داخل مصنع يقع في معقل قطاع التصنيع بالصين يقوم العمال بإضافة لمسات بسيطة من الطلاء أو اللمعان إلى صور الأزهار المطبوعة يدوياً، وهي حيل بسيطة تستهدف تعزيز الأرباح المتدنية في مواجهة تراجع الطلب العالمي.

وتقول وانغ شياوشا، المدير العام لشركة فوجيان جي آو الصناعية في منطقة مينهو، بمقاطعة فوجيان جنوب شرق الصين:

«نود القول إنه إذا كان بإمكانك إنتاج سلع راقية فهذا يعني أنه كلما زادت جودة لوحاتك أصبحت أكثر كلاسيكية، لكن في ظل الوضع الاقتصادي العالمي الحالي كلما زادت المبيعات انخفض السعر».

ورغم رغبة الرئيس شي جين بينغ في أن ينصب تركيز الاقتصاد الصيني على «قوى إنتاج جديدة ذات جودة عالية»، مثل التقنيات الصديقة للبيئة والمركبات الكهربائية.

إلا أن المصانع منخفضة التقنية ظلت لفترة طويلة بمثابة العمود الفقري للنمو الهائل، الذي شهدته البلاد وأحد أكبر المصادر لخلق فرص العمل.

إلا أن هذه المصانع تواجه صعوبات متزايدة في ظل انخفاض الطلب من العملاء الغربيين، والقيود التجارية في الأسواق الأجنبية، واحتدام التنافس بين المراكز المنافسة، خاصة دول جنوب شرق آسيا مثل فيتنام وإندونيسيا، إضافة إلى بنغلاديش والهند.

وقال فريد نيومان، كبير خبراء الاقتصاد لمنطقة آسيا في بنك إتش إس بي سي: «إن الصين بصفتها أكبر مصدر للملابس ومن كبار منتجي الألعاب والأثاث «تظل قوة عملاقة عند الحديث عن السلع التي تعتمد على كثافة الأيدي العاملة»، ولكن «هذه الصناعات تصارع للبقاء» في خضم السباق المتنامي من المنافسين الأقل تكلفة».

وبحسب تقرير صادر عن بنك أوف «أمريكا غلوبال ريسيرش»: «شكلت الملابس والأحذية والأثاث 9% من صادرات الصين خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الماضي، منخفضة من 20% عام 2001. في الوقت نفسه ارتفعت حصة السيارات والآلات إلى إجمالي الصادرات من 16% إلى 33%».

وذكر التقرير أن حصة الصين من مبيعات الأحذية والملابس العالمية تراجعت في السنوات الأخيرة.

حيث انخفضت حصتها في إجمالي المعروض من علامتي نايكي وأديداس من 20 - 27% عام 2017 إلى 16 - 20% عام 2022.

ورغم أنها لا تزال أكبر مورد في العالم فقد انخفضت حصة الصين من صادرات الأحذية العالمية بأكثر من 10 نقاط مئوية العقد الماضي، وفقاً للبيانات الواردة في الكتاب السنوي للأحذية العالمية لعام 2023.

وأضاف التقرير أن قدراً كبيراً من هذه الطاقة الإنتاجية تحول لدول جنوب شرق آسيا، خاصة إندونيسيا وفيتنام. وكانت فيتنام وهي الآن ثاني أكبر مصدر على مستوى العالم المستفيد الأكبر، حيث ارتفعت حصتها من 2% إلى قرابة 10%.

ويعكس هذا التحول إلى حد ما سعي الشركات إلى خفض تكاليف العمالة، لكنه يعكس مؤخراً الرغبة في الحد من مخاطر سلاسل التوريد وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية. وذكر نيومان من «بنك إتش إس بي سي» أن استمرار انسحاب الصناعات التقليدية القائمة على كثافة العمالة من الصين قد يؤدي إلى فقدان الوظائف، وهو ما يحرص صناع السياسات في بكين على تفاديه.

