خبراء ومصرفيون: مجابهة التحديات المستقبلية باقتصاد أكثر تنوعاً وتماسكاً

الإمارات توحد قواها المالية باندماجات مصرفية عملاقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن ماراثون الاندماجات في القطاع المصرفي بالإمارات سينطلق من جديد بعدما أعلنت 3 بنوك بالعاصمة أبوظبي عن مناقشات مبدئية للاندماج، في خطوة تستهدف خلق كيانات مصرفية ضخمة قادرة على المنافسة إقليمياً وعالمياً.

ويبدو أن الإمارات تتجه بقوة إلى توحيد قواها المالية بمثل هذه الاندماجات المصرفية العملاقة حتى يمكنها مجابهة التحديات المستقبلية باقتصاد أكثر تنوعاً وتماسكاً. وكان «بنك أبوظبي التجاري» قد أعلن في إفصاح لسوق أبوظبي عن محادثات اندماج مبكرة مع «بنك الاتحاد الوطني»، و«مصرف الهلال»، قد تفرز بنكاً بأصول حجمها 415 مليار درهم.

كيانات عالمية

وقال محللون ماليون وخبراء لـ«البيان الاقتصادي» إن الاندماج بين المصارف الإماراتية يؤسس لبناء كيانات عالمية عملاقة قادرة على مواجهة تحديات المنافسة الإقليمية والدولية وتعزيز جهود التنويع الاقتصادي وترسيخ المكانة الاقتصادية للدولة في الأسواق العالمية، وفي حال إتمام الاندماج المحتمل بين بنوك أبوظبي قد يسفر عن تأسيس خامس أكبر بنك خليجي.

وأكد المحللون أن الدمج بين بنوك الإمارات سيرفع مستويات الكفاءة ويخفض النفقات فضلاً عن الانعكاسات الإيجابية على الاقتصاد الوطني، مشيرين إلى أن التقديرات الأولية تشير إلى أن أي عمليات دمج ينتج عنها وفورات في التكاليف تزيد على 20%.

وأشاروا إلى أن الاندماج يدعم رؤية «أبوظبي 2030» ويساعد على تمويل المشاريع العملاقة المرتبطة بها ويعزّز كفاءة وتنافسية الكيان الجديد.

وأشار الخبراء إلى أن الاندماج هو أفضل وسيلة لمجابهة التحديات المستقبلية التي قد تواجه القطاع المصرفي وخصوصاً مع المتغيرات الكثيرة والمستمرة التي يعيشها الاقتصاد العالمي في هذه الآونة، مشيرين إلى أن اندماج المصارف الثلاثة يعطي القطاع قوة ومتانة لمواجهة المتغيرات الاقتصادية وقدرة أكبر على تلبية الضوابط العالمية.

وقال فادي الغطيس، الرئيس التنفيذي لشركة «مايند كرافت» للاستشارات المالية، إن الاندماجات التي جرى الإعلان عن محادثات بشأنها في أبوظبي كانت متوقعة ودار الحديث عنها بشكل دائم خلال السنوات الماضية، مشيراً إلى أنها خطوة جيدة ستسهم في تعزيز القطاع المصرفي الإماراتي الذي يحقق نمواً متواصلاً على صعيد الأصول والأرباح.

وأضاف أن الاندماجات بشكل عام تسهم في خفض التكاليف والمصروفات مع المحافظة على الإيرادات وهو ما سيسهم في تعزيز أداء القطاع بشكل جيد ويعزز متانة القطاع المصرفي، مبيناً أن الكيانات الجديدة ستكون لها مساهمة فعالة في نمو الاقتصاد الوطني من خلال أصول قوية وعمليات ذات طابع متنوع ومتكامل.

زيادة التنافسية

من جانبها، قالت ماهيتاب عشماوي، نائب رئيس إدارة الأصول لدى «الماسة كابيتال»، إن الدافع الرئيسي لدمج المؤسسات المالية يتمثل في تشكيل كيانات قوية في الوقت الذي تسعى فيه إلى زيادة هوامش الربح إلى الحد الأقصى عن طريق خفض التكاليف الخاصة بها مما يجعلها أكثر فعالية وكفاءة في نفس الوقت.

وأضافت أن الإعلان عن اندماجات جديدة بين بنوك أبوظبي يتماشى تماما مع خطى الإمارة نحو الدمج المالي وإنشاء مؤسسات مالية أكثر قوة وتنافسية في المنطقة، مشيرة إلى أن عملية الدمج بين البنوك الثلاثة من المتوقع أن تسهم بشكل كبير في خفض التكاليف وتأسيس كيان مصرفي ضخم.

خفض التكاليف

وقال أيمن القصبي، مدير إدارة التداول بشركة «جلوبال» لتداول الأسهم والسندات، إن الاندماجات بين بنوك أبوظبي ستسهم في زيادة كفاءتها إلى جانب تخفيض التكاليف الإدارية وترشيد الإنفاق، مما سيؤثر بشكل إيجابي على الأداء المالي لتلك البنوك ويسهم في تعزيز وزيادة الأرباح.

