توجهات جديدة لحماية المستهلك تثير قلق الشركات في أوروبا

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعض البرامج التلفزيونية لا يمكن إنتاجها سوى في أمريكا. في أولى حلقات المسلسل الكوميدي «ساينفلد»، رفعت إحدى الشخصيات دعوى قضائية ضد سلسلة مقاهٍ بعد أن وضع ذاك الشخص كوباً داخل قميصه لإدخاله خلسة إلى السينما، وتسبب في حرق نفسه. ثم وكّل كريمر محامياً انتهازياً نمطياً من نيويورك ليجادل في أن غطاء الكوب كان معيباً.

أما الآن، فتواجه شركات الاتحاد الأوروبي قواعد جديدة لإثبات سلامة منتجاتها، ما أثار مخاوف بشأن تعقيدات الإجراءات القانونية.

ووفقاً لتوجيه المسؤولية عن المنتجات، المعدل الذي تم إقراره الشهر الماضي، يجب على الشركات إثبات أن منتجاتها لم تتسبب في أي ضرر، في حال ادعاء العميل وجود عيب أو إصابة.

وتجادل الشركات في أنه على عكس الولايات المتحدة، هناك آليات تنظيم وإنفاذ للقانون قوية، ما يجعل التغيير غير ضروري.

وقال محامٍ رفض الكشف عن اسمه: «الاتحاد الأوروبي لديه إنفاذ عام، والولايات المتحدة لديها إنفاذ خاص.. والآن قرر الاتحاد الأوروبي أن يكون لديه كلاهما».

وقال كاربي إيكهورن، الشريك لدى شركة «جونز داي»، لصحيفة فايننشال تايمز، إن «القواعد الجديدة المعتمدة حيال مسؤولية المنتج أثارت مخاوف جمة بين أوساط المجتمع التجاري الأوسع، ويشمل ذلك المستثمرين الأمريكيين الذين على دراية ببيئة التقاضي السامة في الولايات المتحدة»، وكان حديثه عن هذه المسألة نيابة عن غرفة التجارة الأمريكية بالاتحاد الأوروبي، التي تمثل المستثمرين الأمريكيين في الكتلة.

وأضاف: «حصول المستهلك الأوروبي على التعويض في الحالات التي تسببت فيها المنتجات بضرر حقيقي يعد أمراً أساسياً، ومع ذلك من المرجح أن تفيد اللوائح الجديدة في المقام الأول مكاتب المدعين القانونيين الساعية للربح، وشركات تمويل التقاضي».

ويلمح أحد المسؤولين التنفيذيين في شركة أجهزة طبية، بأن التوجيهات قد تكون مضرة، وضرب مثلاً بعملية جراحية جرت على نحو خاطئ وتسببت في إصابة المريض بالشلل.

وأوضح أن عشرات المنتجات من مختلف الشركات قد تم استخدامها، وما لم تتمكن من إثبات أن منتجك لم يكن معيباً، فستصبح على المحك.

ومع ذلك، تدافع المنظمات الاستهلاكية عن التوجيه المنقح الخاص بمسؤولية المنتج.

وقالت المنظمة الأوروبية للمستهلك، إن هناك أنظمة في كل من الدول الأعضاء الـ27 تختلف فيما إذا كانت البرمجيات تعد منتجاً، ومتى يمكن اعتبار الأجهزة الذكية «معيبة».

وقال أورس بوسكي، كبير المسؤولين القانونيين في المنظمة الأوروبية للمستهلك: «الآن حال تسبب تطبيق موفر للبطارية في ارتفاع درجة حرارة الهاتف الذكي واشتعاله، ما يؤدي بدوره إلى إلحاق أضرار بمنزلك، فسيتمكن المستهلكون من المطالبة بالتعويض عن الممتلكات المتضررة»، كما تم إلغاء الحد الأدنى البالغ 500 يورو للمطالبة بالتعويض عن الأضرار المادية.

لكن ثمة مصدر قلق آخر للشركات، وهو أن المنافسين، خاصة من الصين، قد يرفعون قضايا ملفقة ببساطة لإجبارهم على الكشف عن معلومات حساسة.

وذكرت صحيفة فايننشال تايمز في نوفمبر، أن شركة صينية قامت بتمويل عدة دعاوى قضائية تتعلق بالملكية الفكرية في الولايات المتحدة التي يمكن أن تجبر المدعى عليهم على الكشف عن الابتكارات المسجلة في براءات الاختراع.

وكتب كارل بيلدت، رئيس وزراء السويد السابق، مؤخراً، أن الشركات الصينية قدمت بالفعل تمويلاً لنزاعات تجارية بهدف الاطلاع على أسرار تجارية. وحذر قائلاً: «القانون الجديد من شأنه أن يفاقم هذه المخاطر».

كما قام الاتحاد الأوروبي، بتيسير الدعاوى القضائية الجماعية من خلال اعتماد توجيه إجراءات التمثيل الذي دخل حيز التنفيذ العام الماضي. ويسمح للدول الأعضاء بتعيين هيئات عامة أو منظمات استهلاكية يمكنها بعد ذلك رفع دعاوى قضائية، ربما بتمويل خارجي، في حالات على أساس «لا فوز لا أتعاب» الشائع عبر المحيط الأطلسي.

والبيانات نادرة حول عدد الدعاوى السنوية بموجب التوجيهات الخاصة بمسؤولية المنتج. لكن قدّرت المفوضية الأوروبية عام 2022 أنه تم تسوية ما بين 209 و452 حالة أمام القضاء، مع تسوية ما بين 6 إلى 7 أضعاف خارج المحكمة، وكانت نسب فوز المتظلم لكليهما قرابة 60%.

وقدّر تقييم أثر التوجيه الخاص بمسؤولية المنتج أن المدفوعات السنوية بسبب النظام الجديد المنقّح قد تصل إلى 217 مليون يورو، وأن ترتفع تكاليف التأمين للشركات بنسبة 10% تقريباً.

وتعتقد المنظمة الأوروبية للمستهلك، أن استجابة الشركات مبالغ فيها. وقال ألكسندر بيارد، قائد فريق التنفيذ: «من الصعب بصراحة تصوّر خروج شركة من سوق الاتحاد الأوروبي والفرص المتوافرة فيه، بسبب الخوف من التعرض للمقاضاة من قبل المستهلكين المتضررين».

وأضاف: «فضلاً عن ذلك، يشتمل النظام على جميع أنواع الضمانات لمنع سوء استخدام الإجراءات القانونية، بما في ذلك التقييمات التي يجريها القضاة لحيثيات الإجراء قبل البدء فيه».

وفي حالة «كريمر»، اختارت سلسلة مقاهي «جافا ورلد» التسوية خارج المحكمة. وعندما عُرض عليه الحصول على قهوة مجانية مدى الحياة، وافق على ذلك، ما أثار استياء المحامي ذي الملابس الأنيقة «جاكي تشيلز». وستكون الشركات الأوروبية محظوظة إذا تلقت مثل هذه المعاملة المتساهلة.

كلمات دالة:
  • FT
Email