لم تجرِ رياح العقوبات الأوروبية التي تم فرضها على الاقتصاد الروسي جراء الحرب الأوكرانية بما تشتهي سفن الدول الـ19 في منطقة اليورو، بل دارت هذه الرياح لتضرب أهم رمز للاتحاد وتودي بقيمة عملته إلى مستوى مكافئ للدولار، بعد أن كان في أغلب الأوقات مرتفعاً بنسبة تتراوح حول 15%، بل إنه تراجع في بعض أوقات التداول إلى ما دون الدولار (1 دولار = 0.999 يورو)، وهي سابقة لم تحدث منذ أن طرحت العملة الأوروبية للتداول عام 2002. كما هبط الجنيه الاسترليني لأدنى مستوى في عامين.
\وإذا كان هذا التراجع الأول من نوعه مثيراً للقلق في معظم جوانبه ومسبباً تداعيات تطال أصعدة متعددة مثل التضخم والقدرة الشرائية للعائلات والشركات ومعدلات النمو ومستوى الديون وخطط البنك المركزي الأوروبي، إلا أن هناك من يرى أن بعض القطاعات الاقتصادية سوف تستفيد من هذا التساوي بين اليورو والدولار، وخاصة الصناعات التحويلية التي تصدر منتجاتها إلى الخارج، وخاصة صناعة الطائرات والسيارات والسلع الفاخرة والكيميائية.
لكن في الغالب تبقى التداعيات أكثر بكثير من المزايا، من وجهة نظر المحللين، الذين رأوا أن دوافع تراجع اليورو تتركز بشكل أساسي حول الحرب المستمرة في أوكرانيا، والتي غذت الخوف من أزمة الطاقة والركود، فضلاً عن ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية بشكل حاد، مما دفع المستثمرين نحو الدولار واليورو.
وأكد المحللون أن اليورو يواجه ضغوطاً في الأسواق المالية منذ فترة بسبب الحرب الأوكرانية التي ضربت تداعياتها اقتصاديات دول الاتحاد الأوروبي، حيث إنها تستورد 40% من الطاقة من روسيا.
ويخيم القلق على الأسواق بسبب أزمة طاقة كبيرة في القارة العجوز، إذ تسري شكوك بشأن ما إذا كانت روسيا سوف تستأنف تسليم الغاز بعد تعليقه لإجراء أعمال صيانة في أنبوبي غاز «نورد ستريم 1»، ويزيد هذا الوضع المخاوف من ركود في أوروبا.
وقال أسامة آل رحمة رئيس تطوير الأعمال في بنك الإمارات للاستثمار: إن أحد أسباب الأزمة الاقتصادية في منطقة اليورو هو ارتفاع تكلفة الطاقة التي تعتبر العصب الرئيسي للإنتاج والنمو الاقتصادي في أوروبا. وأضاف: أدى انخفاض ضخ الغار عير روسيا إلى تفاقم أزمة الطاقة وهذا ساهم في تفعيل حالة الركود وأزمة التضخم والتي يأتي انخفاض قيمة اليورو كنتيجة مباشرة لها، بالإضافة إلى أن البنك المركزي الأوروبي قال قبل 11 عاماً إن التضخم لن يزيد أكثر من 25 نقطة أساس.
ولكن الفيدرالي زاد 150 نقطة أساس مع توقع ارتفاع الفائدة بمعدل 75 نقطة أساس أخرى. وأردف: نتوقع أن تتمثل تداعيات انخفاض اليورو على دول الخليج في ارتفاع أسعار السلع القادمة من أوروبا لمحاولة تسوية القيمة.
وفيما يلي يمكن إبراز أهم تداعيات التراجع الحاد للعملة الأوروبية:
التضخم والقدرة الشرائية:
من المعلوم أنه يتم تحرير فواتير ما يقارب نصف المنتجات الواردة إلى منطقة اليورو بالدولار، مقابل أقل من 40%، وفق بيانات مكتب الإحصاءات الأوروبي «يوروستات». ويتعلق ذلك على سبيل المثال بالعديد من المواد الأولية، مثل النفط والغاز، التي ارتفعت أسعارها بالفعل في الأشهر الأخيرة على خلفية الحرب في أوكرانيا، لكن ستكون هناك حاجة لمزيد من اليورو لشراء السلع المستوردة بالدولار.
