دبي أم المشاريع العمرانية المبتكرة في العالم

قال المهندس عماد عزمي رئيس شركة «إيه إس جي سي» للإنشاءات إن دبي قدمت مفهوماً مغايراً للعمارة غير الذي ألفته الحضارة الإنسانية على مر العصور، فهي لم تكتف بتشييد المدن بل سخرت تلك المدن لخدمة الإنسان والإنسانية خلافاً للمقولة الشهيرة لونستون تشرشل القائل: «في البدء، نُشيّد المُدن، ومن ثم، تشيّدنا مُدننا».

وأوضح عزمي في حوار مع البيان الاقتصادي أن تجربة دبي الحضرية أثرت الفكر الهندسي وقدمت للعالم نموذجاً معمارياً متكاملاً ومتفرداً وأثبتت أنها أم المشاريع العمرانية الحضرية المبتكرة على مستوى العالم. وإلى التفاصيل:

تجربة ونموذج

كيف ترى تجربة دبي العمرانية ولا سيما أن «إيه إس جي سي» للإنشاءات تعد من أوائل المساهمين الأقوياء في المشهد المعماري الذي نراه في دبي الحديثة؟

في منتصف القرن الماضي، شهد العالم توافداً بشرياً محموماً من القرى إلى المدن، بحثاً عن فُرص لحياة أفضل. ولم تبخل المدينة على معظمهم بالرفاهية الاقتصادية، فمنحتهم وظائف وأموالاً وأسلوب حياة يستحيل عليهم تحصيلها حيث كانوا يعيشون سابقاً لكن، في المقابل سلبتهم المدينة الكثير. لكن دبي قلبت تلك المعادلة ولم تقلد باقي المدن بأن تتحول إلى مُستودع للمتع، ومسرحاً نخوض فوقه صراعاتنا ودراما حياتنا. مؤسسو دبي أدركوا بفطرتهم وذكائهم الحاد أن من شأن المدينة أن تُقوي أو تُدمر قدرتنا على التأقلم مع التحديات اليومية؛ أن تسرق استقلاليتنا، أو أن تعطينا الحرية لنزدهر.

تجربة دبي العمرانية ذهبت لتصبح نموذجاً عالمياً يطلب العالم نسخها فكيف تتعاملون على صعيد نقل خبراتكم إلى تلك المدن؟

إن الخبرات التي تستفيد منها الأسواق والمدن والدول التي تنفذ فيها الشركات الإماراتية مشاريعها لا تقتصر على صناعة التطوير العقاري بل تبدأ من صناعة المقاولات إذ إن تلك الأسواق عادة ما تفاجأ بالزمن القياسي الذي تنفذ فيه بعض الشركات الإماراتية للمشروعات الضخمة وتفاجأ بالخلطات السحرية التي مكنت المقاول الإماراتي من الحفاظ على جودة العمل والزمن القياسي وسط التحديات التي يمر بها كل مشروع على حدة.

الأرباح نتيجة

تبرز شركة إيه إس جي سي للإنشاءات كواحدة من أبرز شركات الإنشاءات في الدولة والمعروفة بريادتها على صعيد تسليم المشاريع بمواصفات عالمية، ماذا يمكن أن يكون السبب والمحرك. هل هي الأرباح؟

الأرباح مهمة وهي سبب ديمومة الأعمال لكنها بصدق ليست المحرك الأساسي لعملنا وليست الهدف لأننا نتعامل مع الأرباح على أساس كونها نتيجة لإنجازنا العمل بدقة وتفان وبجودة عالية.. نحن عندما نتخذ قرارات تتعلق بتنفيذ المشاريع التي يجري ترسيتها على الشركة لا نفكر بنتائج تلك القرارات وما إذا كانت ستقلل من هامش أرباحنا بقدر ما نفكر بأهمية تلك القرارات لإنجاز المشروع على أكمل وجه وفق ثلاثية الأمانة والالتزام والجودة.. إن جودة العقار وموقعه عنصران أساسيان في تحديد قيمة العقار من جهة وتحدد نوعية المطور العقاري ومكانته في السوق، وبالتالي تحدد نوعية المستثمرين وملاءتهم المالية وحتى مكانتهم الاجتماعية.

لقد نفذت الشركة طيلة الأعوام الـ30 الماضية مشروعات ضخمة ونوعية وكلها ترتبط بأسماء كبيرة في صناعة التطوير العقاري وعددها يقارب 300 مشروع متعددة الاستخدامات ومن بينها مشاريع استراتيجية تلتقي جميعها تحت عنوان واحد هو الجودة في أعمال التشييد والتشطيبات ضمن الإطار الزمني المحدد لبدء تشييد المشروع حتى استخدامه من قبل مالك العقار.

لدينا سجل مشاريع نفخر بكوننا جزءاً من عملية تطويره ونفخر بكوننا شيدناه بمواصفات غير مسبوقة عالمية وعلى سبيل المثال لا الحصر المقر الرئيس للقيادة العامة لشرطة دبي ومتحف الاتحاد ودبي أرينا وجزيرة بلو ووترز وتوسعة دبي مول وتوسعة مطار دبي وغيرها من المشروعات النوعية والاستراتيجية.

