توجهت إلى «سينسبري» هذا الأسبوع لشراء أكياس الشاي، استغرق الأمر بعض الوقت من يوم العمل، لكنني كنت قد قرأت أخباراً عن نقص مُحتمل للشاي، وتكره عائلتي كثيراً نفاد الشاي لدينا. وتبين أن الأمر كان إنذاراً كاذباً، فقد كانت رفوف السوبرماركت مليئة بصناديق الشاي من مختلف العلامات.
وكانت شركة «تيتلي» أعلنت الأسبوع الماضي، بأن مخزوناتها من الشاي أقل كثيراً مما نود أن تكون، لأن السفن التي تُبحر عبر البحر الأحمر تتعرض لهجمات من الحوثيين، المحتجين على الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة. كذلك هناك مشكلة صغيرة في الإنتاج لدى كل من الهند وكينيا، ويستغرق الشاي وقتاً أطول للوصول، مع ابتعاد سفن الحاويات عن قناة السويس وسلوكها طريق رأس الرجاء الصالح.
لم يكن هناك فعلياً داع لرحلتي، بالنظر إلى أن مخزونات متاجر السوبرماركت تنفد على نحو أكبر عند شعور المتسوقين بالذعر، أكثر مما يكون الأمر ناجماً عن نقص في المعروض. لكننا صرنا متوجسين في أعقاب الجائحة، وتضخم سلاسل التوريد الذي جاء على إثرها. وكنت قد اعتدت الثقة في أن الشاي والقهوة والأرز والحبوب ستكون بمعزل عن النقص، لكن ثمة حاجة للانضباط حالياً للبقاء هادئاً.
وقد يكون الكاكاو هو التالي، فقد ارتفعت أسعار مسحوق الكاكاو والشوكولاته الساخنة في المتاجر بالمملكة المتحدة بنسبة %25 في العام المنتهي في يناير، وهي أكبر من نسبة الزيادة التي طرأت على الحلويات. وتسجل العقود الآجلة للكاكاو، مستويات قياسية، بسبب تأثر غرب إفريقيا، حيث تأتي غالبية إنتاج الكاكاو، بظروف طقس قاسية وأمراض ألمت بالمحاصيل. ويلاقي الكثير من مزارعي الكاكاو الصغار ويبلغ عددهم 6 ملايين على مستوى العالم، صعوبات كبيرة.
لقد ازدادت أسعار الأغذية والمشروبات على نحو حاد بصفة عامة، لكن تعطيل إمدادات الكاكاو والقهوة والشاي مثير للاهتمام على وجه الخصوص. هذه المشروبات كانت منتجات مبكرة من منتجات الإمبراطورية وطرق التجارة التي أسستها شركة الهند الشرقية البريطانية، وغيرها من التجار المغامرين. وقد تم الاستمتاع بهذه المشروبات في بادئ الأمر باعتبارها وسائل ترف غريبة في القرن الـ 17، ثم استحالت جزءاً من حياتنا اليومية في المنازل والعمل تدريجياً.
تُعد هذه القيود دلالة على هشاشة العولمة وإنتاج المنتجات الاستهلاكية، ونقلها من الجنوب العالمي إلى أوروبا والولايات المتحدة. وعادت القهوة العربية إلى تسجيل فوائض من جديد، بعد قفزة بأسعارها في 2021 إثر الجفاف والصقيع في البرازيل، في حين يقل المعروض من حبوب الروبستا منخفضة الجودة في فيتنام، والمشكلات في البحر الأحمر تزيد الطين بلة.
وثمّة مفارقة في نقل الشاي من خلال الطريق الطويل حول إفريقياً، عوضاً عن قناة السويس، فقد أسهم افتتاح القناة في العام 1869 في وضع حد لـ «سباقات الشاي» التي خاضتها السفن الشراعية، مثل «كاتي ستارك»، لجلب إمدادات الشاي من الصين إلى الغرب بأسرع طريقة ممكنة.
