بحث أسرار النوم يتواصل.. والشركات تواصل استغلال شعورنا بالتعب

ت + ت - الحجم الطبيعي

تثير علاقة البشر المضطربة بالنوم في القرن الـ21 الكثير من التساؤلات، لكن يبقى السؤال الأبسط والاهم بينها هو: كيف يحل التعب وما الذي يجعلنا نشعر بالنعاس؟ وللأسف، ليس هناك إجابة واضحة.

ويقول عالم الأعصاب الذي ربما اقترب من الإجابة عنه، ماساشي ياناغيساوا، إن كشف الأسرار، يمكن أن يغير عالم اليقظة والنوم كما نعرفه. وقطع ياناغيساوا وفريقه شوطاً أكبر من أي شخص حتى الآن لحل اللغز، لكن الأمر يبقى (على الأقل في الوقت الحالي) لغزاً صريحاً. وكل من يعتقد غير ذلك ربما يحاول بيعك شيئاً ما. وفي هذه الأثناء، وبينما ننتظر الإنجاز العلمي القادم، هذا هو بالضبط ما يحدث.

فالنوم عمل تجاري ضخم. والتنافس من أجل إنفاقنا على الأرق تغلغل إلى زوايا أدق من أي وقت مضى لكل من محافظنا وتصوراتنا. في الوقت نفسه، تبدو المعركة للسيطرة على الثلث الذي نقضيه من حياتنا نياماً، مفتوحة على مصراعيها لمزيد من الاستغلال التجاري.

فيتم التسويق لغرف نوم بوصفها ملاذاً، وبيجامات من ألياف الخيزران، وأسرة مزودة بأجهزة استشعار، وسياحة المنتجعات الفاخرة، واستشاريين للنوم. لقد صقلت الصناعة، بعبقرية، مهاراتها المتزايدة في تصوير النوم بوصفه مرضاً (أمور مروعة تحدث للفرد والاقتصاد إذا لم تحصل على القدر الكافي) وترياق (تحدث أمور مذهلة إذا حصلت على القدر الكافي) للحياة المعاصرة.

وتقدير حجم القطاع الحالي يعتمد على ما تحسبه، ولكن من الممكن القول إنه يصل إلى مئات المليارات من الدولارات. ويقدر البعض أن قيمة الأسواق العالمية للفراش والمفروشات تبلغ أكثر من 150 مليار دولار، وبإضافة الإكسسوارات المتعلقة بالفراش، والساعات الذكية لتتبع النوم، ومختبرات النوم، والمنبه الذكي، وأجهزة علاج انقطاع النفس أثناء النوم، والأدوية المرتبطة بالنوم، والمكملات الغذائية، وأجهزة مراقبة النوم، وأجهزة التحكم في درجات الحرارة، قد يقترب الرقم من 300 مليار دولار.

ويعود جزء كبير من النمو الحالي والمتوقع للصناعة إلى ارتباط مدى شمولية النوم، والحرمان منه، في المناقشات الأعم حيال الصحة والوقاية من الأمراض. وتجري المنظمات الوطنية والعالمية، دراسات استقصائية وتقدم توصيات بشأن النوم، ويوفر انتشار الساعات الذكية وغيرها من الأجهزة كمية غير مسبوقة من البيانات حول مدى جودة نومنا. وبشكل عام، يبدو أن النوم يستعيد اعتباره، بعد أن رضخ تاريخياً لمتطلبات ساعات العمل الطويلة.

وفي موطن ياناغيساوا، اليابان، حيث يشغل منصب مدير المعهد الدولي لطب النوم التكاملي، ومناصراً قوياً لتعزيز النوم بصورة أكثر وأفضل، فإن إدراك العواقب عندما تتجاهل الأمة بأكملها أهميته يضرب على الوتر الحساس. فقد وجدت أحدث البيانات الحكومية (قبل كوفيد) أن قرابة 40% من الرجال والنساء البالغين في البلاد ينامون أقل من 6 ساعات في الليلة. وكشف استطلاع أجرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 2021، أن اليابانيين يحصلون في المتوسط، على أقل قدر من النوم بين الدول الـ33 التي شملها الاستطلاع. وأكد تطبيق «بوكيمون سليب»، الذي قام بتحميله الآن أكثر من 10 ملايين شخص حول العالم، هذه النتائج.

ووفقاً لما أظهرته دراسة أجرتها جامعة طوكيو الشهر الماضي، يحصل ثلثا أطفال اليابان على أقل من 6 ساعات من النوم ليلاً، بحلول الوقت الذي يصلون فيه إلى المدرسة الثانوية، ويصبحون ضحايا لاضطراب اختلاف التوقيت الاجتماعي.

وفي هذه الحالة، يجد ياناغيساوا نفسه أمام مهمتين، فباعتباره من أبرز علماء النوم في العالم، فهو مناصر موهوب ومؤثر. ولكن في المدى البعيد، يمكن لجهوده أن تحدث فارقاً ملموساً. وينصب تركيزها على الآلية الموجودة في الدماغ التي تتحكم في جودة ومدة النوم وهو جوهر اللغز المحيط بما يحدث خلال ساعات اليقظة والذي يؤدي لاحقاً إلى النعاس. ويؤكد أنه بالنسبة لشيء أساس جداً، فإنه أكثر تعقيداً مما يتصوره الناس. ويتفق العلماء بشكل عام على مفهوم الانتقال الذي يبدل الشخص بين حالتي اليقظة والنوم. ويكمن اللغز في فهم كيفية عمله وكيف يحسب الدماغ تراكم النعاس.

وفي عام 2021، اكتشف فريق من معهد ياناغيساوا، أن إنزيماً يُعرف بـ كيناز 3 المحفز للملح، قد يلعب دوراً محورياً في كيفية تنظيم النوم، وربما يكون السر الذي يبحث عنه الجميع.

ياناغيساوا، الجالس في مكتبه المتواضع في تسوكوبا، كان هادئاً لكنه متحمس، فإذا تمكن العلم من اكتشاف كيف يعمل مفتاح نومنا، وما الذي يتحكم في مدة نومنا ونوعيته، فقد تكون النتائج العملية هائلة.

وقال: «سنكون قادرين على البدء في التلاعب بهذه الآلية، يمكنك تطوير فئة جديدة تماماً من الأدوية التي تبقيك مستيقظاً عند الضرورة، أو تمنحك عدد ساعات النوم التي تحتاجها. ويمكن أن تتحول المعاناة، مثل الحرمان من النوم والأرق، جزءاً من الماضي بين عشية وضحاها.

وقد تكون صناعة النوم على مسارها الصحيح لتحقيق أعظم ثوراتها منذ اختراع الوسادة.

كلمات دالة:
  • FT
Email