تتجه بريطانيا نحو معركة الانتخابات النيابية المقررة في وقت لاحق من العام الجاري واقتصادها ليس في أفضل حالاته رغم تحسن بعض مؤشراته نسبياً في العام الماضي، وهو ما يجعل الأنظار تتجه نحو الأحزاب المنافسة في الانتخابات لمعرفة تصوراتها للتعامل مع المشكلات الاقتصادية المزمنة وبخاصة انخفاض معدل النمو وضعف إنتاجية الاقتصاد البريطاني مقارنة بالدول الصناعية الأخرى.
تجاوز خطر حدوث أزمة مالية
ومقارنة بالأوضاع قبل عام، نجح الاقتصاد البريطاني في تجاوز خطر حدوث أزمة مالية هائلة كانت ستدمر نظام التقاعد والتمويل العقاري في البلاد. كما خفضت بريطانيا معدل التضخم بأكثر من النصف من 10 % في يناير الماضي إلى 3.9 % في نهاية العام، مع تسجيل نمو حقيقي للأجور. كما تم خفض معدل الاشتراك في نظام التأمين الوطني بمقدار نقطتين مئويتين وهو ما سيفيد 27 مليون شخص وتوفير حوالي 450 جنيهاً إسترلينياً (572 دولاراً) سنوياً للأسرة العادية. في الوقت نفسه تراجعت أسعار الفائدة المصرفية المختلفة في ظل توقع إقدام بنك إنجلترا (المركزي) على بدء دورة خفض أسعار الفائدة بعد التراجع الحاد في معدل التضخم خلال العام الماضي.
وفي تحليل نشرته وكالة بلومبرغ قال الخبير الاقتصادي العالمي محمد العريان إن هذا التحسن يمثل إنجازاً كبيراً بالنسبة لاقتصاد كان أغلب المحللين يتوقعون انكماشه في العام الماضي. ورغم ذلك فإن الصورة المستقبلية للاقتصاد ما زالت غير مريحة، لأنه فشل في تحقيق نمو ملموس ذي جودة عالية. كما أن حكومة رئيس الوزراء ريشي سوناك لم تطبق مجموعة سياسات شاملة يمكن أن تحسن الإنتاجية بصورة مستدامة.
فقد أظهرت أحدث البيانات تباطؤ النمو إلى درجة الثبات، مع انكماش الاقتصاد في أكتوبر الماضي، وهو ما يثير احتمال إعلان دخول الاقتصاد إلى دائرة الركود من الناحية الفنية خلال النصف الأخير من 2023. ويرى العريان أنه في ضوء احتمال تزايد حدة تباطؤ الاقتصاد، تواجه بريطانيا خطر اشتداد أزمة ضعف النمو والإنتاجية بصورة تجعل من الصعب الإفلات منها.
وفي حين لا يتوقع بنك إنجلترا المركزي نمو الاقتصاد خلال 2024، فإن أغلب المحللين لا يتوقعون نموه بأكثر من 0.3 % من إجمالي الناتج المحلي. وهذه الأرقام تثير القلق بالنسبة لدولة تحتاج إلى التعامل مع التباين الكبير في مستويات الدخول والنمو السريع للدين العام، وتحديث بنيتها التحتية وإعادة صياغة علاقاتها التجارية الخارجية في مرحلة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي.
التحركات على الأرض
وفي الوقت نفسه فإن المشهد السياسي لا يشير إلى اتجاه واحد يمكن أن يمضي فيه الاقتصاد بعد الانتخابات المقبلة. من ناحية تتحدث أحزاب الحكومة والمعارضة عن الحاجة الملحة لزيادة معدل نمو الاقتصاد، ليس فقط من حيث القيمة الرقمية ولكن أيضاً من حيث طبيعة هذا النمو، بحيث يكون مستداماً وشاملاً وأكثر احتراماً لحقائق كوكب الأرض، وهو أمر جيد، لكن من ناحية أخرى، لا نرى أن التحركات على الأرض تترجم هذه الأحاديث.
فالحكومة التي قررت خفض الضرائب مع بداية العام الجاري، وهو ما يعني أن استغلت مواردها المالية المحدودة لتحقيق مكاسب سياسية قصيرة المدى، بدلاً من تحقيق أهداف اقتصادية أبعد مدى. ولذلك أهدرت الحكومة الفرصة لتحويل أعلنت عنه بالنسبة لزيادة العرض كوسيلة للحد من التضخم، بما في ذلك التوسع في الاستثمار ومجموعة من الخطوات الأخرى الصغيرة، إلى حزمة إجراءات شاملة لتعزيز النمو وزيادة الإنتاجية.
ميزانية الربيع.. وتخفيض الضرائب
في الوقت نفسه، فإنه أمام الحكومة البريطانية فرصة لكي تعيد تحويل تركيز سياستها على محركات النمو المستهدفة خلال بيان ميزانية الربيع المقرر نشره يوم 6 مارس المقبل. وتمتع الحكومة بقدر من المرونة التي تتفق مع التزاماتها الأخرى بما في ذلك ديونها متوسطة المدى.
لكن ما يهدد هذا السيناريو إعلان رئيس الوزراء عن إجراء الانتخابات خلال النصف الثاني من العام الجاري وهو ما يعني أن حكومته ستخصص أغلب مواردها المالية لتحقيق أهداف سياسية قصيرة الأجل من خلال تخفيض الضرائب لجذب أصوات الناخبين، ما يجعل محاولة تحقيق نمو مستدام عالي النمو أشد صعوبة.