كان من السهل السخرية من العملات المشفرة في أواخر سنة 2022، فقد انخفضت السوق بنحو الثلثين تقريباً في غضون عام واحد؛ وشهدت هذه الصناعة سقوط العديد من كبرى الشركات والعملات المعدنية في غياهب النسيان، وانكشفت ممارساتها الصارخة؛ وانفجرت الفقاعة التي أدّت إلى بيع صور قردة ضعيفة الدقة (هل تذكر الرموز غير القابلة للاستبدال؟) بملايين الدولارات.

وتم تشجيع النقاد القدامى مثلي على إجراء جولات احتفال افتراضية، فيما يتم قذف البيض ليغطي وجوه المسؤولين العاملين في القطاع. ومع ذلك، بعد مرور عام واحد فقط، يبدو أن السخرية أصبحت أقل سهولة، فقد انتعشت أسعار العملات المشفرة بشكل ملحوظ، إذ تضاعفت تقريباً قيمة السوق على مدار الاثني عشر شهراً الماضية. وفي وقت سابق من هذا الشهر، وافقت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية على إدراج 11 صندوقاً للتداول الفوري في بيتكوين، ما يمنح المستثمرين فرصة للاستفادة من العملات الرقمية عبر منتجات منظمة يمكن شراؤها وبيعها مثل الأسهم، والتي يصدرها بعض من أفضل مديري الأصول.

في الوقت نفسه، أصبح لاري فينك، رئيس «بلاك روك»، أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم وواحدة من الشركات التي تقدم صناديق استثمار متداولة لبيتكوين، من المبشرين ببيتكوين، واصفاً إياها بأنها «فئة الأصول التي تحميك» فهل حان الوقت بالنسبة لأمثالي لأن نعترف بأننا كنا مخطئين؟ وهل كانت الموافقة على صناديق المتداولة لبيتكوين نقطة تحول؟ وهل أصبحت العملات المشفرة مشروعة بشكل ما؟ الأمر مبالغ فيه بالتأكيد.

يقول مايكل سيلور، الرئيس التنفيذي لشركة مايكروستراتيجي للبرمجيات التي تحولت إلى مكتنز للعملات الرقمية لوكالة بلومبيرج: «ليس من غير المعقول الإشارة إلى أن موافقة لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية قد تكون أكبر تطور في وول ستريت منذ 30 عاماً».

وقال براد جارلينجهاوس، الرئيس التنفيذي لشركة «ريبل» للعملات المشفرة: «لا يمكن المبالغة في تقدير أهمية هذه اللحظة». وأضاف «أخبار اليوم مزيد من الشرعية العملات المشفرة كفئة أصول».

وعلى الرغم من هذه التصريحات القوية، وحقيقة احتفاء وسائط الإعلام العادية والمتخصصة في العملات المشفرة بهذا أنه حدث تاريخي، فإن ما حدث كان مملاً بشكل واضح، وكان الأمر المثير فقط اختراق حساب إكس الخاص بهيئة الأوراق المالية والبورصة الأمريكية، ما أدّى لإعلان الموافقة على صناديق الاستثمار المتداولة في وقت مبكر.

إننا لم نكتشف فجأة الهوية الحقيقية لمبتكر بيتكوين الشهير بالاسم المستعار ساتوشي ناكاموتو، ولا توجد فئة أصول مشفرة جديدة يمكنها خلق الأموال من العدم (قبل ظهور الرموز غير القابلة للاستبدال، ربما تتذكر أي سي أو، وإس تي أو، وآي إي أو وغيرها).

لا بالطبع، كل ما حدث أن العملات المشفرة تحولت من كونها بديلاً مثيراً ومتمرّداً للتمويل التقليدي، وطريقة «لأن تكون مصرفك الخاص»، إلى مجرد توفير وسيلة للمستثمرين العاديين لتنويع محافظهم الاستثمارية ولمديري الأصول للحصول على القليل من الإيرادات الإضافية. وبعبارة أخرى، ستكون العملات المشفرة في سنة 2024 مملة إلى حد ما؛ ولكن الملل لا يساوي الشرعية، كما أشار رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية جاري جينسلر بنفسه حينما أعلن ذلك.

ولم تكن موافقة الهيئة على صناديق الاستثمار المتداولة في بيتكوين بمنزلة تأييد لبيتكوين أو العملات المشفرة على نطاق أوسع، وإنما كانت نتيجة لحكم قضائي وجد أن معارضة هيئة الأوراق المالية والبورصات طويلة الأمد لصناديق الاستثمار المتداولة لبيتكوين - بحجة تعرضها للاحتيال والتلاعب - أمر تعسفي.

وقال جينسلر في بيان له: على الرغم من كوننا محايدين في هذه المسألة، فإنني أود أن أشير إلى أن عملة بيتكوين تعد في المقام الأول من أصول المضاربة ومتقلبة، وتستخدم أيضاً في أنشطة غير مشروعة، ومن ذلك برامج الفدية، وغسل الأموال، والتهرب من العقوبات، وتمويل الإرهاب.

وإضافة إلى ذلك، ليس الأمر كما لو أن العملات المشفرة المملة هي كل ما هو متاح الآن. بالنسبة لأي شخص يشعر بفقدان التنوع غير الممل، لا يزال هناك الكثير من ذلك، على سبيل المثال، القس الذي تم توجيه اتهامات الاحتيال المدني إليه في وقت سابق هذا الشهر بعدما أنشأ هو وزوجته وباعا عملة رقمية، وادعى أن الله قال له مباشرة إن من يشتريه سيصبح ثرياً. وقد قال لاحقاً إنه من الممكن أنه قد أخطأ في سماع رسالة الرب، ودافع عن نفسه أيضاً مضيفاً إنه على الرغم من جنيه وزوجته 1.3 مليون دولار، فإن بعض ذلك تم إنفاقه في تجديد المنزل كما أمرنا الرب بفعله.

الحقيقة أنه سواء غُلفت العملة المشفرة في غلاف تنظيمي جميل، وبيعت لك من قبل بلاك روك، أو ما إذا كنت تشتريها من قس يقول إن الرب قال له أن يقوم بالبيع، فإنه لا يزال لا يوجد شيء هناك، ولذلك، بينما قد يكون الأمر أكثر صعوبة في هذه الأيام، سأستمر في القيام بما أعدّه عملاً حقيقياً بتوجيه السخرية نحوه.