اليابان تتغير.. لكن ببطء

ت + ت - الحجم الطبيعي

مضى البنك المركزي الياباني قدماً في تفكيك خطة التحكم في منحنى العائدات، ليشبه الأمر تناول طفل لبيت من خبز الزنجبيل، إذ يبدأ في التقاط الحلوى المزخرفة للبيت واحدة تلو الأخرى، قبل إجهازه على الهيكل نفسه.

سار الأمر على هذا النحو، عندما خفض بنك اليابان المركزي بقيادة، كازو أويدا، الحد المفروض على عائد السندات الحكومية لأجل 10 سنوات، فخففه من حد صارم عند 1% ليصبح عند حدي «مرجعي» أكثر مرونة.

وفي مؤتمره الصحافي الذي أعقب الاجتماع، ومع تسجيل الين أدنى مستوياته منذ عدة عقود، قال أويدا: «إن السبب وراء جعلنا الحد على عائد السندات أكثر مرونة هو رغبتنا في استباق المخاطر المستقبلية لتقلبات السوق، بما في ذلك تقلبات أسعار الصرف... لكننا لم نرَ دليلاً كافياً بعد يُشعرنا بالثقة في أن اتجاه التضخم سيستقر على المدى الطويل عند 2%».

وتُعدّ ازدواجية أويدا مفهومة. فمن ناحية، وكما أشار كريس غايلز في «فايننشال تايمز»، فإن التضخم الأساسي في مدينة طوكيو وسائر البلاد بدا قوياً، في حين لا يتخطى النمو الاسمي للأجور، من ناحية أخرى، مستوى 2% على نحو مستقر، وهو المستوى الذي يستهدفه بنك اليابان، لافتاً إلى أن معدل ثلاثة أشهر بلغ 1.4%. وربما لا يزال التضخم في اليابان يعكس إلى حد كبير زيادات خارجية في التكلفة، وليس طلباً محلياً.

قد يواصل بنك اليابان انتظاره، وفي هذه الأثناء، سيُجري تعديلات عملياتية لشراء الوقت. وعلى حد قول ستيفان أنغريك، كبير الخبراء الاقتصاديين لدى «موديز أنالتكس»، على صفحات «ألفافيل» أخيراً، فإنه حتى انتهاء القيود على العائدات لن يسفر عن تغيرات جوهرية بعائدات السندات لأجل 10 سنوات، ويعود ذلك لسببين، الأول أن التيسير الكمي المنتظم سيحل مكانه، والثاني هو أن معدل الفائدة التوازني الأساسي لليابان منخفض.

وفي الوقت ذاته، سيكون حرياً بالمستثمرين إيلاء انتباه كبير لإصلاحات حوكمة الشركات في اليابان، الأمر الذي سيكون له تأثير أكبر على العوائد طويلة الأجل على الأسهم، مقارنة بالسياسة النقدية للبلاد. وفي هذا الصدد، إليكم ملخص جيد للتقدم المُحرز حتى الآن. فقد أفاد مدير محفظة أسهم في اليابان لـ«فايننشال تايمز»، بأن المساهمين يعتقدون بأن الأمور «ستظل على ما يرام، حتى وإن كانت هذه المرة مختلفة. لكن إن تبين أنها عاصفة كاذبة أخرى، فسيكون هذا مخيباً للآمال بشدة».

ومع الأسف، يعود هذا الاقتباس إلى 2015، عندما أسفرت سياسة شينزو آبي عن جلبة هائلة بشأن الأسهم اليابانية. ولذا، فمن المنطقي أن تكون المكاسب الأخيرة في اليابان، وضجة إصلاح الشركات التي صاحبتها، قد جذبت قدراً أكبر من الحماس المعتدل من قِبَل المستثمرين العالميين.

وفي عام 2013، بلغ صافي التدفقات الأجنبية إلى الأسهم اليابانية 153 مليار دولار، بحسب تقديرات نيك شميتز، مدير محفظة اليابان لدى «فيرداد كابيتال». وعلى النقيض من ذلك، فإنه في 2023، والمفترض أنها سنة ناجحة للأسهم اليابانية، فالتدفقات الأجنبية إلى الأسهم تقل عن 40 مليار دولار.

