الاقتصاد الألماني يتجه نحو الركود خلال الفصل الثاني من 2022

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد صدور أرقام تشير إلى توجه الاقتصاد الألماني نحو الركود خلال الفصل الثاني من 2022، يرى الخبراء أن المشكلة لا تقتصر على وضع ظرفي، بل إن النموذج الاقتصادي للقوة الاقتصادية الأولى في أوروبا هو الذي يتعثر.

- طي صفحة الطاقة المتدنية الكلفة

أوضح محللو مصرف آي إن جي أن «الحرب في أوكرانيا وضعت حداً للنموذج الاقتصادي الألماني كما كنّا نعرفه» القائم على حد قولهم على «واردات طاقة متدنية الكلفة وصادرات صناعية في عالم يزداد عولمة».

ومع تدني كلفة إنتاجه ونقله، أسهم الغاز الروسي على مدى عقود في ازدهار الصناعة الألمانية التي تمثل 30% من استهلاك الغاز في البلد.

وكان الغاز الروسي يمثل قبل الحرب في أوكرانيا أكثر من نصف الغاز المستورد إلى ألمانيا. وتدنت هذه الحصة الآن إلى 35%.

وفي سعيها للخروج تماماً من اعتمادها على الغاز الروسي، وهو هدف حددت برلين لنفسها مهلة لتحقيقه في منتصف 2024، تعتزم ألمانيا اللجوء إلى مصادر طاقة أعلى كلفة، كالغاز النرويجي أو الهولندي أو الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة أو من قطر، أو أقل انتظاماً مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح.

- تعثر العولمة

كتبت صحيفة سودويتشه تسايتونغ في يوليو مبدية مخاوف أن «ألمانيا كدولة مصدرة تستفيد أكثر من سواها من التبادل الحر. لكن هذا تحديداً ما هو في خطر».

وكشف وباء كوفيد 19 والحرب في أوكرانيا مكامن الضعف في الاقتصادات حين تتعثر سلاسل الإمداد ولا يعود من الممكن استيراد مكوّنات أساسية مثل أشباه الموصلات.

وعانت الصناعة الألمانية بصورة خاصة، ولا سيما قطاع السيارات.

ومع تراجع الإمدادات الروسية، أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لألمانيا، غير أن الأمر يثير مخاوف برلين.

وفي وقت ازدادت المبادلات بين البلدين بنسبة 15,1% في 2021 بالمقارنة مع العام السابق، أقرّ وزير المال الليبرالي كريستيان ليندنر بأن الاعتماد على الصين «ليس أمراً صحياً كذلك».

واعتبرت الخبيرة الاقتصادية كلاوديا كيمفرت متحدثة لوكالة فرانس برس أن «هذا قد يشكل خطرً جديداً»، موضحة أنه ليس بحجم الخطر الروسي «لكن علينا أن نستند أكثر إلى اقتصاد وطني ونعزز القدرة على الصمود».

- نقص في الموظفين

ويبقى نقص الموظفين المشكلة الأولى المطروحة على العديد من الشركات في بلد يعاني من شيخوخة سكانية، ولو أن تبعات الحرب في أوكرانيا تطغى عليه.

وإلى مليون وظيفة شاغرة حالياً، قال مارسيل فراتشر رئيس معهد البحث الاقتصادي إن «ألمانيا ستحتاج إلى 500 ألف عامل إضافي كل سنة على مدى السنوات العشر المقبلة»، مشيراً إلى أن ذلك يشكل «خطراً على قدرة البلاد التنافسية وازدهارها».

وحذرت شركة كونتيننتال المصنعة لتجهيزات السيارات في يوليو بأن ألمانيا «بحاجة ماسة إلى هجرة منظّمة».

- صدمة التضخم

بعد سنوات من الاستقرار في الأسعار عاد الخوف من التضخم ليسيطر على جميع بلدان الاتحاد الأوروبي.

غير أن القلق أكبر في ألمانيا، حيث لا تزال صدمة التضخم الجامح في عشرينات القرن الماضي تهيمن على النقاش العام.

كما ذكر خبيران اقتصاديان في المرصد الفرنسي للأوضاع الاقتصادية OFCE أن هاجس استقرار الأسعار على ارتباط أيضاً «بالحفاظ على قطاع صناعي تنافسيّ وأمة من المدّخرين».

غير أن المطالب تتزايد في بلد يتمسك بمستوى معتدل من الأجور وشهد شهر يوليو أطول تحرك اجتماعي في الموانئ الألمانية منذ أربعين عاماً.

وتطالب نقابة عمال الصلب آي جي ميتال بزيادات في الأجور بنسبة 8% لـ3,8 ملايين موظف في القطاع الصناعي، وهي أعلى نسبة منذ 2008.

وتساءلت مجلة شبيغل «هل ثمة خطر قيام حركة سترات صفراء في ألمانيا؟» على غرار الحركة الاحتجاجية التي شهدتها فرنسا، محذرة بأنه «إذا انهارت الطبقة المتوسطة، قد ينهار كل شيء».

- وهم الانضباط المالي

هل ينبغي العودة العام المقبل إلى نهج الصرامة المالية التي تشكل ركيزة النموذج الألماني؟ ذلك هو الهدف المعلن لوزير المال، غير أن خبراء آي إن جي يحذرون بأن هذا الهدف «مدهش بقدر ما هو غير واقعي».

وبعد الخروج عن قاعدة الانضباط المالي خلال أزمة تفشي وباء كوفد 19، تعاود ألمانيا حالياً إنفاق المليارات لدعم الأسر والشركات بوجه أزمة الطاقة، فيما يفرض عليها التحول المتسارع في مجال الطاقة استثمارات هائلة.

وحذرت آي إن جي بأن «ألمانيا بحاجة إلى وقت وأموال» لتنفيذ «استثمارات وتغييرات بنيوية بالتصميم ذاته الذي فرضته في الماضي على الدول الأخرى في منطقة اليورو».

Email