وتوقع مزيداً من الاندماجات بين بنوك الإمارات خلال السنوات القادمة بهدف خلق كيانات ضخمة قادرة على المنافسة محلياً وإقليمياً ودولياً، إلى جانب التوسع في الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا لرفع كفاءة الأداء وزيادة القدرة على المنافسة.

تنويع اقتصادي

بدوره، قال عصام قصابية، محلل مالي أول لدى «مينا كورب» للخدمات المالية، إن الاندماج بين المصارف الإماراتية من شأنه أن يؤسس لبناء كيانات عالمية عملاقة قادرة على مواجهة تحديات المنافسة الإقليمية والدولية وتعزيز جهود التنويع الاقتصادي وترسيخ المكانة الاقتصادية للدولة في الأسواق العالمية.

من جانبه، قال إيهاب رشاد، الرئيس التنفيذي لشركة «الصفوة مباشر» للخدمات المالية، إن القطاع المصرفي بأبوظبي خصوصا والإمارات عموما دخل مرحلة مهمة من الاندماجات مع سعي الدولة لتشكيل كيانات مصرفية ضخمة ذات تكاليف تمويلية منخفضة بمقدورها المنافسة والحصول على حصة أكبر من السوق.

وأكد أن الدمج بين بنوك الإمارات سيرفع مستويات الكفاءة ويخفض النفقات، فضلاً عن الانعكاسات الإيجابية على الاقتصاد الوطني، مبيناً أن التقديرات الأولية تشير إلى أن أي عمليات دمج ينتج عنها وفورات في التكاليف تزيد على 20%.

وقال المحلل المالي وضاح الطه، عضو المجلس الاستشاري الوطني بمعهد «تشارترد للأوراق المالية والاستثمار» في الإمارات، إن عملية الاندماج مهمة ومتوقعة، خصوصاً وأن الاندماج يحل أهم نقطة على صعيد الاقتصاد الكلي ألا وهي توليد كيان اقتصادي سيكون خامس أكبر كيان مصرفي بالخليج العربي ويسهم بقوة في تنفيذ رؤية «أبوظبي 2030» كممول رئيسي للمشاريع الاستراتيجية، ليس فقط على مستوى أبوظبي، بل على مستوى الإمارات ودول الخليج.

وتوقّع أن تنعكس عدد من الإيجابيات التقليدية من عملية الاندماج منها: خفض التكاليف التشغيلية وتخفيض المخاطرة والقدرة بشكل أكبر على تلبية المتطلبات الإدارية والمهنية وتقليص عدد الفروع، بالإضافة إلى توحيد وتوسيع قاعدة المستثمرين.

وقال طارق الرفاعي، الرئيس التنفيذي في مركز «كوروم» للدراسات الاستراتيجية في لندن، إن اندماج المزيد من البنوك الخليجية هو أمر طال انتظاره، مشيراً إلى أن اندماج بنك الإمارات وبنك دبي الوطني في 2007 أسس لهذا التوجه في الإمارات التي شهدت كذلك اندماجاً مصرفياً كبيراً آخر بين بنك أبوظبي الوطني وبنك الخليج الأول.

وأضاف: «البنوك الصغيرة قد تعاني من ارتفاع تكاليف الاستجابة لمتطلبات التوافق مع الضوابط الدولية، وقد لا تستطيع برؤوس أموالها الصغيرة نسبياً المنافسة بشكل كبير أو الدخول في عمليات تمويل المشاريع الكبرى، ولذا فإن موضوع الاندماج ملائم أكثر للكيانات الكبيرة».

وقال المحلل المالي فيجاي فاليشا، مدير المخاطر المالية، وكبير محللي السوق في شركة العصر للوساطة المالية، إن اندماج البنوك الثلاثة في أبوظبي سيؤدي إلى مزيد من خفض التكاليف إلى جانب توحيد القدرات تحت مظلة واحدة تكون قادرة على المنافسة داخلياً وخارجياً.

وأضاف أن الاندماجات بين البنوك تصب في مصلحة الاقتصاد الوطني وتعزز نموه على المدى الطويل خصوصا في ظل وجود قرابة 50 بنكاً في الإمارات تخدم 9 ملايين نسمة، وبالتالي فإن عمليات الدمج ستؤدي إلى خفض التكاليف وترشيد النفقات والمنافسة بقوة إقليمياً وعالمياً.

فوائد كبيرة

من جانبه، أكد نجيب الشامسي، المستشار الاقتصادي لغرف تجارة وصناعة أبوظبي أهمية اندماج بنوك أبوظبي التجاري والاتحاد الوطني ومصرف الهلال، مشيراً إلى أن للاندماج فوائد كبيرة للبنوك الثلاثة وإمارة أبوظبي ودولة الإمارات.

ونوه إلى أن هناك مبررات كثيرة لاندماج البنوك الوطنية في الإمارات أولها أن عدد البنوك الوطنية أكثر من الحاجة الفعلية للقطاع المصرفي بالدولة، كما أن هذا الاندماج ضرورة بسبب قوة المنافسة التي يشهدها سوق الإمارات بسبب البنوك الأجنبية ولابد أن تكون البنوك الوطنية على قدم المساواة، كما أن القاعدة الرأسمالية لمعظم البنوك الوطنية ضعيفة، وبالتالي فإن الاندماج سيقوي هذه القاعدة الرأسمالية ويقوي البنوك الوطنية للمنافسة محلياً.

