انهيار "إس في بي".. تعافٍ لم يبدد ظلال 2008

ت + ت - الحجم الطبيعي

ارتفعت الأسهم الأمريكية، يوم الثلاثاء، حيث تنفست الصعداء بعد أن وافقت بيانات التضخم لشهر فبراير توقعات الاقتصاديين وانتعاش أسهم البنوك مما قلل من حجم المخاوف على القطاع المالي بعد انهيار بنك سيليكون فالي وتبعه بنك سيغنتشر.

وارتدت أسهم البنوك بعد يوم كارثي من التداول أمس (الاثنين). ما رفع توقعات المختصين بنسبة 82%، أن يرفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة في اجتماعه الأسبوع المقبل لمنع تفاقم أزمة البنوك التي تتأثر بشدة برفع أسعار الفائدة. 

وأثار انهيار بنك وادي السيليكون مخاوف من أزمة مالية جديدة، على الرغم من جهود السلطات للحد من تأثير انهيار البنك، حيث يخشى المستثمرون من امتداد هذا الحدث إلى سلسلة انهيارات تطال بنوكاً كبيرة تهدد الاقتصاد العالمي، في استدعاء للأزمة العالمية في 2008 رغم أن منظمي السوق أطلقوا تصريحات مطمئنة من هذا السيناريو. 

وانعكست تلك المخاوف في انخفاض أسهم البنوك الأوروبية بشكل حاد أمس الاثنين، والتي لم تفلح مليارات الدولارات التي جمعتها حكومة الولايات المتحدة خلال عطلة نهاية الأسبوع، ولا تصريحات القادة السياسيين على جانبي المحيط الأطلسي في تهدئتها، حسب "لوموند" الفرنسية.

وسعت وزارة الخزانة الأمريكية والمؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع (FDIC) إلى تفادي السيناريو الأسوأ بالامتداد السريع وغير المنضبط إلى بقية النظام المالي.. وذلك عبر ضمان جميع ودائع بنك وادي السيليكون، الذي انهار بعد عمليات سحب ضخمة متزامنة قام بها عملاؤه، وكذا بنك "سيغنتشر"، الذي تم وضعه تحت الحراسة القضائية، كما خصص الاحتياطي الفيدرالي 25 مليار دولار (23.3 مليار يورو) لتلبية الاحتياجات المحتملة للبنوك الأخرى.

وانبرى السياسيون، لبث الطمأنة في الأسواق العالمية، حيث أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الأمريكيين يمكنهم الثقة في بنوكهم، وحاول وزراء مالية منطقة اليورو المجتمعون في بروكسل بث تلك الروح في الأفراد والشركات والمستثمرين.

إخفاق 

لكن السؤال الذي تبادر إلى أذهان الكثيرين هو كيف لم يستطع المسؤولون عن الاقتصاد العالمي أن يتعلموا من درس الأزمة العالمية التي لم يبرد مضجعها بحساب عمر الأزمات العالمية، بخلق آلية ومنظومة تحمي من مثل هذه الانهيارات المفاجئة والتي يمكن أن تتمدد كسرطان مميت.

وأخفق مستثمرون وجهات ناظمة للقطاع المصرفي على حد سواء في رصد مؤشرات الخطر قبل انهيار بنك سيليكون فالي (إس في بي) المدوّي الأسبوع الماضي.
وبقي سبب هذا الإخفاق السؤال الأبرز في أوساط الخبراء المصرفيين، إذ ركز بعضهم على ضعف القواعد في الولايات المتحدة.

وأعلن الاحتياطي الفدرالي، الاثنين، عن خطط لمراجعة "معمّقة وشفافة وسريعة" لعملية الإشراف على "إس في بي" سيتم نشر نتائجها في الأول من مايو المقبل، ما يعني إقراراً عملياً بأنه كان بإمكانه القيام بأداء أفضل.