وقالت إيزابيل ميجان، الأستاذة في جامعة «سيانس بو» في باريس: «تفقد المنتجات المستوردة قدرتها التنافسية، وستواجه منافسة، وبالتالي ستكون أكثر تكلفة، مما يسهم في تسريع التضخم، ويهدد القدرة الشرائية للعائلات».
تعطيل السياحة:
سيعرقل انخفاض قيمة اليورو مقابل الدولار السياحة الصادرة من أوروبا بشكل واضح، وخاصة في الولايات المتحدة، حسب ما حذّر وليام دو فيجلدر، الخبير الاقتصادي في مصرف «بي إن بي باريبا». وبما أن السياح يحتاجون إلى المزيد من اليورو لتسديد نفس المبلغ بالدولار، فسترتفع فاتورة إقامتهم في الولايات المتحدة، وكذلك في البلدان التي ربطت عملتها بالدولار.
لكن في المقابل، سوف يستفيد السياح الأمريكيون وكذلك الذين ارتبطت اقتصادات بلدانهم بالعملة الأمريكية، من تبديل العملة، عند زيارتهم منطقة اليورو، إذ يمكنهم أن يستهلكوا أكثر بنفس المبلغ بالدولار.
تضرر الشركات:
يرى محللون أن تأثير انخفاض اليورو حسب اعتماد الشركات على التجارة الخارجية والطاقة قد يكون متفاوتاً. وفي هذا الصدد قال فيليب موتريسي، مدير الدراسات في مصرف «Bpifrance»: إن التكاليف سوف ترتفع بشكل حاد بالنسبة للشركات التي تعتمد على المواد الخام والطاقة، والتي تصدر القليل، مثل شركات الحرفيين. أما الرابح الأكبر من انخفاض اليورو فهي الصناعة التحويلية التي تصدر منتجاتها إلى الخارج، وخاصة صناعة الطائرات والسيارات والسلع الفاخرة والكيميائية.
وأشار إلى أن الشركات الكبرى مهيأة بشكل أفضل لتلقي الصدمات، لأنها تتمتع بآلية حمائية تسمح بتخفيف حدة تقلب أسعار العملات، موضحاً: «يشترون العملات مسبقاً بسعر مغرٍ يحمي من تقلبات أسعار الصرف».
معدلات النمو والديون:
من الناحية النظرية، يجعل انخفاض قيمة اليورو الأسعار أكثر قدرة على المنافسة خارج منطقة اليورو، الأمر الذي سيحفز تصدير السلع والخدمات الأوروبية إلى الخارج. وقد يخفف ذلك من نتائج تنامي ارتفاع أسعار المنتجات على خلفية الحرب في أوكرانيا، لا سيما في البلدان التي يعتمد اقتصادها على الصادرات، مثل ألمانيا.
وبالنسبة لسداد ديون الدول الأوروبية، فإن التأثير يبدو أقل وضوحاً، حيث ترى إيزابيل ميجان، الأستاذة في جامعة «سيانس بو» في باريس، أن المزيد من النمو من شأنه أن يسهل سداد الديون، شريطة أن تعتبر الأسواق الديون الأوروبية آمنة بما فيه الكفاية، وأن تظل أسعار الفائدة منخفضة. لكن بالنسبة للدول التي أصدرت سندات بالدولار، فإن انخفاض قيمة اليورو مقابل الدولار سيرفع من تكلفة السداد.
قرارات المركزي الأوروبي:
قد يؤدي انخفاض قيمة اليورو، مع تسارع التضخم، إلى تشجيع البنك المركزي الأوروبي على رفع أسعار الفائدة بشكل أسرع، وهو يستعد لرفعها في يوليو، في سابقة منذ 11 عاماً. وقال وليام دو فيجلدر، الخبير الاقتصادي في مصرف «بي إن بي باريبا»: لا ينبغي أن يرد البنك المركزي الأوروبي على ارتفاع أسعار السلع الأولية، ولكن التحدي المتمثل في استعادة السيطرة على التضخم يصبح أكبر، لأن أسعار الواردات تزداد بسبب ارتفاع سعر الصرف.
