بورصة لندن.. إدراجات قليلة ونجاحات أقل وأقل

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تعد سوق لندن للأوراق على الحال الذي كانت عليه من قبل، فقد أصبحت الإدراجات في البورصة نادرة، والناجحة منها أكثر ندرة. ويلقي النقاد الغاضبون باللوم في ذلك على ركود الاقتصاد بعد «البريكست»، والإجراءات الروتينية، وأيضاً لمديري الصناديق المتلهفين على العائدات. هذه العوامل يعتقد أنها أثقلت كاهل لندن عبر خصم هيكلي كبير.

هل يتعين على المستثمرين بالقطاع الخاص الهروب من هذا المشهد البائس؟ أم عليهم وضع مدخراتهم في أسهم شركات تصنيع السيارات الكهربائية في فيتنام أو بمناجم الفضة في بوليفيا. ربما لا، فثمة صوت محتج على مسألة الخصم الهيكلي، وهو جيمس أرنولد، المصرفي لدى «يو بي إس»، حيث يشير التحليل الذي أجراه فريقه للرؤى الاستراتيجية إلى أن الضعف الذي يعتري بورصة لندن نابع من مقارنة غير عادلة بين السوقين البريطانية والأمريكية.

لا أحد ينكر أن مكرر ربحية السهم في سوق المملكة المتحدة عند مستويات منخفضة. وكان مكرر الربحية، قبل استفتاء «بريكست» في 2016، عند مستويات تتماشى مع متوسط عالمي يقارب 15 ضعف الأرباح الآجلة، بل كانت هناك علاوة صغيرة إذا ما استبعدنا الولايات المتحدة من المقارنة.

لقد تدهورت مكانة المملكة المتحدة تدريجياً منذ 2016، ووصل معدل الخصم إلى مستوى قياسي عند 40 % مقابل الأسهم العالمية بنهاية العام الماضي. وبلغت الفجوة 20 % أمام الأسهم العالمية باستبعاد الولايات المتحدة. وبذلك، تسجل أسهم المملكة المتحدة أرباحاً آجلة عند مستوى 10 أضعاف فقط.

ويقوم اعتراض أرنولد على أن هذه المقارنات ليست مقارنة المثل بالمثل. فقد قارن فريق أرنولد 60 من كبرى الشركات في المملكة المتحدة مقابل نظيرات بالولايات المتحدة اعتبروها الأقرب من حيث النوع، فقارنوا «كومباس» بـ«أرامارك» لتوريد المواد الغذائية، و«رينيشو» و«إنفنت» للخدمات الهندسية.

ووجد فريق «يو بي إس» أن الأسهم البريطانية كانت إما متماشية ونظيراتها الأمريكية، أو أعلى في خُمسيّ حالات المقارنة. وتلاشى قدر كبير من الخصم عند استبعاد بضعة من عمالقة التكنولوجيا الأمريكية، مثل «ميتا» و«أمازون»، فليس ثمة منافسون حقيقيون لهذه الشركات الضخمة في المملكة المتحدة أو في أي دولة أخرى. ويشير الفرق المتبقي إلى خصم هيكلي ضئيل في المملكة المتحدة، يأتي انعكاساً لعوائد أمريكية أعلى على رأس المال، وضرائب أقل وسوقاً محلية أكبر.

وقد يقول أحد المتهكمين إنه بإمكانك دعم أي نظرية تريدها عن طريق بيانات انتقائية. ومع ذلك، يُنسب الفضل إلى «يو بي إس» في تحدي الرأي الشائع، والذي قد يكون خاطئاً في كثير من الأحيان.

وثمة استخلاص مفيد من تحليل «يو بي إس»، مفاده أن الاستثمار في المؤشرات ليس كمثل الاستثمار في اقتصاد الدولة، فغالباً ما تكون الأسهم أدوات قديمة ملتوية ونتاجاً للحملات التسويقية للبورصات، ويجب الإحاطة بخصائصها أولاً على نحو جيد. وفي الوقت ذاته، يمكن لمستثمري القطاع الخاص في المملكة المتحدة تبرير تركيزهم على سوق الأسهم المحلية لديهم بسببين: الأول هو أنها تزيل خطر احتمالية عدم انسجام العملة الأساسية لاستثماراتهم مع التزاماتهم المُقوّمة بالجنيه الاسترليني، والثاني هو أن العيش في المملكة المتحدة ربما يمنحهم فهماً أفضل لأعمال الشركات ذات التوجه المحلي مقارنة بالشركات العاملة في الخارج.

ومع ذلك، يعتقد أرنولد أن نقطة الانحراف باتت وشيكة. فهناك شريحة صغيرة فقط من أموال معاشات التقاعد المُحددة لا تزال تستثمر بالأسهم البريطانية. ويُفترض أن تزداد مساهمات أنظمة التقاعد ذات الاشتراكات المحددة والمدخرات التقاعدية البديلة الأخرى. كما يُفترض أن يكون ذلك داعماً للتقييمات الأوسع للسوق الأوسع، بالإضافة إلى النوع المُستمد من مقارنات المثل بالمثل.

