تفاقم «أزمة الديون الصامتة» في الدول النامية

ت + ت - الحجم الطبيعي

حذّر البنك الدولي من مواجهة العديد من الأسواق الناشئة «أزمة ديون صامتة»، في الوقت التي تعاني فيه من تأثير معدلات الفائدة الأمريكية العالية على مواردها إيراداتها الهشة أصلاً.

وبعد نوبة من عمليات البيع في العام الماضي، الناجمة عن ارتفاع معدلات الفائدة العالمية وقوة الدولار، عانت ديون الأسواق الناشئة بالعملة الأجنبية بشدة لتتعافى، حيث يراهن المستثمرون على بقاء تكاليف الاقتراض مرتفعة لفترة أطول. وعليه، زادت نسبة الدول الناشئة والنامية التي تزيد تكاليف اقتراضها بعشر نقاط مئوية عن نظيرتها بالولايات المتحدة إلى 23 في المئة. ويُقارن ذلك بأقل من 5 في المئة في عام 2019، وهو ما يشير إلى الضغوط التي تأن تحتها هذه الاقتصادات في الوقت الحالي. ونتيجة لذك، ووفقاً للبنك الدولي، فقد بلغت مدفوعات فوائد الديون كنسبة من العائدات الحكومية أعلى مستوياتها منذ عام 2010 على أقل تقدير.

وخلال مُقابلة أُجرّيت مع أيهان كوس نائب رئيس الخبراء الاقتصاديين في مجموعة البنك الدولي، قال إن تضييق السياسات النقدية كان «كابوساً» للدول ذات الدخل المنخفض، التي تعاني من معدلات ديون مرتفعة. وتابع: «بالنظر إلى التحديات شديدة الوضوح التي تواجهها هذه الاقتصادات عند إعادة تمويل التزامات الديون، نقول إنّنا أمام صعود أزمة ديون صامتة». وبسبب تراكم الديون على العديد من الدول ذات الدخل المنخفض خلال جائحة كوفيد 19، فإنه من المتوقع أن تكون المعاناة الناتجة عن ارتفاع تكاليف الاقتراض خطيرة، لا سيّما لهذه الدول.

وارتفاع العائدات يعني أقساط فائدة أكبر على الديون الحديثة، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي، إذا اقترضت الحكومة المزيد لتمويل هذه الدفعات. وتتناسب عائدات السندات عكسياً مع الأسعار. ووفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يتجاوز متوسط إجمالي الدين الحكومي في الأسواق الناشئة والدول ذات الدخل المتوسط 78 %، من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2028، مقارنة بأكثر قليلاً من 53 في المئة قبل عقد من الزمن. وفيما تمكن الكثير من الاقتصادات الناشئة الكُبرى من تحمل تكاليف الاقتراض المرتفعة بطريقة جيدة نسبياً، فقد كانت المعاناة كبيرة بالنسبة للاقتصادات الأصغر ذات الموارد الهشة.

وتسبب ارتفاع العائدات في حرمان العديد من الدول منخفضة الدخل من التمويل الدولي، ما دفع دولاً مثل غانا وسيريلانكا إلى العجز عن السداد، فيما يقف الكثير من الدول الأخرى على حافة العجز. وقال براد سيستر الزميل في مجلس العلاقات الخارجية، إن مجموعة فرعية من الدول النامية والناشئة الأضعف «اُستبعدت من سوق السندات الدولارية. إنها بيئة يمكن فيها للأسواق الناشئة القوية فقط أن تتحمل كلفة الاقتراض بالدولار».

وحسب ما يشير المُحللون، فإنه إذا بقيت معدلات الفائدة مرتفعة لفترة أطول، فمن المُحتمل أن تضغط تكاليف الاقتراض على النمو الاقتصادي، ما يُصعب على الاقتصادات إمكانية النمو والخروج من ضغوط الديون. وبالنسبة لدول مثل مصر وكينيا، بصفة خاصة، فهذا الوضع مُثير للقلق، حيث لدى الدولتين سندات مالية موعد استحقاقها العام القادم، وبذلك فهما تواجهان الاحتمال الأصعب، والمتمثل في محاولة إعادة التمويل بعائدات أعلى.

وقال لوكاس مارتن، المُحلل الاستراتيجي للسندات السيادية ذات العائد الثابت في بنك أمريكا، إنه «مع مرور الوقت سيؤدي ارتفاع تكاليف التمويل إلى تفاقم حالات العجز المالي، لذا، ستحتاج الدول إلى اللجوء للتقشف لتجنب ارتفاع نسب ديونها».

ولفت إلى أن ذلك الأمر قد يكون معقداً تماماً في دول تعاني أصلاً من الإجهاد والإعياء الناتج عن الإجراءات التقشفية. كما يُقلل ارتفاع معدلات الفائدة في الولايات المتحدة، من قدرة الاقتصادات الناشئة على خفض أسعار الفائدة، حتى عندما ينخفض التضخم المحلي، لأن هذا قد يُضعف عملاتها، ويؤدي إلى التضخم بسبب ارتفاع أسعار الواردات.

وفي عام 2021، كان تصرف العديد من الاقتصادات الناشئة أسرع بكثير من البنوك المركزية الغربية تجاه خطر التضخم، وبالفعل، بدأت في خفض معدل الفائدة. وقد أبطأت دول مثل المجر وتشيلي، وتيرة خفض معدلات الفائدة في الشهور الأخيرة، وكان ذلك جزئياً بهدف دعم عملاتها في مواجهة ارتفاع معدلات الفائدة الأمريكية.

ومع الارتفاع الكبير لتكلفة الاقتراض، فقد هبط حجم الديون بالعملة الأجنبية في الأسواق الناشئة بشكل كبير، خلال العامين الماضيين. ووفقاً لمنصة «يلوجيك»، فقد أصدرت الأسواق الناشئة حوالي 360 مليار دولار من الديون بالعملات الأجنبية هذا العام، بعد إصدارات بلغ إجماليها 380 مليار دولار في عام 2022. ويأتي ذلك في أعقاب إصدارات تتراوح بين 700 مليار دولار إلى 800 مليار دولار، في كل سنة خلال السنوات الثلاث الماضية.

ونتيجة لتفضيل المستثمرين المصدرين ذوي معدلات الائتمان المرتفعة، فقد تضررت الإصدارات لقلة الطلب، حيث فقد العديد من الصناديق السيادية ذات المعدل الائتماني المنخفض، إمكانية الوصول إلى الأسواق خلال الزيادات السريعة لأسعار معدلات الفائدة الأمريكية خلال الأشهر الثمانية الماضية.

وقال بول جرير مدير صندوق ديون الأسواق الناشئة في شركة فيدلتي للخدمات المالية: «إنها بيئة نموذجية للمستثمرين للتجهز لمواجهة الوضع، ونقل رؤوس الأموال إلى الولايات المتحدة، للتخلص من المخاطر في الأسواق الناشئة، وفئات الأصول الأخرى. وتعني العائدات المرتفعة إصداراً ذا تكلفة أكبر، وباستثناء الحاجة الماسة للاقتراض، فبإمكانك أن تكون صبوراً بعض الشيء، وتنتظر عوائد أقل عند إصدار الدين».

كلمات دالة:
  • FT
Email