي صدر فيه تقرير«سيتي»، وأصدر للمرة الأولى بيانات تقديرية، تفيد بإضافة البلاد 46.7 مليون وظيفة في العام المالي المنتهي في مارس، ما يتخطى الاستطلاعات الخاصة.

ورغم تضمين «سيتي» للبيانات الصادرة عن الحكومة والمصرف المركزي في توقعاته، إلا أن هناك تساؤلات، بما في ذلك معدل البطالة الرسمي البالغ 3.2% الذي يرى كثيرون أنه يكتنف مستويات من البطالة المقنعة منخفضة الإنتاجية.

وأشار كثير من المحللين إلى قراءات مركز مراقبة الاقتصاد الهندي، وهو مركز بحثي يتخذ من مومباي مقراً له، والذي قدر معدل البطالة 8.2%، وبلوغ البطالة بين الشباب نسبة 40%. ويعتقد محللون أن هذه الأرقام تشكل صورة أكثر واقعية.

وعلى نطاق واسع، يقول بعض المحللين إن استنكار حكومة مودي لتقرير «سيتي» يسلط الضوء على حساسيتها ضد النقد.

وقال هيمندرا هازاري، المحلل المصرفي المستقل في مومباي، إنه «من الصعب للغاية» إجراء بحث نقدي في البلاد. وأضاف إنه إذا كانت كتاباتك سلبية عن الشركات والمسؤولين الحكوميين «فلن يمنحوك مقابلات مع عملائك المؤسسيين، ولن يقبلوا دعواتك إلى المؤتمرات». وتابع «يمارس الجميع الرقابة الذاتية على أنفسهم. إنها مسألة على المستوى العالمي، وفي الهند أكثر».

أما الذين تحلوا بالجرأة في الإشارة إلى أن ليست كل الأمور على ما يرام في «عصر الرحيق»، وهي العبارة كثيراً ما يستخدمها مودي، فأفادوا بأنهم شعروا بعواقب ما فعلوه.

أخبرني أحد مديري الصناديق الهنود بمواجهته تدقيقاً تنظيمياً مكثفاً بعد مقابلة تلفزيونية شكك خلالها في مغزى قرار مودي المفاجئ في 2016 بسحب العملات من التداول، القرار الذي سحب قدراً كبيراً من العملة الهندية من التداول.

وحدثت ضجة مؤخراً عندما أعرب أميت سينغل، الرئيس التنفيذي لمجموعة إيجان بينت الهندية للزخارف والمقياس الاقتصادي «Asian Paints»، عن وجهة نظره في أن إحصاءات النمو في البلاد لا تعكس الواقع.

وفي اجتماع عبر الهاتف في مايو، صرح سينغل للمحللين: «لست متأكداً تماماً من كيفية قياس بيانات الناتج المحلي الإجمالي».

واستغلت المعارضة الهندية تصريحات سينغل خلال الانتخابات التي جرت في البلاد. ودفعت هذه التصريحات الشركة فيما بعد إلى إعلان أن الرئيس التنفيذي «أُسيء فهمه» وأنه «لم يقصد بأي شكل من الأشكال التشكيك في دقة بيانات الناتج المحلي الإجمالي».

ويظل بعض خبراء الاقتصاد من الجسورين راغبين في التحدث بصراحة. فقبل يوم من نشر الموازنة السنوية للهند، نشر بنك «سوسيتيه جنرال» مذكرة قال فيها: «إن تحدي التوظيف في الهند حقيقي».

وكانت هذه رسالة أخذتها حكومة مودي بعين الاعتبار على ما يبدو بعد الأداء الانتخابي الضعيف. فأعلنت نيرمالا سيترامان، وزيرة المالية الهندية في الأسبوع الماضي، خططاً لإنفاق تريليوني روبية هندية، ما يعادل 24 مليار دولار على مجموعة تدابير تهدف إلى خلق الوظائف وبرامج التدريب وحوافز للتوظيف من شأنها «ستولد فرصاً كثيرة للجميع».