عوضت في يوم واحد 23% من خسائر 10 جلسات سابقة

الأسواق المحلية تنتعش على وقع الارتفاعات العالمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

نجحت أسواق الأسهم المحلية في تحقيق مكاسب مجزية بعد 10 جلسات من تراجع المؤشر، الذي تطابق مع تراجع قيم التداول، حيث ارتدت الأسواق المحلية على وقع ارتداد الأسواق العالمية. وتمكن ارتداد يوم الاثنين من تعويض نسبة 23% من خسائر الجلسات العشر والتي كانت قد أفقدت السوق نسبة 3.03% من قيمته السوقية التي تراجعت بقيمة 10.7 مليارات درهم استعادت منها ما قيمته 2.4 مليار في جلسة الاثنين.

وفي المقابل فإن مؤشر داوجونز خسر في عشر جلسات سبقت ارتداد جلسة 28 نوفمبر نسبة 5.1% ، فيما ارتد بنسبة 2.6% معوضاً نسبة 51% من خسائره. وفي الأسواق الأوروبية، التي تعاني من الأزمة، عوض مؤشر كاك الفرنسي خسائره يوم 28 نوفمبر بنسبة 128% أي أنه محى خسائر عشر جلسات متتالية في جلسة واحدة. كما عوض مؤشر داكس الألماني نسبة 90% من خسائره ومؤشر فوتسي 68%. وكذلك كان حال الأسواق الآسيوية، حيث عوض السوق الياباني 58% من الخسائر التي تكبدها في عشر جلسات سابقة. وباختصار فإن الأسواق العالمية استطاعت أن تعوض معظم خسائرها التي تكبدتها في الأسبوعين اللذين سبقا ارتداد يوم 28 نوفمبر فيما لم تعوض أسواقنا المحلية سوى أقل من ربع الخسائر.

تأثير المضاربين

وكتب المستشار الاقتصادي لشركة الفجر للأوراق المالية الدكتور همام الشمّاع في تقريره الأسبوعي: لعل هذا يدل على أن المحاكاة التي سارت عليها الأسواق في الآونة الأخيرة ليس متصلة بالمخاوف التي تسود في الأسواق العالمية، بقدر كونها دلالة ضعف ناجم عن خلو الأسواق من المستثمرين واقتصارها على وجود المضاربين الساعين لأرباح هامشية. فقد انخفض المتوسط الشهري لقيمة الصفقة الواحدة من التداول إلى 70 ألف درهم هبوطاً من 224 ألف درهم وبنسبة 68% كذلك انخفض المتوسط الشهري لقيمة السهم الواحد المتداول من قرابة السبعة دراهم إلى 135 فلساً بنسبة تراجع تزيد على 70% خلال الفترة التي تلت أكتوبر 2007. وأضاف: التراجع في قيمة الصفقة الواحدة والذي يؤشر إلى تدني قيم التداول نجم عن تراجع نسبة تداولات المواطنين إلى إجمالي التداول، فكبار المستثمرين من المواطنين والذين فقدوا نسبة كبيرة من قيمة أسهمهم وعلقوا في قروض يعجزون عن سدادها، أصبحوا خارج الأسواق، وانخفضت نسبة تداولاتهم من 74% إلى 58% خلال الفترة من أكتوبر 2007 حتى الآن، وذلك مقابل ارتفاع نسبة تداولات الأجانب وغالبيتهم من المقيمين من 26% إلى 42%.

تدني مستويات السيولة

ويرى الدكتور الشماع أن تراجع نسبة تداولات المواطنين وانخفاض قيمة الصفقات التي يبرمونها مؤشر آخر على تدني مستويات السيولة لدى القطاع الخاص الإماراتي. فالمستثمرون من أفراد ومؤسسات لم تعد لديهم السيولة التي توجه للمحافظ المالية. وكل اهتمام المستثمرين في هذا الظرف الاستثنائي هو تثبيت أعمالهم وأنشطتهم الرئيسية والتي تعاني هي الأخرى من شح السيولة. ان تراجع مستويات السيولة وتدفقاتها أمر يمكن تلمسه في كل مرافق الحياة الاقتصادية.

