يرقب مسؤولو المصارف المركزية حول العالم بيانات التوظيف عن كثب، خلال محاولاتهم تحديد موعد خفض أسعار الفائدة هذا العام، لكن هناك مشكلة واحدة، البيانات ربما تكون مخادعة.
ويواجه إحصائيو سوق العمل تقلبات في الهجرة، وتغيرات سريعة في ظروف العمل عقب الجائحة، وتراجع المشاركة في الاستطلاعات، وتضافر هذه العوامل معاً يصنع لهم مشكلة كبيرة.
ومع المراجعة المستمرة لبيانات الوظائف الأمريكية، يتساءل الاقتصاديون بشكل متزايد عن إمكانية الاعتماد على التقارير الرسمية للحصول على قراءة دقيقة لسوق العمل، وهذه مجرد واحدة من مشاكل عدة تواجه صناع السياسات.
فمنذ بداية 2023، تم تخفيض الرقم النهائي للوظائف غير الزراعية في أمريكا 7 مرات، أما رقم الوظائف في يناير الماضي الذي وصف مبدئياً بأنه مذهل، فقد خضع لخفض قدره 124,000 وظيفة بعد شهر، إلى قراءة أكثر اعتدالاً هي 229,000، ومن المقرر صدور القراءة النهائية لبيانات يناير يوم الجمعة المقبل، إلى جانب التقديرات الأولية لشهر مارس.
وتركت هذه التناقضات واضعي أسعار الفائدة والاقتصاديين يكافحون لقياس ما إن كان سوق العمل الساخن قد هدأ بما يكفي لبدء النظر في خفض الفائدة، فمن شأن التباطؤ أن يخفف المخاوف من نمو حاد للأجور قد يؤدي إلى تصاعد جديد للتضخم.
وقال جيسون فورمان الأستاذ بجامعة هارفارد، «في هذه المرحلة، يرى الجميع القراءة الأولية للوظائف غير الزراعية ويفكر: ستخضع هذه القراءة لتعديل بالخفض».
وأدى الاختلاف بين استطلاع إحصاءات العمالة الحالي لمكتب إحصاءات العمل الأمريكي والذي تستند إليه بيانات الوظائف غير الزراعية، واستطلاع معيشة الأسر الذي يجريه المكتب، إلى شكوك لدى البعض في أن أرقام الوظائف ربما تهون من تضخم القوى العاملة في أمريكا أيضاً.
وقال جاريد بيرنشتاين، المستشار الاقتصادي للرئيس الأمريكي جو بايدن، إنه في حين أن جودة بيانات سوق العمل «مرتفعة للغاية» وأن مكتب إحصاءات العمل أنجز «عملاً رائعاً»، فإن مسألة ما إذا كانت البيانات تلتقط بشكل صحيح زيادة في الهجرة فهو «أمر مهم حقاً يجب التفكير فيه».
وتواجه دول أخرى مشكلات مع بياناتها. ففي المملكة المتحدة، لم يكن مكتب الإحصاءات الوطنية قادراً طيلة أشهر على نشر تقدير عام للبطالة لانخفاض معدل الاستجابة لاستطلاع القوى العاملة، إلى درجة أنه لم يعد موثوقاً.
وما زال مكتب الإحصاءات الوطنية البريطاني ينبه المستخدمين للتعامل مع البيانات غير المكتملة التي يصدرها حالياً بحذر شديد، ما يعقد صنع القرارات المتعلقة بسياسات مثل الحد الأدنى للأجور، وأسعار الفائدة، ويصعب أيضاً تخطيط الخدمات على صانعي السياسة، سواء على المستوى المحلي والوطني.
كما سلطت المفوضية الأوروبية الضوء على تراجع معدل الاستجابة لاستطلاع القوى العاملة الذي أجرته في بداية تفشي الجائحة. وقالت إنها قد يصدر عنها «أخطاء عشوائية ومنهجية» في خضم وقت «يتغير فيه الواقع العملي لكثيرين بدرجة كبيرة».
وفي كندا، كافح مكتب الإحصاء للحفاظ على معدل الاستجابة لمسح القوى العاملة بعد الركود الناجم عن الجائحة، إلا أنه أكد ثقته في موثوقية الاستطلاع. ويرجع انخفاض معدلات الاستجابة المستمر منذ فترة طويلة إلى «إجهاد المسوح»، حسب ما ترى سالي أندرسون، من قسم «الإحصاء الحالي للتوظيف» في مكتب إحصاءات العمل الأمريكي، وهو القسم المنوط به جمع الاستطلاعات المستخدمة في إصدار بيانات الوظائف غير الزراعية، وأوضحت «حينما تتسوق هذه الأيام، فإنهم يأخذون بريدك الإلكتروني ويتم استطلاع رأيك حتى قبل خروجك من المتجر»، مشيرة إلى أن المكتب «يتبارى مع كل هذا».
