معاداة الرأسمالية اليقظة تفشل في تدمير الاستثمار المستدام

ت + ت - الحجم الطبيعي

أدت الحرب السياسية على الرأسمالية اليقظة إلى توتر في الشعور العام تجاه الاستثمار البيئي والاجتماعي والحوكمة «إي إس جي»، ما وجّه ضربة لمفهوم القيام بالأعمال التجارية بشكل جيّد عن طريق عمل الخير.

لكن علماء السلوك يعتقدون بأن مديري الأصول الذين يتوقعون وفاة استثمارات الرأسمالية اليقظة خلال 5 سنوات يتجاهلون حقائق أساسية عن كيفية تصرّف المستثمرين؛ فلقد وجدوا أنه بينما تهبّ العواصف السياسية على مجتمعات الاستثمار، فإن القيم الأساسية للناس لا تتغير كثيراً نتيجة لذلك.

وقال جريج ديفيز رئيس قسم العلوم السلوكية في شركة «أوكسفورد ريسك» الاستشارية، مستشهداً بأبحاث أجريت على آلاف الأفراد على مدار العقد الماضي: «تشير الأدلة إلى أن نحو 70% من المستثمرين على استعداد للتخلي عن شيء ما لإظهار رغبتهم في فعل شيء ما للعالم».

رغم ذلك، على السطح، قد يكون من الصعب اكتشاف الدعم الأساسي لاستثمارات «إي إس جي»، فوفقاً لمزود البيانات «مورنينج ستار» تراجع تدفق الأموال إلى الصناديق العالمية المستدامة للمرة الأولى على الإطلاق في الربع الرابع من عام 2023.

وقاد المستثمرون في الولايات المتحدة هذا التراجع، بسحب مبلغ قياسي بقيمة 5 مليارات دولار من صناديق الاستدامة الأمريكية. وأطلق المديرون، الذين يستمعون إلى «تغير المزاج»، 7 صناديق استدامة جديدة فقط في الولايات المتحدة خلال الربع الرابع من 2023، وهو أقل من أي وقت آخر خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

لكن في أوروبا، صمدت استراتيجيات الصناديق المستدامة المدارة بشكل سلبي، بما في ذلك صناديق المؤشرات المتداولة في البورصة، بشكل جيد.

وأظهر بحث لـ «مورنينج ستار» أن الصناديق المستدامة الأوروبية أصبحت أكثر رواجاً من الموجودة في أماكن أخرى وجمعت صافي أموال جديدة بقيمة 3.3 مليارات دولار في الربع الرابع من العام الماضي. ويرجع الفضل في ذلك بحد كبير إلى الصناديق السلبية، بما في ذلك صناديق المؤشرات المتداولة، التي جمعت 21.3 مليار دولار، بينما تكبدت نظيراتها المستدامة المُدارة بشكل نشط خسائر قرابة 18 مليار دولار.

هذا الطلب الواضح على صناديق المؤشرات المتداولة المُدارة بشكل سلبي لا يتعارض فقط مع السرد الإعلامي الأوسع بأننا قد وصلنا إلى ذروة «المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة»، ولكنه أربك أيضاً بعض مراقبي السوق.

رغم ذلك، يجادل جيمس بورسيل، المدير التنفيذي للتمويل المستدام والمؤلف المشارك لكتاب «الاستثمار المستدام في الممارسة»، بأن عالم الاستثمار المستدام أكثر تعقيداً مما يفترض غالباً، خاصة عندما يتعلق الأمر باستخدام صناديق المؤشرات المتداولة.

ويقول: «غالباً ما يكون المستثمرون الذين لديهم شغف أقوى بالاستدامة هم الأكثر تطلباً». ويعتقد أن هذا الشغف يمكن أن يبعدهم بالفعل عن منتجات الصناديق واسعة النطاق التي قد تعرض تلك القيم للخطر.

ويعتقد بورسيل أن هناك أسباباً عديدة تدفع المستخدم لاختيار صندوق استثمار تداول مستدام، ولا يشترط أن تتعلق كلها بالاستدامة، فبينما يسعى البعض إلى مواءمة استثماراتهم مع قيمهم، قد يميل البعض الآخر ببساطة إلى أداء صناديق المؤشرات المتداولة في السنوات السابقة، على سبيل المثال.

«بالتالي، ليس هناك رابط أكيد أن التدفقات المنسحبة من صناديق الاستثمار المتداولة توحي أن المستثمرين المتسقين مع القيم يتراجعون عن التزامهم»، بحسب بورسيل.

