ألقى طوفان من الدعاوى القضائية ضد الرسوم المرتبطة بمبيعات المنازل الأمريكية، بظلال من الشك على الإيرادات المستقبلية لقطاع من الموظفين، يبلغ عدد العاملين فيه نحو 1.6 مليون شخص، وهو مجال يتصف بكثير من المرونة والأجور المرتفعة، خاصة للنساء.

وانحازت هيئة محلفين فيدرالية في ميزوري لمجموعة من بائعي المنازل بولايات ميزوري وكانساس وإلينوي، الشهر الماضي، ووجدت أن أكبر شركات الوساطة العقارية الأمريكية ملزمة بسداد تعويضات بنحو 1.8 مليار دولار، بسبب ممارسات غير قانونية للإبقاء على العمولات المرتفعة.

وتقدّم مشترون وبائعون للمنازل في ولايات أخرى، بدعاوى جماعية إضافية في الأسبوعين الماضيين، ضد الرسوم التي يفرضها الوسطاء العقاريون.

ومع إفادة تقارير بأن وزارة العدل تنظر في اتخاذ قرارات ضد الممارسات الاحتكارية، ترى شخصيات بارزة في القطاع، أن نموذج العمولات الذي تمتعت به الصناعة طيلة عقود انتهى أمره.

ويظهر تحليل أجرته «كيف وبروييت آند وودز»، أن الحكم بعدم قانونية هيكل العمولات الذي يعتمد عليه الوسطاء العقاريون، من شأنه تهديد وظائف ما يصل إلى 80 % منهم في أرجاء الولايات المتحدة، وتشير تقديرات محللي «كيف وبروييت آند وودز»، إلى انكماش متوقع قدره 30 % لعمولات بقيمة 100 مليار دولار، يدفعها الأمريكيون للوسطاء العقاريين.

ويمكن لذلك أن يعرض مساراً وظيفياً شائعاً ومرتفع الأجر للأمريكيات للخطر. ولا تتطلب الوظيفة، التي تهيمن عليها النساء، درجة علمية جامعية، كما أنها تتميز بجداول عمل متغيرة ومرنة. وعمل أغلب الوسطاء 30 ساعة فقط أسبوعياً خلال العام الماضي، بحسب الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين.

وقالت جوليا بولاك كبيرة الاقتصاديين بموقع الوظائف «زيب ريكروتر»: «تشير استطلاعاتنا إلى أنه العمل الذي يعتبره من ليسوا ذوي درجات علمية جامعية وظيفة أحلامهم».

وتابعت: «من الواضح أنها فرصة مربحة على نحو غير معتاد للأشخاص، من حيث متطلبات التدريب والشهادات». وعند مقارنتها بمسارات وظيفية شائعة أخرى، لا تتطلب درجات علمية، مثل العمل كهربائياً أو سباكاً، تعتقد بولاك أن «العقبات قليلة.. وعادة ما تكون الأجور مرتفعة للغاية».

ويتوقع سماسرة أن يشهد ثلث الوسطاء الذين يعملون بدوام جزئي وذوي الخبرة الأقل، أكبر خفض في رواتبهم. لكن الأقل تأثراً سيكونون الوسطاء المتخصصون في العقارات الفاخرة، والذين يعملون في مدن تتمتع بمجموعة متنوعة من أنواع العقارات، مثل الشقق الخاصة والتعاونيات.

وقالت ماري لو فيرتز، الشريكة المؤسسة لشركة ميزون ريل إستيت في مدينة شارلستون بولاية كارولاينا الجنوبية: «أعتقد أن البعض سيتحتم عليهم ترك مجال العمل هذا»، وتابعت: «سيخرج البعض بالتأكيد من هذا المسار».

وخلافاً للمملكة المتحدة، وأغلب أنحاء أوروبا، يلجأ مشترو المنازل في العادة لخدمات الوسطاء العقاريين لتمثيلهم في صفقة الشراء. وعادة ما يدفع البائع ما يتراوح بين 5 % و6 % من سعر البيع لوسيطه، الذي عادة ما يتقاسم العمولة بالتساوي مع وكيل المشتري، ومع بلوغ متوسط سعر بيع المنازل في الولايات المتحدة 431,000 دولار في الربع الثالث، فعادة ما تصل قيمة العمولة إلى 26,000 دولار.

وإذا رفض البائع دفع العمولة، فلن تُنشر تفاصيل المنزل على قاعدة بيانات «إم إل إس»، التي يستخدمها وكلاء المشترين لإيجاد منازل لعملائهم، وهي الخدمة المشغلة لمواقع إلكترونية تُعرض عليها المنازل للبيع، وتشمل «زيلو». وقال المدعون بقضية ميزوري، إن هذه القيود جعلت من بيع المنزل دون دفع العمولة للوسيط مستحيلاً.