وقد تفوقت ميلان على لندن، وتجلى هذا الثلاثاء الماضي، فقد تخطى مصرفا «يونيكريديت» و«باركليز» توقعات الأرباح للربع الثالث، لكن الأمور كانت أفضل بالنسبة للمصرف الإيطالي، الذي يعمل أيضاً في ألمانيا وشرق أوروبا. وقد تجاهل المستثمرون تأكيد «يونيكريديت» تحقيقه عائد رأسمال يبلغ 6.5 مليارات يورو وإعلانه مستهدفات أعلى للإيرادات، في حين دفع صافي هوامش الفوائد الضعيف لمصرف «باركليز» في السوق المحلية، بالأسهم، للانخفاض بما يصل إلى 8 %. وتنذر التقييمات المتدنية لأسهم المصارف بضعف اقتصادي وكارثة وشيكة، فهي الآن عند مستويات لم تُسجل إلا إبان الصدمات المالية الماضية. ويعتبر المستثمرون طفرة الأرباح المدفوعة بمعدلات الفائدة «أخباراً قديمة». لقد قفزت عوائد القروض على نحو مدهش في جنوب أوروبا، وكانت أسهم «يونيكريديت» الأفضل أداءً بين كبرى المصارف الأوروبية المقرضة، وارتفعت بنسبة 70 % منذ بداية العام وحتى اليوم، ولا يرى المستثمرون أي موانع أمام مواصلة تحقيق المزيد من المكاسب.

إن المنافع الناتجة عن ارتفاع الفائدة باتت تنحسر في المملكة المتحدة. وسجل صافي هوامش الفوائد، الذي يقيس الفجوة بين معدلات الفائدة على المدخرات والقروض لدى المصارف 3.04 %، ما يقل عن نسبة 3.12 % المتوقعة. وخفض سي إس فينكاتاكريشنان، الرئيس التنفيذي لمصرف «باركليز»، توجيهاته بشأن صافي هوامش الفائدة للعام بأسره. وتحتدم المنافسة على الودائع في المملكة المتحدة، لذلك فقد مررت المصارف فوائد أعلى إلى المدخرين على نحو أسرع من نظرائها في القارة.

ويُعدّ انخفاض حساسية الودائع لارتفاع أسعار الفائدة، وهو الاسم الذي يُطلق على تمرير معدل الفائدة، السبب وراء اعتقاد «يونيكريديت» أن بإمكانه تحصيل قدر إضافي من صافي دخل الفائدة هذا العام بقيمة 500 مليون يورو. ويتوقع أندريا أورسيل، رئيس «يونيكريديت»، صافي أرباح بقيمة 7.25 مليارات يورو على الأقل في 2023، وأرباح بالقدر ذاته في 2024. ويعادل العائد المُرجح في توزيعات الأرباح وعمليات إعادة الشراء عائداً سنوياً مذهلاً يبلغ 16 %.

وسيتفادى «يونيكريديت» دفع الضرائب على «الأرباح الاستثنائية» التي فرضتها حكومة جورجيا ميلوني، فبعدما تسببت الأنباء بشأن فرض الضريبة في خسائر لأسهم المصارف، قدم الوزراء للمقرضين خياراً يتمثل في الاحتفاظ بـ 2.5 ضعف رسوم الضريبة المفترضة، ما تبلغ قيمته بالنسبة لـ «يونيكريديت» 1.1 مليار يورو.

وشهدت أسهم «يونيكريديت» إعادة تقييم هذا العام، بفضل جهوده الذاتية والفوائد الأعلى. ويعتزم المصرف سداد تعويض عن صافي دخل الفائدة الذي بلغ ذروته برسوم أكثر ارتفاعا. أما «باركليز»، فسيخفض التكاليف لحماية الحد الأدنى المتوقع.

من شأن المتابع بدقة للأسهم المنخفضة للمصارف الأوروبية أن يلحظ الاختلافات الكبيرة بين المصرفين. وتظل أسهم «يونيكريديت» أقل كثيراً من القيمة الدفترية الملموسة بـ 0.7 مرة. أما أسهم «باركليز»، فإنها أقل شعبية عند 0.5 مرة. وتفيد هذه المقاييس بأن أصول كلا المصرفين أقل كثيراً من قيمتها الاسمية. ونادراً ما كان مضاعف ربحية بقرابة 5 أضعاف على هذا القدر من الانخفاض. وتبدو هذه الأسهم رخيصة، لكنّ ثمة أسباباً وراء رخص ثمنها.

كلمات دالة:
  • FT
Email