وقال: في هذا الصدد ندعو الأجهزة الإحصائية في الدولة وربما الإعلامية أيضاً للقيام بإجراء استبيانات للرأي حول أوضاع السيولة لمديري الأعمال. فقد يكون ذلك دليلاً قاطعاً لصناع القرار يدفع باتجاه تبني حزمة إجراءات لمواجهة هذا الوضع الاستثنائي. في كل دول العالم تنصب الجهود والسياسات نحو موازنة الطلب مع العرض. الحالة في الإمارات معاكسة تماماً فالمطلوب هو موازنة العرض مع الطلب. والمقصود بذلك أن في جميع أرجاء المعمورة فإن الطلب دائماً أكبر من العرض وهو ما يدفع السياسات الاقتصادية للتركيز على مسألة مواءمة الطلب الكبير مع الشح في المعروض. أما في الإمارات فإن شح الطلب هو السمة الأساسية في الوقت الحاضر وليس شح العرض. والمعروض في جميع القطاعات والأنشطة أكبر من الطلب بدليل تزايد جهود التسويق في كل المؤسسات وأنشطة القطاع الخاص بهدف زيادة المبيعات من مختلف السلع والخدمات.

البدء في العقار

وتابع الدكتور الشماع قائلاً: بدأ فيض العرض على الطلب في قطاع العقار ومنه انتشر إلى بقية القطاعات، فعندما تراجع الطلب على الوحدات العقارية المنتجة لم يسترد المنتجون (المطورون العقاريون) تكاليف الإنتاج ولم يحصلوا على هامش الربح وبالتالي لم يتمكنوا من تسديد التزاماتهم سواء تجاه المصارف أو تجاه المقاولين والموردين، وهؤلاء لم يتمكنوا بدورهم من تسديد التزاماتهم تجاه المصارف وتجاه شركائهم التجاريين. وهكذا عبر سلسلة مترابطة الحلقات تراجعت المداخيل وتراجع الطلب أمام استمرار تدفق العرض سواء من الوحدات العقارية التي اضطرت الشركات المطلقة لها إلى استكمال انجازها أو من السلع والخدمات المنتجة محلياً والمستوردة. إن وجود قطاع النفط ييسر استمرار تدفق السلع والخدمات المستوردة في وقت لم تصل كامل الآثار الركودية إلى قطاعات الإنتاج الصناعي المحلي بعد.

تعمق المديونية والدائنية

يثير تعمق المديونية والدائنية بين القطاع الخاص نفسه في وقت تراجعت فيه القروض المقدمة للقطاع الخاص مسألة شح السيولة على مستوى الاقتصاد وعلى مستوى المصارف. فالقطاع الخاص مع الأفراد الذي يمتلك جٌل الودائع الموجودة لدى المصارف يدفع للمصارف، التي تقوم بدور الوسيط بين فئة المدخرين المودعين وبين فئة المستثمرين المقترضين، فوائد تجعل التدفقات النقدية الخارجة من القطاع الخاص والمترتبة على الاقتراض سالبة تصل إلى 46.6 مليار درهم. فالمقترضون منذ 2008 لم يعودوا قادرين على تسديد القروض التي بذمتهم، ويقومون فقط بدفع الفوائد وفق تسوية تمت مع البنك بعد أن شملت هذه التسوية رفع تغطية ضمان القرض بمزيد من الرهن العقاري أو رهن الأسهم. والقطاع الخاص، الذي يدفع الفوائد السنوية للمصارف بعشرات المليارات، مثقل بالديون بمئات المليارات بعضه للآخر، ويسدد ما يحصل عليه من مصادر دخله الجاري، وبعضها للدائنين من القطاع الخاص نفسه والقسم الأعظم المتبقي للمصارف كفوائد على القروض العالقة. وسحب السيولة من دورة الأعمال، الذي تمارسه المصارف، يتأكد يوماً بعد آخر من خلال البيانات التي تفصح عنها المصارف، فبيانات الربع الثالث تشير إلى أن المصارف تحقق أرباحها على حساب الاقتصاد الوطني.