وصار الإبحار غزيراً، بمجرد أن تمكنت السفن العاملة بالبخار من تقليص طول الرحلة بآلاف الأميال. واعتاد الفيكتوريون الاحتفال بوصول الشاي الجديد من شنغهاي إلى لندن، فكانت تنخفض الأسعار مع رسو السفن الشراعية. واليوم، ليس ثمة قدر كبير من الإثارة في ذلك، فكيس الشاي كما هو، ويسهل نسيان الشوط الذي قطعته أوراق الشاي المُعالجة حتى وصلت إلى وضعها طي أكياس تعلوها علامات تجارية. وما كان يوماً مغامرة، صار جزءاً روتينياً من عملية الإمداد والتموين. لكن حان الوقت للاستيقاظ واستنشاق رائحة القهوة. وستكون قناة السويس قادرة على الأرجح على استئناف العمليات الطبيعية بمرور الوقت، بيد أن الطريق الحيوي سيظل هدفاً سائغاً للمهاجمين.
من ناحية أخرى، اضطرت قناة بنما إلى الحد من مرور السفن، لكن يعود ذلك إلى الجفاف. إذن، تزداد صعوبة ضمان سلامة السفن المُحملة بالمنتجات التي نستهلكها، وكذلك سهولة إبحارها.
تجدر الإشارة أيضاً إلى صعوبة ملء مثل هذه السفن دون توقف، فلطالما كانت السلع الزراعية متسمة بالتقلب، فتارة يكون موسم الزراعة جيداً في عام وسيئاً في العام التالي. لكن يزيد التغير المناخي من المخاطر، ويصعّب على المزارعين والعاملين في المزارع كسب قوتهم على نحو ثابت، فلديهم رأس مال أقل للاستثمار في الأشجار والشجيرات، ولا يجدون أسباباً كثيرة تدفعهم لمواصلة المحاولة.
ويقاسي الكاكاو بصفة خاصة هذه التداعيات. كان الكاكاو يُستهلك في الأساس مشروباً في إنجلترا حتى تحوّل في القرن الـ 19 إلى هيئة الشوكولاته الصلبة. وتُنذر الأسعار المرتفعة للكاكاو بالتأثير ذاته على الحلويات في وقت لاحق من العام. وتُعد ظروف الزراعة صعبة في بلدان مثل غانا ونيجيريا، وتتمثل في عدم قدرة المزارعين على حصاد ما يكفي من قرون الكاكاو من أشجارهم لكي تُعالَج فتصير زبدة كاكاو يستخدمها مصنعو الشوكولاته.
كذلك، فإن صناديق التحوط لا تساعد في الأمر هي الأخرى، إذ أخذت تضارب على ارتفاع أسعار الكاكاو، بيد أن المشكلة الأساسية حقيقية. وقد تحمل التدابير حسنة النية تداعيات غير مقصودة في طياتها، مثل قانون جديد أقره الاتحاد الأوروبي للحيلولة دون إزالة الغابات من شأنه التسبب في تدمير القهوة والكاكاو المُخزنان في المستودعات الأوروبية. وهذه النية محل ترحيب، لكن تداعياتها قد تكون ضارة بالمزارعين الإفريقيين الضعفاء.
وتتجاهل بضع علامات تجارية تبيع هذه المنتجات مثل هذه الأمور، فكل صندوق مليء بأكياس الشاي ويبيعه «سينسبري» يحمل شعاراً لمؤسسة، مثل «فيرتريد» أو «رين فورست أليانس». وتبذل هذه المؤسسات مزيداً من الجهد عن ذي قبل لضمان استدامة الحياة للمزارعين وعمال المزارع، ممن يعتمدون، ونحن المتسوقين معهم، على مجهوداتهم. لكن في كل الأحوال الإمبراطورية القديمة للقهوة والكاكاو والشاي تتداعى، وسط تغير مناخي، وتعطل لطرق التجارة العالمية. وأصبحت تكلفة ضعفها واضحة بالفعل للعيان، لذلك قد لا تظل رفوف متاجر السوبرماركت مليئة دائماً.