ويُرجح أن البداية الضعيفة نسبياً تعكس ما حدث بعد تلاشي اقتصاديات آبي، إذ هربت كل هذه التدفقات الأجنبية البالغة 152 مليار دولار من البلاد بين عامي 2016 و2020. وبالنسبة للمستثمرين العالميين الذين رأوا هذا السيناريو من قبل، فهم يعتقدون بأن الأمر سينتهي بالطريقة ذاتها.

لكن السلطات اليابانية، هذه المرة، وحتى الآن تمارس ضغوطاً غير مرئية. وقد ناقشت صفحة «أنهيدجد»، في فاينانشال تايمز مراراً وتكراراً، حملة بورصة طوكيو التي انطوت على استخدام الوعيد بالشطب من البورصة وتكتيكيات التشهير، لإجبار الشركات على إجراء الإصلاحات.

وفي أكتوبر، شكونا من أن أقل من ثلث الشركات المُدرجة اتجهت للالتزام بالتوجيهات الإصلاحية لبورصة طوكيو. ولنقل هذا بطريقة أخرى: استجابت قرابة 1,000 شركة في الثقافة المؤسسية الأكثر تكلساً في العالم الغني للضغوطات، وهي ضغوطات تنبع من كل الاتجاهات.

ونشرت وزارة الاقتصاد اليابانية في أغسطس توجيهات جديدة لعمليات الدمج والاستحواذ تثبط اللجوء إلى تكتيك «حبة السم»، وتناشد الشركات أخذ عروض الاستحواذ المتراكمة على محمل الجد.

أشار أتول غويال، محلل الأسهم لدى «جيفريز»، إلى أن طموحات بورصة طوكيو لا تستهدف فقط الشركات الأسوأ من حيث الإدارة التي يقل فيها معدل القيمة السوقية إلى القيمة الدفترية عن 1، إذ إن الحملة أوسع نطاقاً وهي مصممة لزياد العوائد على الأسهم لكل الشركات اليابانية. وعلى حد قول هيرومي ياماجي، الرئيس التنفيذي لمجموعة بورصات اليابان، في تصريحات لـ«نيكي آسيا» في وقت مبكر من العام الجاري فإنه «بدلاً من تبني النهج الصارم المتمثل في القول إن الشركات التي يقل فيها معدل القيمة السوقية إلى القيمة الدفترية عن 1 قد فشلت، من المعقول حث كل شركة على إجراء تحسينات»، مضيفاً: نحن لا نتطلع إلى استجابة مؤقتة تركز فقط على إجراءات مثل إعادة شراء الأسهم وزيادة توزيعات الأرباح.

وشبّه ياماجي المعضلة التي تواجه اليابان بالضعف الذي اعترى سوق الأسهم الأمريكية في سبعينات القرن الماضي، في ما سُمي بـ«موت الأسهم». وتابع ياماجي: «بدأت عمليات الاندماج والاستحواذ تنتعش هناك، بفضل اقتصاديات ريغان» وسياسات التصدي للتضخم التي اتبعها رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي وقتها، بول فولكر، معتبراً أنها «أعادت إحياء سوق الأسهم».

لكن الأكثر أهمية هو أن الأمور تتغير على أرض الواقع. فقد ارتفعت حصة الشركات اليابانية التي لديها مديران مستقلان أو أكثر من 22% في 2014 إلى 99% في 2023.

كما ازدادت نسبة المجموعات التي تكشف البيانات المهمة للمستثمرين باللغة الإنجليزية إلى 97% مقارنة بـ80% في 2020، أما حيازات الشركات المتبادلة للأسهم، التي تُعد إرث نموذج التنمية الياباني، فقد سجلت مستويات منخفضة قياسية.

يعكس كل ذلك التأثير الكبير الذي خلّفه إصلاح آبي الأكثر ديمومة، المتمثل في قانون حوكمة الشركات الصادر عام 2015، كما يعكس تحوّلاً عميقاً ذا تأثير بطيء فيمن يملك الأسهم اليابانية. وخلال العقود الثلاثة الماضية، انخفضت الحيازة المتبادلة للأسهم، وتَعزّز وضع المساهمين التقليديين. ووفق أحد المقاييس، فقد ازدادت حصة ملكيتهم بنسبة 20 نقطة مئوية.

كلمات دالة:
  • FT
Email