لا يرى مديرو صناديق أسواق النقد نهاية تلوح في الأفق للتدفقات القياسية التي حققوها في 2023، مع استمرار انهمار السيولة من المستثمرين الآملين في الاستفادة من ميزة بلوغ العائدات أعلى مستوياتها منذ أعوام.

وتدفقت قرابة 1.9 تريليون دولار إلى صناديق أسواق النقد منذ الأول من يناير في العام الجاري، بحسب أداة تتبع التدفقات «إي بي إف آر»، مدفوعة بحملة الاحتياطي الفيدرالي القوية لرفع أسعار الفائدة. ويتخطى هذا بكثير التدفقات التي لا تكاد تُذكر في 2022، كما تتجاوز متوسط صافي التدفقات البالغ 179 مليار دولار بين 2012 و2022. فيما بلغت قيمة التدفقات المُسجلة في عام 2021 نحو 429 مليار دولار.

وعادة ما تحتفظ الصناديق المالية بأصول قصيرة الأجل، تشمل سندات الديون الحكومية، التي قفزت عائداتها على نحو سريع بعد التغييرات التي أجراها البنك المركزي على السياسة النقدية. وتشير آخر البيانات إلى تدفقات بأكثر من 257 مليار دولار في الفترة بين 31 أكتوبر و30 نوفمبر، وهي أكبر تدفقات شهرية منذ الاضطرابات التي ألمّت بالمصارف في مارس الماضي.

والتي أدّت إلى الابتعاد عن حسابات الإيداع التقليدية. واستمرت هذه التدفقات، حتى مع رهان الأسواق على أن الاحتياطي الفيدرالي لن يرفع الفائدة مجدداً في هذه الدورة، بل وسيخفض تكاليف الاقتراض في ربيع العام المقبل.

وقفزت أصول صناديق أسواق النقد إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق عند 5.8 تريليونات دولار منذ أسبوع، مع استمرار شكوك المستثمرين بشأن سندات الدين طويلة الأجل. وتتوقع صناديق كبرى، تشمل «غولدمان ساكس» و«فيدريتد هيرميس»، استمرار هذا الطوفان في 2024، مدفوعاً بمحاولة المؤسسات الاستثمارية الحصول على عوائد مع استقرار أسعار الفائدة، وقبل بدء الفيدرالي خفض الفائدة.

وقال كريس دوناهيو، الرئيس التنفيذي لدى «فيدريتد هيرميس» وتبلغ قيمة أصولها 715 مليار دولار: «لا أرى ابتعاداً كبيراً» عن صناديق أسواق النقد، وتابع: «الأكثر ترجيحاً هو حصولها على تريليون دولار إضافية وليس فقدانها لهذا المبلغ». وأوضح دوناهيو: «إذا كنا محقين في أن هذه الفوائد ستظل مرتفعة على المدى الطويل، وأن الوضع سيظل على ما هو عليه لبعض الوقت، إذن فستحصل على مكاسب لضخ الأموال في صناديق النقد».

وأفادت بيانات من «إنفستمنت كومباني إنستيتيوت»، بأن مجموعة من صناديق أسواق النقد الحكومية للأفراد أدرت عوائد تصل إلى 5.02% اعتباراً من 30 نوفمبر. وتدر مجموعة من الصناديق المؤسسية الحكومية عوائد قدرها 5.23%، وهي نسبة تقع بمنتصف النطاق الحالي للفائدة الفيدرالية المتراوحة بين 5.25% و5.5%. وكان العائد الأخير المتاح لدى الصناديق المؤسسية الرئيسية، والتي بإمكانها الاحتفاظ بأوراق أكثر خطورة، أعلى عند 5.43%.

وكانت غالبية التدفقات هذا العام إلى صناديق أسواق النقد بالولايات المتحدة مدفوعة بالمستثمرين الأفراد، وليس أمناء خزائن الشركات أو الصناديق المُشتركة وشركات التأمين. وتستثمر الأخيرة مباشرةً في أذون الخزانة وأدوات دين أخرى قصيرة الأجل، في ظل ارتفاع الفائدة، لأن بإمكانها الاستفادة من تصاعد العائدات على نحو فوري.

وذكرت شيلي أنتونيشفيتز، نائبة كبير الخبراء الاقتصاديين لدى «آي سي آي»، أن كل هذا سيتغير «بمجرد توقف الفيدرالي وتبنيه توقفاً مؤقتاً للتحركات ومع استقرار الفائدة، ثم تنجذب المؤسسات الاستثمارية لصناديق أسواق النقد، لأنها تتمتع بالعائد ذاته مثل الأدوات الأساسية قصيرة الأجل، كما أنها تقدّم الكثير من التنويع للمؤسسات الاستثمارية».

واتفق شون كولينان، المدير العالمي لحلول السيولة لدى «غولدمان ساكس»، مع إمكانية انضمام المؤسسات الاستثمارية إلى الطفرة التي تشهدها صناديق أسواق النقد في 2024، ما سيؤدي إلى مزيد من التدفقات. وقال كولينان: «عادة ما ستشهد ذلك مع بدء دورة التيسير، ومن المُرجح للغاية أن يتخطى العائد في صناديق أسواق النقد العائد على الاستثمارات المباشرة للسوق»، وأردف: «بإمكانك رؤية المؤسسات الاستثمارية تتحول نحو الصناديق للحصول على هذا العائد الأعلى».

وتخطت تدفقات صناديق أسواق النقد بالولايات المتحدة هذا العام بكثير التدفقات التي تشهدها نظيراتها في أوروبا، حيث التواجد أقل للمستثمرين الأفراد في فئة الأصول هذه. ومع ذلك، أشار كولينان إلى أن المنطقة قد تشهد الديناميكيات ذاتها بالعام المقبل، إذا توافقت دورات السياسة النقدية. وأضاف: «بالتأكيد لم نشهد القدر ذاته من تدفقات المستثمرين الأفراد في أوروبا مثلما شهدنا في سوق الدولار، أو في الولايات المتحدة».

وقال: «لكننا نرى مستثمرين في الأسواق الأوروبية، لا سيما المؤسسات الاستثمارية، منخرطين في الأسواق المباشرة. وإذا رأينا البنك المركزي الأوروبي يشرع في دورة تيسير نقدي وتخطت فوائد صناديق أسواق النقد الأوروبية تلك التي تقدمها السوق المباشرة، فبالتأكيد سنشهد الأمر ذاته». وقال:«لا أعتقد أنها ظاهرة متعلقة بالولايات المتحدة فحسب». وعلى نطاق أوسع، يرى كولينان أن «التريليون التي سُجلت هذا العام كانت مفاجئة، لكن يمكن أن نتفاجأ أيضاً في العام المقبل».

وفي حين لم يعلن الفيدرالي اعتزامه خفض الفائدة في وقت قريب، فإن تباطؤ التضخم وبعض المؤشرات على البيانات الاقتصادية الضعيفة حفزت رهان المستثمرين على خفض الفيدرالي للفائدة في وقت مبكر من العام المقبل. لكن هذه الرهانات كانت تتغير بسرعة، مع دراسة المتداولين لتصريحات مسؤولي الفيدرالي والتلميحات بشأن الضعف الذي يعتري أجزاء من الاقتصاد. وبالنسبة لكولينان، فمقدار الأموال الذي يتدفق إلى صناديق أسواق النقد «سيتوقف على وتيرة دورة التيسير النقدي».