حروب التكنولوجيا بين الصين وأمريكا تعرّي مواطن الضعف لدى الطرفين

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الضروري في أي محاولة لتشريح صناعة السياسة الصينية هذه الأيام أن نبدأ بتنبيه ما، في أغلب الأحيان، وفي السواد الأعظم من القضايا، لا نكون على دراية بما تفكر فيه القيادة في بكين، وإذا أردتم الاستزادة من الصندوق الأسود للسياسة الصينية فأوصيكم بالرجوع إلى ما قاله وو غووغوانغ، الذي عمل مستشاراً لشاو زيانغ، رئيس الوزراء الأسبق، وترجمه واحد من أبرز المتخصصين في شؤون الصين عالمياً، جيريمي بارميه، وهنا يكون التواضع أمراً حتمياً.

ورغم التنبيه سالف الذكر سنحاول شرح وإيضاح النوايا المُحتملة للصين في إعلانها يوم 20 أكتوبر وضع ضوابط على تصدير الغرافيت، وهو مادة أساسية تُستخدم في تصنيع بطاريات المركبات الكهربائية.

وكخلفية للموضوع، وكما نشرت «فاينانشال تايمز» سابقاً فإننا نعلم أن مسؤولين في وكالات تكنولوجية وتجارية ودفاعية صينية عدة كانوا يلتقون منذ أواخر العام الماضي القيادة لتقديم المشورة فيما يتعلق بكيفية الرد على القيود المتزايدة، التي تفرضها إدارة بايدن على بيع شرائح الكمبيوتر ومعدات وتكنولوجيا صناعة الشرائح للشركات الصينية، وقد حصلنا في يوليو على صورة أولية لاستعدادات بكين لتوجيه ضربة انتقامية، حيث كشفت الصين عن قيود على صادرات الغاليوم والجرمانيوم، وهما معدنان أساسيان يُستخدمان في تصنيع الشرائح والمركبات الكهربائية، ومعدات الاتصالات وأنظمة السلاح.

وبدا ذلك للكثير من العاملين في الصناعة سيناريو كابوسياً، فقد قررت بكين الاستفادة من هيمنتها الشديدة على إنتاج الكثير من المواد الخام المهمة للتكنولوجيا والبنية الأساسية الحديثة، لكن من الناحية العملية لم تقع أي اضطرابات بعد في إمدادات الغاليوم والجرمانيوم، حيث استمرت صادرات المنتجات، وإن كان ذلك يأتي مع متاعب إضافية، تتمثل في الحصول على تصاريح جديدة. ويسلط هذا الضوء على ما نشرناه سابقاً عن أن القواعد الجديدة للصادرات كانت مُصممة بعناية كونها سلاح ردع، وبمثابة تحذير للولايات المتحدة وحلفائها، مفاده أن الصين بإمكانها الانتقام، وأنها ستنتقم.

ورغم ذلك استمر سيل الضوابط المفروضة على الصادرات، الذي تقوده الولايات المتحدة، وكان من بين الأكثر إيلاماً، من وجهة النظر الصينية، إعلان وزارة التجارة الأمريكية في 17 أكتوبر توسيع نطاق الضوابط واسعة النطاق، التي تم فرضها العام الماضي، لتشمل صادرات شرائح الذكاء الاصطناعي المتطورة، وكما نشر أصدقاؤنا المتخصصون في التكنولوجيا الصينية يمكن أن يتسبب هذا في اعتماد شركات التكنولوجيا الصينية على شرائح قديمة ومخزنة،منذ فترة لتشغيل صناعة مهمة للنمو المستقبلي.

وفي إدراك متأخر للأمور لم يكن من المفترض أن نتفاجأ من أن بكين ستوجه سريعاً ضربتها الانتقامية، ومع ذلك فإن قرار الصين، الذي يستهدف الغرافيت أرسل موجات من الصدمات تردد صداها لدى الشركات والحكومات، التي وجدت نفسها في مأزق.

وفي غضون ساعات عقد وزير التجارة في سيئول اجتماعاً عاجلاً مع اتحاد صناعة البطاريات وموردين آخرين للمكونات، ولهذا القلق ما يبرره بالتأكيد هنا، بالنظر إلى هيمنة الصين على سوقي معالجة الغرافيت الطبيعي والاصطناعي.

ولا يزال الدبلوماسيون يحاولون تقصي الأمر لمزيد من المعلومات، ويكمن السؤال المباشر في تنفيذ القرار، وفي هذا الصدد فإن توقيت فرض القيود على صادرات الغرافيت، والتي جاءت بعد ثلاثة أيام من القيود، التي فُرضت على الذكاء الاصطناعي، قد يكون مفيداً في إرشادنا.

وأفاد مسؤول صيني على صلة وثيقة بخطط الانتقام بأن إعلان القيود على تصدير الغرافيت عكس حاجة بكين المُلحة للرد، ما يأتي بالتزامن مع جهود لتقليل الاضطرابات والأضرار، التي قد تلحق بالمصالح التجارية الصينية، وثمة ما يدعم هذه الادعاءات، وهو أن العاملين في الصناعة يبدو أنهم لم يتلقوا أي تحذيرات، إذ تفاجأت الأسواق، كما لم تعلن السلطات أي توجيهات مصاحبة بشأن حصص التصدير أو أي حظر صريح على دول بعينها.

وخلافاً لبعض القيود الأمريكية لا يمكن افتراض أن الصين سترفض إعطاء تصاريح، لذا ومن دون أي تلميح من جانب بكين بشأن إنفاذ أكثر صرامة للقرار يشير كل هذا إلى أن السلطات ستواصل إصدار التصاريح، وأن الاضطرابات في الإمدادات ستكون هامشية في الوقت الراهن.

ومع ذلك يجب عدم التهوين مما أعلنته بكين، فبينما تمارس الصين ضبطاً للنفس، لكن بإمكانها الانتقام في أي وقت، ويمكنها أن توجه ضربة قاصمة إلى قلب التحول الأخضر في الغرب، لذلك فإن بكين تتمتع بسلاح فعال، كما أن الوقت في صالحها.

وإذا ما نظرنا إلى المستقبل فإن بكين وواشنطن بحاجة للوضع في الاعتبار أن استغلال طرف ما لنقاط القوة لديه (أي الشرائح بالنسبة للولايات المتحدة وموارد التكنولوجيا النظيفة بالنسبة للصين) يدفع الجانب الآخر إلى زيادة تركيزه على مواطن الضعف لديه، فهل يطلق كل طرف منهما الرصاص على قدميه؟ هل سيكون لحاق الصين بركب الشرائح أسهل من استبدال الولايات المتحدة لكامل الإمدادات الصينية من الموارد، التي تعتمد عليها التكنولوجيا النظيفة؟

ما نعرفه حالياً أن التأثير المدوي الناجم عن قرارات كل من الصين والولايات المتحدة سيكون المزيد من عدم اليقين، فلا توجد ضمانات بأن بكين لن تبدأ في تأخير إصدار تصاريح تصدير الغرافيت أو توسيع قيودها، لتشمل مجموعات أخرى من الموارد الأساسية، التي تهيمن عليها، كما لا توجد أيضاً ضمانات بأن الولايات المتحدة ستواصل منح تصاريح للشركات الكورية الجنوبية واليابانية لبيع الشرائح المتقدمة في الصين.

كلمات دالة:
  • FT
Email