يستمتع رؤساء شركات التكنولوجيا بمناقشة الفلسفات التي تقوم عليها شركاتهم. فبدلاً من لوائح الموارد البشرية المملة، دافع وادي السيليكون عن الصراحة الجذرية، واستحضار الشخصية الحقيقية في العمل والتأقلم. لكن لم يعد الأمر كذلك الآن.

ومع تقادم القطاع، بدأت معالم التسلسل الهرمي التقليدي في الظهور. وليس أدل على ذلك مما تضمنته أحدث مذكرة ثقافية لشركة نتفليكس حيث هناك سطر لافت ينص على أن «جميع الآراء ليست متساوية». وأخبرت المذكرة الموظفين أن نتفليكس قد لا تكون المكان المناسب لأولئك الذين لا يتفقون مع المحتوى.

ومن الواضح فهم سبب شعور الموظفين بالراحة عند التعبير عن آرائهم. ففي عام 2009، قدم المؤسس والرئيس التنفيذي آنذاك ريد هاستينغز أول مذكرة ثقافية للشركة، والتي تضمنت 125 صفحة معدة باستخدام برنامج باوربوينت، واكتسبت شهرة كبيرة في دوائر التكنولوجيا.

وقد شرح ريد هاستينغز فيها الصفات التي يريد رؤيتها في القوى العاملة. وفي الصفحة 15 بالمذكرة، عرف هاستينغز الشجاعة بأنها القدرة على «التساؤل عن مغزى التصرفات غير المتسقة مع قيمنا». وعن النزاهة كتب: «يجب أن تتسم بالصراحة والوضوح».

وقد ترجمت المذكرة إلى ثقافة مؤسسية معروفة بالصراحة. ويخضع موظفو نتفليكس لتقييم شمولي 360 درجة. وعندما يقدم مشرفك تعليقات، يمكنك الرد بالمثل.

وتم تشجيع الموظفين على الاعتراف بالخطأ علناً من خلال ممارسة «الشفافية الكاملة». وفي حين قد تنتاب بعض الشخصيات الحساسة الذعر، لكن من خلال ذلك نجحت أكبر شركة بث في العالم في تغيير الطريقة التي يشاهد بها الملايين البرامج التلفزيونية والأفلام، وعززت مصداقية ثقافتها المؤسسية.

ومع ذلك، فإن الكثير من التغيير يمكن أن يطرأ خلال 15 عاماً. ومن الأسهل كثيراً أن تطلب من الموظفين التشكيك في أفعالك عندما تكون القوى العاملة صغيرة نسبياً.

لكن كما تشير صحيفة نيويورك تايمز، التي نشرت خبر المذكرة لأول مرة، فإن نتفليكس لديها أكثر من 13 ألف موظف، مقارنة بأقل من 1900 موظف في عام 2009. ومن السهل دائماً على المسؤولين المطالبة بتعليقات صادقة لكن ليس من السهل الاستماع إليها وقبولها.

على سبيل المثال، يدعو إيلون ماسك إلى التواصل المباشر، لكنه يبدو حساساً في بعض الأحيان. وفي عام 2017، أرسل مذكرة إلى موظفي تيسلا لحثهم على التحدث بحرية مع أي شخص يمكنه المساعدة في حل المشكلات.

وكتب: «يمكنك التحدث إلى مدير مديرك دون إذنه، كما يمكنك التواصل مباشرة مع نائب الرئيس في قسم آخر، ويمكنك بالتأكيد التحدث معي». لكن عندما عارض مهندس في تويتر ماسك علناً بعد الاستحواذ على الشركة، تم فصله.

وبالمثل، قامت شركة غوغل، التي كانت مناصرة قوية لاستحضار الشخصية الحقيقية في العمل، بفصل أكثر من 20 عاملاً بعد احتجاجات ضد عقد للشركة مع الحكومة الإسرائيلية. وتأمل الشركة أن تبقي المعتقدات السياسية للموظفين شخصية وبعيدة من مكان العمل.

وتجرى حالياً عملية إعادة توازن للقوى بين شركات التكنولوجيا وموظفيها. فقد أدى الإفراط التوظيف أثناء الوباء إلى الحاجة لخفض العمالة، ما يعني أن الموظفين يشعرون بقدر أقل من الأمان. كما يعيد بعض المديرين النظر في الحرية التي لطالما منحوها للقوى العاملة.

وقبل عقدين، كانت شركات مثل غوغل لا تزال حديثة العهد في القطاع. ولجذب هذا النوع من المواهب التي قد تبحث عن وظائف مربحة ومستقرة في أماكن أخرى، كان عليها أن تظهر اختلافها. ومن هنا جاءت فكرة الملابس غير الرسمية والوجبات الخفيفة التي لا نهاية لها والهياكل الإدارية المستقرة، وتعزيز حرية التعبير بين الموظفين.

لكن الآن أصبح قطاع التكنولوجيا مجالاً راسخاً ومطلوباً، لم يعد بحاجة إلى بذل جهد للحصول على أفضل الموظفين. وبات مثل القطاعات الأخرى ذات الأجور الجيدة. ومثلما هي الحال في تلك القطاعات، تريد الشركة من موظفيها أخذ رواتبهم والاحتفاظ بآرائهم لأنفسهم.