وأكد سامي العوضي الخبير المصرفي أهمية دمج البنوك الثلاثة، مؤكدا أن هذا الدمج سيوفر سيولة كبيرة سواء للبنوك الثلاثة أو السوق في الإمارات، ولفت إلى أن الدمج المقترب سيستفيد من الخدمات التي تميز بها كل بنك، كما حدث مع اندماج بنكي أبوظبي الأول والخليج الأول، حيث كان بنك أبوظبي الوطني يتميز بخدمات الشركات بينما تميز بنك الخليج الأول بخدمات الأفراد.

وأشار إلى أن عملية الدمج ستوفر الكثير من التكلفة للبنوك الثلاثة، حيث سيكون هناك رئيس تنفيذي واحد، كما سيتم تقليص عدد مقرات وفروع البنوك الثلاثة منعاً للازدواجية في العمل كما أن البنوك الثلاثة ستتمكن من تغطية أفضل لكافة إمارات الدولة وستزيد من قاعدة عملائها.

بدوره، أكد محمد علي ياسين الرئيس التنفيذي لشركة أبوظبي الأول للأوراق المالية أن اندماج البنوك الثلاثة خطوة إيجابية للقطاع المصرفي في أبوظبي والإمارات، حيث ستخلق كيانا مصرفيا أكبر حجما وأقوى يخدم احتياجات الاقتصاد الوطني خاصة على صعيد تمويل المشاريع العملاقة الكبرى خلال السنوات المقبلة.

ورأى أحمد يوسف الخبير المصرفي أن عملية دمج البنوك الثلاثة ستجعل لدى أبوظبي اثنين من أكبر خمسة عمالقة مصارف في المنطقة، مما سيضاعف القدرة التمويلية لها.

وأشار أسامة آل رحمة نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة مؤسسات الصيرفة والتحويل المالي بالدولة إلى التأثيرات الإيجابية لاندماج البنوك الثلاثة على أداء المؤسسات المالية في الدولة، مشيراً إلى أن البنوك الثلاثة تتميز بحجم أصول كبير يتجاوز 415 مليار درهم.

اهتمام إعلامي عالمي

أبدت وسائل إعلامية عالمية عدة اهتماماً كبيراً بمحادثات الاندماج، وأكدت نشرة «جلوبال بانكنغ نيوز» أن هذا الاندماج في حال حدوثه، سيؤدي إلى كيان مصرفي عملاق بأصول تزيد على 415 مليار درهم، لافتة إلى أن الإعلان عن الصفقة قد يتم في وقت مبكر من هذا الشهر. من جهته، رجح بنك «جي بي مورغان» أن يكون الاندماج البنكي المحتمل محفزاً على المدى القريب لقيم بنك أبوظبي التجاري، التي ظلت محدودة النطاق خلال العام الماضي.

وقال إنه على الرغم من ذلك، من المرجح أن يتم تحديد المنحى على المدى المتوسط من خلال شروط الدمج، والنظرة الاستراتيجية المشتركة للكيان المدمج, بدروها، قالت بلومبرغ، إن أبوظبي تعمل على صياغة عملية اندماج ثانية في أحدث محاولاتها للحفاظ على قدرتها التنافسية في عصر انخفاض أسعار النفط، حيث تجري ثلاثة من بنوكها محادثات للاندماج، وتأتي بعد عملية دمج بين أكبر اثنين من بنوك أبوظبي العام الماضي، ودمج صندوقي ثروة سيادية في مارس.

ورأى هانسيان مالك، الرئيس العالمي لبحوث واستراتيجية الأسهم في «اكسوتيكس كابتال» بنك الاستثمار المركز على الأسواق الناشئة في دبي: إن ذلك يتسق تماماً مع الخطوات التي اتخذت على مدى السنوات القليلة الماضية نحو تشديد الرقابة المالية، وإلغاء المصاريف المزدوجة.

ووصف ريتشارد سيغال، مدير مانولايف للأصول، الخطوة بالبناءة، ليس فقط من منظور دمج الصناعة في أبوظبي، وإنما في إرسالها إشارة قوية إلى بلدان أخرى في المنطقة تمتلك عدداً كبيراً من البنوك، من أجل المضي قدماً بسرعة أكبر في هذا الاتجاه، مضيفاً أن أحد الدروس المستفادة، هو أنه لا يمكن التنبؤ ببقاء أسعار النفط على ارتفاعها، ومن الضروري التفكير في المستقبل بسبب المخاطر والفرص المتاحة من الخدمات المصرفية الرقمية.

وفي السياق، قالت «فايننشال تايمز»، إنه في حال إتمام الصفقة، فإن الخطوة ستؤذن بخطوة أخرى في مسيرة الاندماج المالي في أبوظبي، حيث تعكف الحكومة على إعادة تنظيم الكيانات المرتبطة بالدولة لتعزيز الكفاءة.

Email