وتعهّد الرئيس الأميركي جو بايدن القيام بـ"محاسبة كاملة على ما حدث"، مضيفا أنه سيطلب من الجهات الناظمة تشديد القواعد المعمول بها في القطاع.
وكان الخبراء المصرفيون من بين الأشخاص الذين شعروا بالقلق حيال الانهيار السريع لـ"إس في بي"، المصرف الأمريكي السادس عشر من حيث حجم الأصول والكيفية التي تحوّل انهياره من خلالها إلى نذير بإخفاق مقرض آخر هو بنك "سيغنتشر".

وقال أستاذ القانون لدى جامعة جورج واشنطن آرثر ولمارث، في تصريح لوكالة فرانس برس، إن الإخفاقات "كشفت عدم كفاءة الإصلاحات التنظيمية التي تمّت منذ الأزمة المالية العالمية".

وكان بإمكان نظرة سريعة على المصرف أن تكشف النقاب عن علامات خطر محتملة واضحة تتمثّل في التعرّض غير المتناسب لـ"إس في بي" إلى الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، وهو أمر خطير تم تشبيهه بقطاعي العقارات التجارية أو الأسواق الناشئة اللذين أثّرا على المقرضين في الماضي.

وأشار ولمارث إلى أن "إس في بي" حقق نمواً سريعاً للغاية بين العامين 2020 و2022 وبأن تعرّضه إلى سندات فائدة ثابتة طويلة الأمد جعله أكثر ضعفا أمام التحوّل في السياسات النقدية من قبل الاحتياطي الفدرالي.

وقال ولمارث "تعد هذه تقريباً وصفة مضمونة للفشل. إذا تحوّل الاقتصاد، تبدأ المشاكل.. ما كانت أي الأمور هذه لتكون غامضة بالنسبة للجهات الناظمة".

وأشار الخبراء أيضاً إلى التخفيف التدريجي لقوانين أمريكية سُنّت بعد فترة قصيرة من أزمة 2008 المالية.

وفرض قانون "دود-فرانك" الأصلي الصادر عام 2010 رأس مال أعلى وسيولة وغير ذلك من الشروط على المصارف التي تملك أصولاً تبلغ 50 مليار دولار على الأقل.

وفي 2018، وبدعم من الرئيس السابق دونالد ترامب، تم رفع قيمة الأصول إلى 250 مليار دولار، ما يعني تأثر عدد أقل من المصارف.

لكن التحوّل في القانون لا يبرر إخفاقات الجهات الناظمة، بحسب أستاذة القانون لدى "جامعة جورج تاون" آنا غلبرن التي قالت: "عندما يتم تخفيف الشرط التنظيمي إما من منطلق أن هذه المؤسسات لا تشكّل خطراً على المنظومة نظراً إلى حجمها أو لأن الإشراف عليها أسهل، يفاقم ذلك الضغط على عملية الإشراف التقليدية نظراً لعدم امتلاكك جرس الإنذار التلقائي الذي يتم إطلاقه مع الشروط".

وأضافت "إذا كان السلوك غير آمن ولا منطقي"، فإن التصنيف الرسمي للمصرف بموجب القانون "لا يبرر الفشل في المراقبة".

بدوره، أشار الاستاذ المساعد المتخصص في القانون في جامعة نيويورك مايكل أوهلروغ إلى أن الجهات الناظمة تولي "أهمية قليلة جداً إلى حد صفر مخاطر" في ما يتعلق بمتطلبات رأس المال المصرفية للأوراق المالية المرتبطة بوزارة الخزانة نظراً إلى أنها تعد آمنة.

في الوقت ذاته، تتعامل الجهات الناظمة بتساهل مع المصارف في ما يتعلّق بالمودعين بأكثر من 250 ألف دولار (وهي العتبة للإيداعات المؤمّنة فدراليا) على أساس الاعتقاد بأن المصرف يقيم علاقة تجارية ذات معنى مع هذا النوع من الزبائن.

وأفاد أوهلروغ "سيتطلب ذلك على الأرجح إعادة نظر وتفكير بشكل أكثر جدية بشأن مخاطر الخسارة الناجمة عن ودائع غير مؤمّنة".

Email