التخفيف الكمي هو الحل

تعرف سياسة التخفيف الكمي النقودية، على أنها تلك التي تتبعها السلطات النقدية كوسيلة غير تقليدية في السياسات النقدية، بهدف تحفيز الاقتصاد الوطني عندما تعجز السياسات التقليدية أو الوسائل النقدية التقليدية عن أداء هذه المهمة. ويتم ذلك عن طريق قيام البنك المركزي بشراء الأصول المالية من المصارف ومؤسسات وشركات القطاع الخاص بأموال جديدة مخلوقة الكترونياً، وليس كما ساد اعتقاد بأموال مطبوعة ورقياً. أي أن التمويل هنا يتم بصورة حسابية تماماً كما في حالة وحدة حقوق السحب الخاصة التي يصدرها صندوق النقد الدولي والمسماة بـ (إس دي آر). وهذا النوع من التمويل يختلف عن الإصدار النقدي الجديد من العملة للتداول، إذ إن النقود الالكترونية أو الحسابية، والتي ستدخل في حسابات المصارف، لن ترفع من قدرة المصارف على خلق نقود الودائع. إن تطبيق هذه السياسة في الإمارات لا ينطوي على مخاطر تضخمية بقدر ما يواجه عقبة عدم وجود سندات خزينة تحتفظ بها المصارف يمكن أن تشتريها السلطة النقدية منها. فالمخاطر التضخمية غير موجودة لأن الاقتصاد يعاني من تفوق المعروض السلعي والخدمي على الطلب والناجم أساساً عن عدم توازن المعروض من الوحدات العقارية مع الطلب عليها منذ 2008، والذي يمكن أن يتزايد مع دخول الآلاف من الوحدات تحت الإنجاز في السنوات القليلة القادمة. وهناك دلائل قوية على نجاح سياسات التخفيف الكمي في العديد من دول العالم ومنها اليابان والولايات المتحدة، والتي تمكنت بفضل هذه السياسة من معالجة الكثير من جوانب الخلل التي تولدت في أعقاب الأزمة المالية العالمية.

اعتياد الأسلوب

وقال الدكتور الشماع: المشكلة في الإمارات هي أن السلطة النقدية لم تعتد هذا الأسلوب، ولا تمتلك الخبرة الكافية فيه، خصوصاً وأنها لم تمارس منذ تأسيس المصرف المركزي السياسة التقليدية في شراء وبيع سندات الخزينة بسبب عدم حاجة الحكومة للاقتراض من المركزي، لا بصورة أذونات قصير الأجل ولا بشكل سندات تزيد مدتها على ستة أشهر. فالتخفيف الكمي يختلف عن السياسة التقليدية في تغطية التفاوت الزمني بين إيرادات ونفقات الحكومة بأنه يحدد مسبقاً المبالغ التي سيتم حقن الاقتصاد بها بغض النظر عن التفاوت الزمني بين الإيرادات والنفقات الحكومية. في هذه الحالة فإن النقص المؤقت في إيرادات الخزينة العامة للدولة هو الذي يجعل المصرف المركزي يقوم بشراء الأذونات والسندات من الخزينة بناء على طلب وحاجة المالية العامة. أما في حالة التخفيف الكمي فإن المصرف المركزي يقوم بشراء السندات الحكومية من المصارف التي تحتفظ في العادة بكمية كبيرة من هذه السندات كاستثمارات ذات سيولة عالية. وقرار ضخ المبلغ المحدد من الأموال عبر شراء السندات من المصارف والقطاع الخاص يتخذه في العادة المصرف المركزي في دول العالم المتقدم بالتشاور مع الحكومة. وأضاف: تفتقر الإمارات، والتي يمكن اعتبارها بجدارة في مصاف الدول المتقدمة، حالياً لوجود سندات الخزينة لعدم وجود دين عام داخلي نجم بدوره عن الوفرة المالية التي عايشتها الدولة منذ تأسيسها قبل أربعين عاماً. لذا فلا توجد لدى المصارف أصول عالية الجودة يمكن للمصرف المركزي أن يقوم بشرائها. وقد يكون ذلك هو السبب الذي دفع الدولة لإصدار قانون الدين العام، والذي سيتبعه تشكيل مكتب للدين العام. إلا أن هذه العملية قد تستغرق وقتاً طويلاً، خصوصاً وأن المصارف تحتاج لعدة سنوات قبل أن يتكون لديها رصيد مهم من سندات الخزينة، الذي يمكن المركزي من شراء جزء منه بموجب سياسة التخفيف الكمي. من هنا فإن تذليل هذه العقبة يحتاج لأسلوب مبتكر يمكن أن يتمثل في شراء سندات دين تصدر عن حكومات كل إمارة، حيث يشتريها المصرف المركزي، ويتم إطفاء قيمة هذه السندات خلال فترة مناسبة، على أن تقوم كل حكومة بشراء ديون المصارف التابعة لها وبما يجعل هذه المصارف تعاود الإقراض، وخصوصاً لأغراض تمويل شراء الوحدات العقارية.

Email