وتابع: «بما أن أغلب قطاع التصنيع في الصين لا يزال ما بين متوسط إلى منخفض التقنية فإنك بحاجة إلى وجود هذه المصانع كثيفة العمالة»، و«الأمر لا يتعلق فقط بالسيطرة على المركبات الكهربائية أو التكنولوجيا المتقدمة أو امتلاك صناعة أشباه الموصلات محلياً، بل يتعلق أيضاً بالحفاظ على القدرة الإنتاجية في جميع أنواع السلع، حتى الأدنى منها».

وتصطف على جانبي شوارع جينجيانغ، وهي مدينة صناعية في فوجيان، مصانع الأحذية والأقمشة، التي تتفاوت بين مصانع تتكون من 12 طابقاً أو أكثر إلى هياكل معدنية ذات أسقف فولاذية، وتعد المدينة موطناً لعمالقة صناعة الأحذية، مثل أنتا، وتتميز بكونها أكبر مركز «متكامل» في العالم لأقمشة الأحذية الرياضية.

وقال لاي مينغكوان، رئيس شركة سينغ لونغ مايكروفايبر، وهي شركة بيع بالجملة داخل المجمع، «إنه رغم أن سعي الصين الحثيث نحو السيارات الكهربائية عالية التقنية قد خلق مصدراً للطلب على الجلود الصناعية المستخدمة في التصميمات الداخلية للسيارات، إلا أن ضعف الطلب المحلي والعالمي عموماً جعل من الصعب على المصانع تبني أحدث التقنيات بشكل كامل».

وتابع: «تنفيذ الأتمتة يتطلب من المصنع الوصول إلى كم معين من الطلبات، لكن في الوقت الحالي بعض الطلبات في الصين لم تصل إلى هذا القدر الهائل».

وذكر يانغ شيان آن، مدير المبيعات لدى شركة بوبانغ وهي شركة مصنعة للألياف الدقيقة المصنوعة من جلد الغزال، إنه رغم احتدام المنافسة على إنتاج أقمشة اصطناعية أحدث وأرخص ثمناً فإن الطلبات الجديدة، خاصة الواردة من المصدرين للعملاء الأجانب، قد انخفضت منذ نهاية الجائحة. وقال: «في هذه الصناعة كل عام أسوأ من سابقه».

وبينما يشير المحللون إلى أن الصين لا تزال تهيمن على إمدادات الأقمشة المتطورة المستخدمة في إنتاج الأحذية فإن قاعدة تصنيع الأحذية الأوسع، التي سبق أن تمركزت في جينجيانغ والمناطق المجاورة لها، قد انتشرت الآن في مقاطعات أخرى، وفي خارج البلاد، حسب ما ذكر تشانغ شينغ لو، مدير المبيعات لدى شركة جيا يي للمنتجات البلاستيكية، المصنعة لأجزاء الأحذية.

وقال إن انخفاض الطلب العالمي والمحلي على الأحذية أثر بشدة على شركات مثل شركته، التي تزود المصانع بمنتجات أقل تكلفة ولا تحمل علامة تجارية، مضيفاً أن الوضع تفاقم بسبب فرض تعريفات جمركية على الأحذية الصينية في أسواق مثل الولايات المتحدة.

وتابع: «إن التقنيات المتقدمة ليست سوى جزء صغير من الصورة الأكبر، فالمصنع الواحد ينتج كمية كبيرة يومياً، ومع انتشار المصانع في كل مكان، كيف يمكنهم دعم هذا الكم الهائل من العمالة».

وعند مدخل مستودع شركة جي آو الصناعية توجد لافتة مكتوب عليها «الابتكار هو الأساس، والجودة شريان الحياة»، لكن مع انخفاض الطلب وتركيز العملاء المتبقين على المساومة للحصول على سعر أقل اضطرت الشركة إلى خفض عدد موظفيها من نحو 300 رسام إلى النصف، وفقاً لما قالته المديرة العامة وانغ. وأوضحت: «ثمة العديد من العقبات التي تواجهنا كشركات تقليدية».