رفع الفائدة الأمريكية يؤجج مخاوف الركود عالمياً

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يزال قرار مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة بأكبر وتيرة في 3 عقود، يخيم على الأوساط الاقتصادية حول العالم، ويثير المخاوف من ركود محتمل، لا سيما مع التوقعات بمزيد من الزيادات خلال العام الحالي في خطوة هدفها الحد من تداعيات التضخم الذي وصل لمستويات غير مسبوقة منذ عقود.

ورفع الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس، الأربعاء الماضي، في أكبر زيادة منذ عام 1994، وذلك للمرة الثالثة خلال العام الحالي، بعدما رفعها بمقدار نصف 50 نقطة أساس في مايو، وهي أكبر زيادة منذ 22 عاماً، إضافة إلي زيادة بواقع 25 نقطة أساس في مارس من العام نفسه.

واتخذت البنوك المركزية حول العالم خطوات مماثلة برفع أسعار الفائدة، بما في ذلك بنك إنجلترا الذي رفعها للمرة الخامسة على التوالي، بينما رفعها البنك المركزي السويسري للمرة الأولى منذ 15 عاماً.

مواجهة التضخم

ويؤكد خبراء اقتصاد ومحللون لدى بنوك عالمية لوكالة أنباء الإمارات «وام»، أن مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي سيمضي قدماً نحو مزيد من الرفع في أسعار الفائدة لمواجهة التضخم المرتفع بالفعل، والحفاظ على استقرار الأسعار، حيث من المتوقع أن تواصل أسعار الفائدة ارتفاعها في الأشهر القادمة للسيطرة على ارتفاع غير مسبوق لأسعار السلع الاستهلاكية منذ 40 عاماً.

ويتوقع مسؤولو الفيدرالي الأمريكي أن يرتفع سعر الفائدة إلى 3.4% بحلول نهاية 2022، وإلى 3.8% في 2023، وهو ما سيؤثر على الشركات والأفراد، كونه يسهم في ارتفاع تكاليف الاقتراض الخاصة بالرهون العقارية والسيارات وبطاقات الائتمان أو أي ديون أخري، بما يؤكد المخاوف المتزايدة بشأن ارتفاع تكاليف المعيشة.

تزايد الضغوط

ومن المتوقع أيضاً أن يكون لرفع الفائدة تداعيات عدة على الدول النامية، حيث تزيد من الضغوط على تلك الاقتصادات، وتزيد تكلفة الاقتراض وخدمة الديون، إضافة إلى تداعياتها على أسواق الأسهم والسلع والنفط العالمية بعد أن سجلت خسائر حادة الأسبوع الماضي، حيث أظهر رصد وكالة أنباء الإمارات «وام»، انخفاض «نيكاي» الياباني بنسبة 6.7% بأكبر خسائر أسبوعية منذ أبريل الماضي، وهبطت مؤشرات وول ستريت الأمريكية للأسبوع الثالث على التوالي مع انخفاض «ستاندرد آند بورز» بنسبة 5.8%، وتراجع «داو جونز» بنحو 4.8%.

وفي الأسواق الأوروبية، انخفض مؤشر «ستوكس 600» بنسبة 4.6%، ونزل مؤشر «داكس» الألماني 4.6%، وتراجع مؤشر «فوتسي 100» البريطاني 4.1%، وهبط مؤشر «كاك» الفرنسي 4.9%.. كما انخفضت العقود الآجلة لخام برنت القياسي بنسبة 7.3%، وتراجع خام نايمكس الأمريكي بنسبة 9.2%.

وقال ستيفان جيرلاش، كبير خبراء الاقتصاد لدى بنك إي إف جي في زيورخ لــ«وام»: «من الواضح أن الفيدرالي الأمريكي فوجئ بقوة التضخم ويحاول الآن استعادة السيطرة على الوضع.. ولا تزال أسعار الفائدة منخفضة للغاية ويواجه الفيدرالي إزاء ذلك مشكلة حساسة تتمثل في رفعها إلى مستوى ملائم، كما يبذل الجهود في الوقت نفسه لمنع التسبب في الركود».

تكاليف الطاقة

وارتفعت معدلات التضخم في الولايات المتحدة إلى 8.6% في مايو الماضي لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ عام 1981 مع ارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء، وهو ما وضع أعباء كبيرة على كاهل الأسر وضغوطاً على صنّاع السياسات.

