مصطلح «الجنوب العالمي».. تغليب للسياسة على الاقتصاد

ت + ت - الحجم الطبيعي

من بين المصطلحات المختلفة التي يتم استخدامها لوصف الاقتصادات الأقل تطوراً في العالم، يبدو أن مصطلح «الجنوب العالمي» بات يحظى بشعبية كبيرة في الوقت الحالي وعلى النقيض، فقد مصطلح «الأسواق الناشئة» بريقه.

قد يبدو هذا مجرد تحول غير ملحوظ من مصطلح تحليلي بسيط في لغة مهنية إلى آخر. لكن لا، فهذا التبديل يشير بهدوء إلى اتجاهين على المستثمرين النظر إليهما ببعض القلق والانزعاج. الأول هو تراجع النمو الاقتصادي المحتمل في العديد من أجزاء العالم النامي. والثاني تزايد التجزء العالمي.

ومنذ أوائل عام 2022، تشير بيانات «غوغل» إلى أن عمليات البحث عن الجنوب العالمي تفوقت بانتظام على عمليات البحث عن الأسواق الناشئة. قد تعتبر هذه ظاهرة مؤقتة بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا. بيد أن استخدام مصطلح الأسواق الناشئة كمصطلح بحثي قد شهد انخفاضاً مستمراً لسنوات عدة حتى الآن.

وينعكس هذا الانخفاض في تدفقات رأس المال الحقيقي. وأحد مقاييس الانسحاب المستمر لمديري المحافظ الدوليين من الأسواق الناشئة، هو انخفاض ملكية المستثمرين الأجانب لسندات الأسواق الناشئة المقومة بالعملة المحلية.

في عام 2016، كان المستثمرون الدوليون يمتلكون في المتوسط حوالي 21 % من السندات المقومة بالعملة المحلية في الأسواق الناشئة. أما الآن، فقد انخفضت هذه النسبة إلى 13 % فقط. وهذه الانخفاضات نسبية في بعض الدول، مثل: إندونيسيا أو جنوب أفريقيا، أي أن كمية السندات التي يمتلكها الأجانب قد زادت في السنوات الأخيرة، ولكن بمعدل أبطأ من معدل نمو سوق السندات الإجمالي في الدولة. لكن في دول أخرى، مثل المكسيك، كان هذا الانخفاض مطلقاً: لقد رحل المستثمرون.

وفي كلتا الحالتين، فإن هذا الاتجاه مقلق. تحقق الاقتصادات الناشئة أفضل أداء عندما تتمكن من تمويل نفسها بعملاتها الخاصة، وبالتالي فإن الاستثمار الأجنبي في أسواق السندات المحلية يعد شكلاً من أشكال التمويل الخارجي الذي يجب الترحيب به. وأفضل تفسير لانخفاض مشاركة المستثمرين بأسواق السندات بالعملة المحلية في الاقتصادات الناشئة هو أنه استجابة لشعورهم بأن احتمالات النمو في هذه الدول تتضاءل وذلك في أعقاب ازدهار السلع الأساسية وما يمكن أن يسمى بذروة العولمة. لنفكر في الأمر بهذه الطريقة: إذا شعر المستثمرون بتفاؤل أقل حيال معدل النمو المحتمل لدولة ما، فسيصبح من الصعب الاعتماد على قيمة عملة هذه الدولة مع مرور الوقت وإذا كان هذا صحيحاً، فإن الحافز للاستثمار في أسواق السندات المحلية يضعف.

ما يثير القلق في الأمر هو أن مصطلح «الأسواق الناشئة»، ورغم عدم دقته، قد صمم لأداء وظيفة معينة، ألا وهي جذب الانتباه إلى البلدان النامية كوجهة لتدفقات رأس المال الدولية.

وعلى النقيض، فإن مصطلح الجنوب العالمي هو تسمية لا تخدم هدفاً تجارياً بقدر ما تخدم هدفاً سياسياً. ويبدو أن أحد استخداماتها الرئيسية هو لفت الانتباه إلى الظلم الملحوظ في النظام العالمي، الذي يتمثل في هيمنة المؤسسات التي تشكلت على يد الولايات المتحدة مثل صندوق النقد والبنك الدوليان، والدور المبالغ فيه الذي يلعبه الدولار والضعف الذي يخلقه ذلك للدول النامية. ليس مفاجئاً أن تحب السلطات الصينية هذا المصطلح تحديداً ومع ذلك، لدى بكين بعض المنافسة.

ولذلك، يمكن فهم الطريقة التي يتفوق بها مصطلح الجنوب العالمي على مصطلح الأسواق الناشئة على أنه انتصار للسياسة على الاقتصاد، ما يعكس التدافع على النفوذ بعد انتهاء فترة ما بعد الحرب الباردة.

ورغم ذلك، يجب أن نتذكر أن فترة ذروة الهيمنة العالمية للولايات المتحدة، كانت شهدت فيها العديد من الدول النامية أفضل لحظاتها من حيث التقارب نحو مستويات الاقتصادات المتقدمة لنصيب الفرد من الناتج المحلي. ورغم عيوبه ، كانت فترة إجماع واشنطن محاولة صادقة لتحديد مجموعة من السياسات والمؤسسات، لتعزيز تقارب الدخل.

ربما هناك نظام عالمي في مستقبلنا قادر على إعادة خلق الظروف لنمو قوي للتجارة العالمية تحتاجه الاقتصادات الصغيرة المفتوحة لتزدهر ولكن في الوقت الحالي، وبينما تسيطر السياسة، يبدو أن المستثمرين يصوتون بأقدامهم.

كلمات دالة:
  • FT
Email