تعويم الجنيه العلاج المر لإنعاش الاقتصاد السوداني

ت + ت - الحجم الطبيعي

تضاءلت الحلول أمام الحكومة السودانية، لانتشال الاقتصاد من حافة الانهيار، ووقفت المعالجات الإسعافية عاجزة تماماً عن تخفيف حدة الضغوط الاقتصادية من كاهل رجل الشارع البسيط، في ظل أزمة سياسية تمسك بتلابيب البلاد، وتمنعها النهوض، وفي سبيل رحلة البحث عن مخرج لجأت الحكومة أخيراً لسياسة التحرير الكامل لسعر الصرف (التعويم)، ورفعت يد البنك المركزي عن تحديده، تاركة ذلك للمصارف وشركات الصرافة. 

ورغم أن القرار يأتي خياراً ليس منه بد إلا أن مراقبين يصفونه بـ«القرار الكارثي» في ظل فراغ خزينة الدولة من النقد الأجنبي وتدني حجم صادرات البلاد الجالبة للعملات الصعبة، ويشير المراقبون إلى أن تحرير سعر الصرف بشكل كامل سينعكس ضرراً على البلاد، وخاصة مع غياب الجهاز التنفيذي وانعدام الرؤية الاقتصادية الواضحة. 

وأعلن بنك السودان المركزي عن ملامح سياساته النقدية الجديدة التي من ضمنها توحيد سعر صرف الجنيه السوداني لتقوم المصارف وشركات الصرافة بتحديد وإعلان أسعار بيع وشراء العملات الحرة من دون تدخل من البنك المركزي في عملية تحديد الأسعار، وكشف محافظ البنك المركزي حسين جنقول عن حزمة من الإصلاحات التي يكون لها الأثر الإيجابي في الجهاز المصرفي وفي الاقتصاد الكلي على المدى المتوسط والطويل، وأكد قدرة المصارف التجارية وشركات الصرافة على القيام بدورها في إنجاح هذه السياسات الإصلاحية بما يحقق المصلحة العامة. 

ويؤكد المحلل الاقتصادي أحمد خليل لـ«البيان» أن قرار تعويم سعر الصرف يأتي وفق مقتضيات اقتصادية وسياسية يمر بها السودان، وكما أنه مؤشر إلى أن الاحتياطي النقدي لدى الحكومة السودانية أصبح ضئيلاً، وخزينة بنك السودان تواجه مشكلة في الحصول على إيراد النقد الأجنبي، والتي تعتمد بشكل أساسي على صادرات الذهب والمنتجات الزراعية النقدية.

ويضيف خليل إن سعر صرف الجنيه شهد استقراراً مقابل العملات الأجنبية في فترة ما قبل قرارات أكتوبر وذلك نتيجة للسياسة الاقتصادية التي اتبعتها حكومة الفترة الانتقالية بما فيها توحيد سعر الصرف، إذ كان هناك جانب سياسي للقرار في تلك الفترة يؤيد الخطوة، ما خلق سنداً جماهيرياً للقرار، وقاد ذلك إلى تحويل مدخرات السودانيين العاملين بالخارج عبر المؤسسات الرسمية، الأمر الذي مكن الحكومة من بناء احتياطي نقدي جيد، ومنحها فرصة استيراد الاحتياجات الضرورية، مثل الأدوية والوقود والقمح، ونتيجة لتطورات الأوضاع في الأشهر الأخيرة أصبح هناك سعران للعملة ما بين السعر الحكومي الرسمي والسوق الموازي، وخاصة بعد أن تآكل الاحتياطي النقدي ما اضطر الحكومة لدخول السوق الأسود لشراء العملة لاستيراد السلع الأساسية، الأمر الذي خلق فجوة كبيرة بين السعرين. 

ويشير أحمد خليل إلى أن «قرار تعويم العملة قرار خطير سيؤدي إلى مزيد من الانهيار للجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، هذا بجانب رفع معدل التضخم ما يجعل الجنيه لا قيمة شرائية له».

من جهته، يلفت المحلل الاقتصادي الفاضل إبراهيم لـ«البيان» إلى أن برنامج التحرير الاقتصادي أقرته الحكومة الانتقالية الأولى برئاسة د. عبدالله حمدوك، ولكن كان ذلك عبر مصفوفة زمنية محددة مقابل دعم خارجي لامتصاص آثاره، بجانبه يمضي برنامج للدعم الاجتماعي، ويشير إلى أن الدعم الخارجي توقف، ما أفقد البرنامج جدواه وأحدث اختلالاً في المعادلة، وأضاف: «القرار سبقه قرار في المنحى ذاته في العام الماضي بتحرير الجنيه عبر السعر المرن المدار، إذ يتحكم بنك السودان المركزي في تحديد أسعار العملات للمصارف، أما القرار الحالي فهو حرر الجنيه تماماً، وترك تحديد سعر الصرف للمصارف». 

ويؤكد إبراهيم أن المتضرر الأول من القرار المواطن السوداني البسيط، باحتساب أن أسعار السلع ستسجل قفزات كبيرة، واصفاً القرار بـ«الكارثي».

Email