وألقت أندرسون الضوء على تسارع الانخفاض خلال الجائحة مع تغير أنماط الأسر والشركات، وازدياد استخدام تحديد هوية المتصل وسط ارتياب في المتصلين غير المعروفين.
وفي المملكة المتحدة، قالت سام بيكيت، كبيرة المستشارين الاقتصاديين للجنة الشؤون الاقتصادية في مجلس اللوردات الشهر الماضي: «الناس أقل استعداداً أكثر فأكثر للمشاركة في الاستطلاعات الطويلة، ما تسبب في مشكلة بجودة الإحصائيات»، وأضافت أن «الأمر يشكل تحدياً على نحو واضح، في وقت تريد فيه أن تعرف ما يجري بدقة شديدة».
وتجرب بعض الهيئات الحوافز، فمكتب الإحصاء الوطني في المملكة المتحدة يقدم هدايا مجانية وقسائم شراء بـ10 جنيهات إسترلينية، بجانب المتابعة المكثفة لغير المستجيبين، واستبيانات رأي أقصر، مع المضي في الاستعاضة عن استطلاع القوى العاملة المهترئ باستطلاع يملأ عبر الإنترنت في وقت لاحق من العام.
وقال مكتب إحصاءات العمل الأمريكي إن اتخاذ مثل هذه الخطوة سيزيد التكاليف إلى حد كبير. وقال كريس مانينغ، المدير لدى برنامج الإحصاء الحالي للتوظيف، «نتحرك في حدود موازنة مقيدة، لذلك، فإن تقديم حوافز لن يكون مناسباً للموازنة».
ثمة خيار أكثر جذرية يمكن اتباعه، وهو النموذج المعمول به بالفعل في بعض الدول مثل فرنسا، ويتمثل في سن قانون يلزم الأشخاص بملء الاستبيان. وفي أمريكا، تلزم 4 ولايات فقط المواطنين الاستجابة للاستطلاعات الحكومية من بين 50 ولاية.
والهدف النهائي للعديد من الوكالات هو التحول إلى الأرقام القائمة على البيانات الحكومية الكبيرة والبيانات الرقمية الأخرى، حيث أصبحت الدراسات الاستقصائية تلعب دوراً أصغر بكثير مما كانت عليه في الماضي.
وأشارت دينيس لايفسلي، الإحصائية التي قادت المراجعة التي أجرتها هيئة الإحصاءات البريطانية، إلى أن كافة وكالات الإحصاء في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية اعتبرت الأمر ضرورياً، إثر «انخفاض معدلات الاستجابة للاستطلاعات التقليدية، وازدياد الطلب على إحصاءات أكثر ملاءمة من حيث التوقيت، إلى جانب الضغوط على موازنات القطاع العام».
ومع ذلك، اعترفت لايفسلي أن أنظمة تكنولوجيا المعلومات العتيقة والمخاوف بشأن الخصوصية عقدت المهمة، لافتة إلى اعتراف الوكالات بأن الاستطلاعات ربما ما زالت الطريقة الوحيدة للإجابة عن بعض التساؤلات المهمة حقاً.
أفصح مكتب إحصاءات العمل الأمريكي عن أن حُسن التوقيت كان يمثّل مشكلة بالنسبة لبيانات الوظائف غير الزراعية، التي عادة ما تنشر يوم الجمعة الأول من كل شهر، أي بعد أيام قليلة من انتهاء الفترة التي يغطيها التقرير.
في الوقت نفسه، يفعل خبراء الاقتصاد وصانعو السياسات ما بوسعهم لجمع صورة مترابطة عن أسواق العمل لديهم، من خلال النظر في مجموعة أوسع من الاستطلاعات والبيانات البديلة.
وقال يان هاتزيوس، كبير خبراء الاقتصاد لدى «غولدمان ساكس»، «هناك الكثير والكثير من المؤشرات الأخرى من مجرد بيانات الوظائف»، مضيفاً أنه في حين صعبت الهجرة من الحصول على قراءة دقيقة للوضع، لكن كل المؤشرات كانت تشير في اتجاه توازن أكبر في سوق العمل.