ماذا عن التحديات التي تشكو منها شركات المقاولات؟

التحديات موجودة في كل زمن وفي كل مشروع.. لا يوجد مشروع مثالي. ولا يوجد زمن مثالي.. وربما أكبر التحديات التي تواجه المقاول هو الحصول على عقود لتنفيذ المشروعات. ربما هناك شركات مقاولات تعاني من تحصيل مستحقاتها وربما هناك شركات تواجه تحدي تحقيق الجدوى الاقتصادية من وراء تنفيذ المشاريع.. أما شركتنا فتتعامل مع شركاء معروفين بالرصانة والالتزام والحرص على حقوقنا قبل حقوقهم ونحن نقابل ذلك التعامل ببذل كل ما لدينا وتسخير كافة الإمكانات لضمان تسليم المشروع في الوقت المحدد وبالجودة التي أصبحت جزءاً من مميزات الهوية العمرانية لدبي.

ماذا عن العمالة في شركتكم؟

لا أبالغ إذا قلت إننا نحرص على الرأس المال البشري في شركتنا كل الحرص فهم يمثلون العمود الفقري لنجاح الشركة وهم الرصيد الحقيقي والمعول عليهم في إنجاز المهام الصعبة في أكثر المشاريع ضخامة وأكثرها طرحاً للتحديات. لذلك لم نتأخر في تطبيق التعليمات والقوانين النافذة التي تحمي حقوقهم وربما طريقة تطبيقنا لتلك القوانين العمالية مختلفة على صعيد الرعاية الصحية والغذائية والمكافآت والعلاوات والدخل الشهري وآليات زيادته والترقيات الوظيفية وآلياتها. لدينا 7 آلاف عامل وموظف من مختلف الكوادر والفرق العاملة في صناعة المقاولات ومع الشركات الشقيقة يصل العدد الإجمالي إلى 12 ألفاً.

أين وصل سيناريو الاكتتاب العام للشركة؟

صدقاً.. الشركة ليست في حاجة إلى الذهاب لأسواق المال فملاءتنا المالية تؤهلنا للبقاء في سوق المشاريع لكن هناك تطورات في سوق العمل وتطورات في الاقتصاد وهناك استحقاقات داخلية في الشركة جعلتنا نقرر الذهاب إلى الاكتتاب الذي جرى تأجيله ولم يجري إلغاؤه. نحن ننتظر تحسن مزاج السوق ومن ثم الإعلان رسمياً.. والاكتتاب سيعمل على فتح صفحة جديدة في تاريخ الشركة التي يقودها اليوم جيل من الشباب المحترفين والطموحين من أبناء دبي والإمارات.

بروفايل

كان عماد عزمي مولعاً بترتيب الأشياء في بيت أهله، ولطالما استعان به الجميع لإعادة تركيب أجزاء من المنزل بطريقة احترافية. وكان والده يحرضه دوماً على المضي في تحقيق المزيد من الدرجات العالية في دراسته الثانوية، وكان يردد عليه دائماً عبارة «أرى فيك مهندساً بارعاً» فلم يتأخر عماد في نيل شهادته الثانوية بتفوق ليقف أمام مفترق طرق.

درجاته تؤهله ليدخل الطب فيصبح دطبيباً.. كما أنها تؤهله ليدخل الصيدلة، لكنه سرعان ما انتصر لعشقه للهندسة وتحقيق أمنية والده بأن يراه مهندساً «قد الدنيا». انضم عماد إلى جامعة أسيوط في مصر، ولم يكن غريباً أن يحصد فيها شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية بمرتبة الشرف. وبدأ عام 1975 أولى خطواته المهنية في شركة مقاولات عريقة على مستوى الوطن العربي وهي «المقاولون العرب»، وسرعان ما تقلد فيها المهندس عماد مناصب رفيعة. كان النجاح حليفه في عمله، وقد كان ذلك النجاح السبب الذي دفع بأحد أصدقائه إلى تشجيعه على الذهاب إلى الإمارات والعمل فيها لإبراز طاقاته على نحو أكبر.

تخوف المهندس عماد بادئ الأمر من «المغامرة» وتعرض رأسه إلى قصف مستمر لأسئلة بلا أجوبة.. هل سأنجح في الإمارات؟ هل سأحقق أفضل مما حققته هنا؟ هل سأفشل وأخسر نجاحاتي في «المقاولون العرب»؟

لم يكن عماد مغامراً بطبعه لكنه كان ولا يزال يؤمن بأن الخالق العظيم يكافئ عباده المخلصين في عملهم، لذا عقلها وتوكل، وسافر إلى دبي بعد أن أبقى على علاقته مع شركته الأم وأخذ منها إجازة طويلة الأمد فلا يخسرها إذا ما جانبه الحظ في دبي، وبدأ عماد صفحة جديدة في مسيرته المهنية ليعمل «مهندس موقع» في شركة صالح للإنشاءات، براتب 3 آلاف درهم.

كان نجاحه في دبي كفيلاً بأن يلغي إجازته الطويلة ويستقيل من شركته الأم، ويؤسس لمرحلة كبرى في حياته التي بدأها من الصفر بعصامية يتذكرها بفرح وفخر.

تقاسم حلم بناء مشاريع ضخمة مع رجل الأعمال محمد سيف الشعفار، فأسسا سوية شركة الشعفار للمقاولات عام 1989، وكانت دبي حينها تعد العدة لثورة معمارية.

وبعد مرور 30 عاماً تقريباً أصبحت إيه إس جي سي للإنشاءات واحدة من أبرز وأكبر شركات المقاولات على مستوى الدولة، وتنفذ مشروعات تُقدر قيمتها بمليارات الدراهم.

الأكثر مشاركة