شهدت قضية "إن إم سي"، شركة الرعاية الصحية المثقلة بالديون، تطورات متسارعة مؤخراً بهدف الوصول إلى روشتة علاج تنقذها من سرطان الافلاس والبحث عن مخرج لأزمتها التي طالت أكثر من 80 مؤسسة خليجية وعالمية وجاءت متزامنة مع تفشي وباء كورونا المستجد (كوفيد- 19) في العالم أجمع.

ما بين مخالفات مالية وتجاوزات محاسبية أدت إلى ديون بالمليارات أدخلت "إن إم سي" إلى غرفة الانعاش، جاءت أهم التطورات الأخيرة، في قيام محكمة بريطانية بوضعها تحت الإدارة بناء على طلب بنك أبوظبي التجاري، أكبر الدائنين للشركة، والإعلان المفاجئ لمؤسس الشركة رجل الأعمال الهندي بي أر شيتي، الذي يواجه اتهامات جنائية، عن نيته العودة إلى الإمارات حال انتهاء أزمة كورونا.

بداية السقوط

بدأت رحلة سقوط "إن إم سي" عندما نشرت شركة مادي ووترز، الأمريكية المتخصصة في البيع على المكشوف، في 17 ديسمبر 2019 تقريراً من 34 صفحة وقالت إن لديها "شكوكا خطيرة" حيال البيانات المالية والممارسات المحاسبية للشركة، وشككت في قيمة أصولها ورصيدها النقدي وكذلك أرباحها وديونها المعلنة.

وقالت "مادي ووترز" ومقرها كاليفورنيا، إن هناك مبالغة في أسعار شراء الأصول والنفقات الرأسمالية من جانب "إن إم سي"، معتبرة ذلك بأنه علامات على احتيال مالي كبير، ما أطلق شرارة اضطراب استمر لأسابيع، وهبط السهم وقتها بنسبة 30% وبأحجام تداولات مرتفعة.

ورغم أن الشركة نفت أخبار تعثرها في بادئ الأمر إلا أنها لم تستطع الصمود أمام تقرير "ووترز"، ما حدا بمستثمرين رئيسيين إلى التخارج ودفع بسعر السهم للانحدار.

وفقدت أسهم "إن أم سي" 70% من قيمتها السوقية لتصل إلى 2.4 مليار دولار مقارنة بنحو 10 مليارات دولار قبل عامين، ومع النزيف في قيمة الأسهم أوقفت بورصة لندن التداول على السهم منذ أواخر فبراير، وشرعت هيئة السلوك المالي في المملكة المتحدة في التحقيق حول أنشطة الشركة.

ديون ثقيلة

ورغم محاولات "إن إم سي" إخفاء حقيقة قيمة ديونها الثقيلة عن المساهمين إلا أنها اضطرت إلى الإفصاح عنها بنحو 6.6 مليارات دولار (24.2 مليار درهم) حتى 23 مارس 2020 كان أكثر من ثلثيها هو قروض خارج الميزانية، وهو أعلى بكثير من 2.1 مليار دولار من بياناتها المعلنة في نهاية 2019، وتتكون التزامات الديون الثنائية والمجمعة للمجموعة من أكثر من 75 من تسهيلات الديون من أكثر من 80 مؤسسة مالية إقليمية وعالمية.

وأظهر رصد أعده "البيان"، أن هناك 34 بنك وشركة مدرجة في أسواق الإمارات بإجمالي 2.8 مليار دولار (10.3 مليارات درهم) منكشفة على ديون "إن إم سي"، إلى جانب بنوك من الكويت والبحرين وسلطنة عُمان، بالإضافة بنوك عالمية تضم "إتش إس بي سي" وجي بي مورجان تشيس" و"باركليز" و"ستاندرد تشارترد".

وبحسب الرصد، فإن البنوك المحلية في دولة الإمارات أقرضت أكثر من 2.3 مليار دولار (8.4 مليار درهم) للشركة وشقيقتيها "فينابلر" و"الإمارات للصرافة"، وبعضها شارك في شراء السندات والصكوك المصدرة من الشركة لعملائها بقيمة 700 مليون دولار تقريباً. أما المبلغ المتبقي بحدود 2.9 مليار دولار فقد توزعت على بنوك خليجية وإقليمية وأجنبية.

وفي 26 مارس عينت "إن إم سي" الشريك الإداري لشركة "إثمار كابيتال بارتنرز"، فيصل بلهول ، كرئيس تنفيذي الذي استمر في منصبه 13 يوماً، ورغم دعوته المقرضين إلى التحلي بالصبر وتأجيل المطالبة بالديون المستحقة مؤقتاً لإعداد وتفعيل خطة التعافي التي ستعود بقيمة أفضل على جميع الأطراف المعنية، إلا أنه لم ينجح في التوصل لاتفاق مع الدائنين يحمي الشركة من تنفيذ الوصاية القضائية عليها التي يري أنها ستؤدي إلى آثار سلبية على الشركة و لمقرضيها فضلاً عن زعزعة استقرار الأعمال التشغيلية وفرض ضغوطات إضافية على سيولتها وتقليص القيمة لجميع المقرضين، كما إنها قد تؤدي إلى تعريض حياة الكثيرين للخطر في خضم أزمة "كورونا".