وحذر ديفيز من أن الضجة الحالية حول استثمارات «إي إس جي»، تتمحور حول الشركات التي تقدم ادعاءات مبالغ فيها أو تمارس التغليف الأخضر، أو على إهمال العائد على الاستثمار، هذه الضجة تهدد بإخفاء القيم الحقيقية للمستثمرين.

وقال إن «الاعتقاد الذي سمعته كثيراً من كبار المصرفيين، بأن المستثمرين لن يتخلوا عن العائدات من أجل الأثر المجتمعي، يبدو من قبيل الهراء الواضح، فمعظم الأفراد مستعدون للتخلي عن بعض ثرواتهم عن طيب خاطر لفعل شيء جيد عبر التبرعات الخيرية».

رغم ذلك، يعترف كل من ديفيز وبورسيل بمشاكل «التغليف الأخضر»، وهي ممارسة تتهم باستخدامها العديد من صناديق المؤشرات المتداولة.

ويرى ديفيز، أن هذه المشاكل تنبع من أن صناعة إدارة الأصول لديها سوء فهم للطبيعة البشرية. ويعتقد أن إعادة تسمية الصناديق الضخمة التي تشكلت، خاصة في أوروبا، لتتضمن «الاستدامة» أو «إيه إس جي» في أسمائها، كانت مستوحاة من اعتقاد خاطئ بأن المستثمرين سيختارونها فقط إذا كانت «ستحقق تأثيراً دون خسارة في العائدات».

وقال ديفيز إن هذا النهج أدى إلى حل مشوش لم يستثمر من أجل التأثير، بل كان «مجرد استثمار». نتيجة لذلك، ترك هذا التوجه المستثمرين المهتمين بالنتائج والعائدات سوياً غير راضين.

وقال إن «التغليف الأخضر مصدر قلق مشروع، رغم ذلك، فإن بعض الاتهامات بممارسة التغليف الأخضر لا تنبع من محاولة متعمدة للخداع، بل بالأحرى من تفسير مختلف للاستدامة».

وأشار إلى أن البنود الصغيرة في كتيبات مبادئ الصناديق تنص بوضوح، على سبيل المثال، على أن اختيار حيازات أسهم شركة ما يعتمد على أداء الشركة بالنسبة لمعايير «إي إس جي» في قطاعها.

على سبيل المثال، قد تكون شركة نفط مدرجة في مؤشر ما، ويستثمر فيها صندوق لمجرد أنها تتمتع بمصداقية بيئية أفضل من شركة نفط أخرى.

ويشير بورسيل إلى أن هذا يتسبب في حدوث عداء أفقي بين أصحاب المصلحة في النظام البيئي، وغالباً ما تظهر اتهامات التغليف الأخضر.

وبالنسبة إلى راهول بوشان، العضو المنتدب والرئيس العالمي للمؤشرات في «آرك إنفيستيورب» فإن الكثير من الانتقادات ضد موفري الصناديق المستدامة واستثمارات «إي إس جي» ترجع إلى الالتباس في التصنيف.

وقال: «أعتقد أنه من الضروري توضيح الفرق بين الاستثمار في مجال «إي إس جي» والاستثمار المستدام». إلا أنه أصر على أن الاستثمار في الاستدامة يمكن أن يكون مفيداً للنتائج النهائية، مؤكداً أن «الاعتقاد في أن الاستثمار المستدام يتطلب تضحية مقابل العائدات هو في الواقع، وفي رأينا، غير دقيق».

وبينما يتواصل الجدل حول هذه النقطة، يقول جيمس لوسون، الشريك الإداري في شركة «ترايب إمباكت كابيتال»، لإدارة الثروات ذات التأثير، إن تجربته علمته التركيز على تطلعات الأفراد.

وقال إنه: «نادراً ما يستيقظ المستثمر ويطلب القليل من إي إس جي. بدلاً من ذلك، نجد أنهم أكثر اهتماماً بما تفعله استثماراتهم لإلحاق الضرر أو حماية أو دعم الناس والكوكب».

وتوافق هورتنس بيوي، رئيسة أبحاث الاستدامة العالمية في مورنينغ ستار، على أن النقاش الحالي لم يطفئ الاهتمام. وتقول: «من الصعب التنبؤ بتدفقات الاستثمار والأداء، لكن الدراسات الاستقصائية الأخيرة تُظهر استمرار ارتفاع اهتمام المستثمرين بالاستثمارات المستدامة، وبالتالي، يمكننا أن نتوقع استمرار الطلب على صناديق إي إس جي، وربما يرتفع، مقارنة بالمستويات الحالية».

كلمات دالة:
  • FT
Email