وتأتي هذه القضايا ضد نظام العمولات التعاونية المعمول به منذ عقود، في وقت يعاني فيه العملاء بشدة بسبب دخول أعداد كبيرة من الوسطاء إلى السوق، مع تباطؤ واضح بمبيعات المنازل.

وانخفضت مبيعات المنازل القائمة 15 % على أساس سنوي، إلى أدنى مستوياتها منذ 2011، عند 3.9 ملايين منزل في سبتمبر. وسجل متوسط الفائدة على الرهن العقاري الثابت لأجل 30 عاماً، أعلى مستوياته منذ 23 عاماً، في أكتوبر لفترة قصيرة، ما أسفر عن تردد ملاك المنازل في البيع، وخروج المشترين من السوق.

وسلّطت نينا هاتفاني، الوكيلة لدى شركة «كومباس» في سان فرانسيسكو، الضوء على انخفاض مبيعات فريقها بمقدار 40 %، مقارنة بهذا الوقت من العام الماضي. وترجح هاتفاني أن التطورات ذات الصلة بقضية ميزوري، ستدفع مزيداً من المشترين للتفاوض لخفض معدل العمولة المعتاد الذي تتقاضاه. وأضافت: «ستكون تجربة جديدة برمتها».

ويعتبر مدافعون عن المستهلكين القضايا المرفوعة أمراً طال انتظاره، من شأنه تحسين مستوى القدرة على تحمل تكلفة المنازل في سوق صعبة. ونوّه ستيفن بروبيك، الزميل لدى اتحاد المستهلكين الأمريكي، بتلقي العملاء في كثير من الأحيان خدمات ضئيلة للغاية، لا تبرر دفعهم رسوماً تقدر بعشرات الآلاف من الدولارات. وقال: «الأمريكيون رفضوا هذا القطاع، وما يقوم به بشكل أساسي».

وأشارت جوليا بولاك إلى أن العقارات واحدة من المجالات القليلة التي لم تنخفض فيها تكاليف الوساطة في عصر الإنترنت، لافتة إلى أن سماسرة العقارات قد يمضون في الطريق ذاته الذي سلكه وكلاء السفر، مشيرة إلى أن وكلاء حجز الرحلات القلائل المتبقين يتخصصون إلى حد كبير حالياً في تنسيق الرحلات الأكثر تعقيداً. وأسهبت قائلة: «في هذه الأيام، ومع كل هذه الأدوات المتاحة عبر الإنترنت، ليس من الواضح ما إذا كنت فعلاً بحاجة إلى المساعدة، أو أن الأمر يستحق كل هذه التكاليف».

ويرد وسطاء بأنهم يقدمون خدمات ذات قيمة، مثل تقديم المشورة في ما يتعلق بالرهن العقاري، والتقييمات وفحص المنازل. ومن شأن إجبار المشترين على دفع مقابل التمثيل مقدماً، الإضرار بالمشترين لأول مرة، وأولئك المنتمين لمجتمعات مُهمّشة في سوق تنافسية بالفعل. وعوضاً عن ذلك، يمكن للمشترين المضي قدماً دون الحاجة لسماسرة، أو اختيار دفع أجورهم بالساعة، ومقابل خدمات مُنتقاة.

في حين تشق الدعاوى الجماعية طريقها في المحاكم، ذكر وسطاء أن الشركات مرتبكة للغاية. وأشارت جين ديفيس، الوسيطة لدى «كيلر ويليامز»، والتي تقيم في ميزوري، وتعمل على تدريب سماسرة آخرين، إلى تساؤل مفاده: «ماذا سيعني هذا، وكيف سنعكس قيمتنا؟».

وبالنسبة للورا إليس، كبيرة مسؤولي الاستراتيجيات لدى شركة الوساطة «بيرد آند وارنر»، التي سلّطت الضوء على معاناتها جراء التقلبات التي تعتري سوق العقارات منذ 2020، فإن هناك مزايا لإخراج الوسطاء غير ذوي الخبرة، والذين يعملون بدوام جزئي من السوق، وأضروا بسمعة القطاع. وقالت: «سيفقد الكثيرون وظائفهم، لكنني، شخصياً، أعتبر الأمر مفيداً لصناعتنا». وأضافت: «ستتغير صناعتنا تماماً، وسيكون هذا واضحاً للجميع من حولنا».