حارس قضائي

وجاء قرار المحكمة العليا في المملكة المتحدة، في 9 أبريل بتعيين حارس قضائي على "إن إم سي" استجابةً للطلب الذي تقدّم به بنك أبوظبي التجاري، حيث أكد البنك أن تعيين حارسٍ قضائي، هو الطريقة الأنسب لمستقبل الشركة والشركات التابعة لها واستقرار أعمالها، واستمرار العمليات التشغيلية، وتحقيق مصلحة المرضى والكادر الطبي وكافة الأطراف الأخرى المعنية، كما يهدف إلى استعادة نشاط الأعمال واستقراره بشكل سريع.

وفي 13 أبريل الجاري أعلنت شركة "ألفاريز آند مارسال" الأمريكية، بصفتها الحراس القضائي على "إن إم سي" عن تشكيل مجلس إدارة جديد للشركة التي تتمثل أولوياته في العمل مع المدراء لتطبيق التغييرات في معايير الحوكمة المؤسسية في "إن إم سي"، وضمان تقديم الرعاية الصحية للمرضى والاستقرار للموظفين والموردين وتحقيق الأمن المالي الفوري للكيانات التابعة.

شكاوى جزائية

واستمرارا لتطورات القضية، أعلن بنك أبوظبي التجاري، في 15 أبريل الجاري أنه باشر في إجراءات شكاوى جزائية لدى النيابة العامة في أبوظبي ضد أفراد لهم علاقة بـ "إن إم سي" وهم بافاجوثو راغورام شيتي، براسانث ماغات، سوريش كومار، براشانث شينوي، سعيد محمد بطي محمد القبيسي، وخليفة بطي عمير يوسف أحمد المهيري.

وفي مفاجأة أطلقها من الهند أعلن بي أر شيتي، المؤسس ورئيس مجلس الإدارة السابق لـ "إن إم سي"، أنه سيعود إلى دولة الإمارات بمجرد فتح الرحلات وانتهاء القيود المتعلقة بانتشار فيروس كورونا المستجد.

ومنذ عدة أشهر مضت لا يتواجد شتي داخل الإمارات وقدم استقالته من رئاسة الشركة في فبراير.

وأضاف شيتي لصحيفة "ذا ناشيونال"، أنه سافر إلى الهند في أوائل فبراير الماضي لأسباب شخصية حيث غادر الإمارات إلى مدينة مانجالور في السابع من فبراير ليكون مع شقيقه المصاب بالسرطان والذي توفي في وقت سابق من هذا الشهر عن عمر يناهز 82 عاماً.

تساؤلات

في الوقت الذي ينتظر فيه الجميع صدور تقرير مفصل من "إن إم سي" عن مغالطات ومخالفات مجلس الإدارة والإدارة العليا، تفرض العديد من التساؤلات نفسها حول غياب معايير الحوكمة المؤسسية في الشركة، رغم وجود أكثر من مستوى من الرقابة سواء الجهات الرقابية المسؤولة عن الشركة المرخصة في بورصة لندن، أو المدقق الداخلي أو المدقق الخارجي المعين من قبل الجمعية العمومية.

التأسيس

تعود بداية الشركة إلى عام 1975 وقتما تأسست مجموعة نيو ميديكال سنتر (المركز الطبي الجديد) المعروفة اختصاراً بـ "إن إم سي" كعيادة خاصة في أبوظبي، واستفادت من النمو المتسارع في دولة الإمارات التي منحت مؤسسها بي أر شيتي، الفرصة مثله مثل الكثير من الأشخاص لبناء ثرواتهم بما توفره من بيئة استثمارية جاذبة ومشجعة على نمو ونجاح الأعمال.

وتوسعت المجموعة التي باتت أكبر مزودي الرعاية الصحية بالقطاع الخاص في الإمارات، ونواة لإمبراطورية مترامية الأطراف في قطاعات الرعاية الصحية والأدوية والخدمات المالية وتجارة التجزئة والعقارات والإعلام وتكنولوجيا المعلومات، وتدير "إن إم سي" للرعاية الصحية 200 منشأة طبية وتوظف الآن أكثر من ألفي طبيب وحوالي 20 ألف موظف آخر في 19 دولة.

وفي 2012 قررت "إن إم سي" طرح حصة منها للاكتتاب العام وجمعت تقريبا ما يقارب 250 مليون دولار لتمويل التوسعات المستقبلية في الامارات خاصة، ونجح الاكتتاب العالمي وجمع المبلغ المطلوب وبدأ التداول على السهم في بورصة لندن بتاريخ 5 أبريل 2012 وكان سعر الإدراج 3.2 دولار بقيمة سوقية 625 مليون دولار، ووصل إلى سعر الذروة في أغسطس 2018 عند 64 دولار للسهم لترتفع قيمتها السوقية إلى 10 مليارات دولار.

وأصبحت "إن إم سي" في سبتمبر 2017 أول شركة في منطقة الشرق الأوسط يتم إدراجها ضمن مؤشر "فاينانشال تايمز 100" الذي يجمع أكبر 100 شركة من حيث القيمة السوقية مدرجة في سوق لندن.

وقبل عامين أسس "شيتي" شركة فينابلر القابضة لحلول الدفع، ومن بين علاماتها التجارية الإمارات للصرافة وترافيليكس البريطانية وإكسبريس موني، وتمتد شبكة فينابلر إلى أكثر من 170 دولة، وكبرى أسواقها الهند وباكستان وبنغلادش والفلبين.

ويعد كلا من سعيد بن بطي القبيسي، وخليفة بطي عمير بن يوسف المهيري، وشركة "إنفينيتي إنفستمنت"، و"سنتشورين للاستثمار" من أكبر المساهمين في "أن إم سي" بحصة مجتمعة تصل إلى 40%، فيما تصل حصة "شيتي" إلى 19.44%، وإثمار كابيتال 9%.