وأضاف جيرلاش: «تاريخياً، كانت حالات الركود في الولايات المتحدة مسبوقة بزيادة في أسعار النفط وتحرّك الاحتياطي الفيدرالي نحو زيادة أسعار الفائدة.. وعلى الرغم من أن الركود ليس السيناريو الأساسي في الوقت الحالي، إلا أن مخاطره بدأت في التنامي بوضوح».

وقال بيل باباداكيس، محلل الاقتصاد الكلي في بنك لومبارد أودييه لــ «وام»: «بالرغم من التركيز الكبير على كبح التضخم، إلا أن الخطر يكمن في لجوء الاحتياطي الفيدرالي إلى تشديد السياسة النقدية، ما قد يزيد فرص حدوث انكماش اقتصادي أكثر حدة».

النمو العالمي

ويتوقع البنك الدولي تراجعاً في النمو العالمي إلى 2.9% في 2022 من 5.7% في 2021، بينما من المتوقع أن يتباطأ النمو في الاقتصادات المتقدمة بشكل حاد إلى 2.6% في عام 2022 و2.2 في المئة عام 2023 بعد أن بلغ 5.1% في عام 2021.

وأضاف باباداكيس: «الفيدرالي الأمريكي أكد انطلاق دورة متسارعة لرفع أسعار الفائدة لكبح التضخم، حيث نتوقع ارتفاع الفائدة بواقع 75 نقطة أساس في يوليو، و50 نقطة أساس في سبتمبر، و25 نقطة أساس في نوفمبر وديسمبر».

وارتفع سعر فائدة الأموال الاتحادية قصيرة الأجل بعد الزيادة الأخيرة إلى نطاق بين 1.50% و1.75%، فيما يتوقع مسؤولو الفيدرالي الأمريكي أن يرتفع معدل الفائدة إلى 3.4% بنهاية العام 2022.

الفائدة النهائية

وقال سامي شعار، كبير الخبراء الاقتصاديين في بنك لومبارد أودييه لـ«وام»: «يفترض السيناريو الحالي لدينا أن استقرار أسعار الفائدة النهائية عند 3.75%، سيتجاوز بالاقتصاد الأمريكي أسوأ حالات التشديد النقدي دون أضرار جسيمة، وذلك بحدوث ركود معتدل في 2023 ترتفع فيه نسبة البطالة إلى حوالي 4.5% - 5% دون زيادةً كبيرة في معدلات تخلف الشركات عن السداد».

وأضاف: «لا شك أن معاودة الانفتاح الصيني الذي يساعد بدوره سلاسل التوريد، واستمرار انحسار مشكلات ما بعد الجائحة، وتراجع الطلب متأثراً بظروف مالية أشد وطأة، سيؤدي إلى تراجع معدل التضخم دون 4% بحلول منتصف عام 2023 مع وجود مسار تنازلي واضح بالفعل بحلول الربع الرابع من العام الجاري».

وتستخدم البنوك المركزية «أسعار الفائدة» للتحكم بمعدل التضخم، حيث إن رفع سعر الفائدة يجعل من الحصول على النقد أكثر تكلفة، مما يخفض المعروض النقدي في النظام الاقتصادي، ويؤدي بالتالي إلى خفض معدل التضخم.

ويحدث «التضخم»، وفق دراسة لصندوق النقد العربي، نتيجة زيادة حجم الإصدار النقدي دون حدوث زيادة مقابلة في مستويات المعروض من السلع والخدمات، وهو ما يؤدي إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات وارتفاع معدل التضخم.

الطلب الكلي

ويمكن علاج التضخم من خلال السياسات التي تؤثر على جانب الطلب الكلي، ومن أهمها السياستان النقدية والمالية، عبر استخدام أدوات السياسة النقدية للتحكم في معدلات التضخم من خلال التأثير على مستويات المعروض النقدي، فكلما ازداد عرض النقد أكثر من المعروض من السلع والخدمات ارتفعت معدلات التضخم والعكس صحيح.

وتعتمد الدول استخدام أدوات السياسة النقدية بغرض معالجة التضخم، حيث تقوم برفع سعر الفائدة للتقليل من الائتمان الممنوح، وبالتالي ستنخفض مستويات الطلب الكلي، وتتراجع معدلات التضخم، بافتراض بقاء قيمة العوامل الأخرى على حالها.

Email