الثراء الوهمي.. هل ينهار الاقتصاد تحت وطأة «الأرباح الورقية»؟


تجاوزت الثروة العالمية الـ 600 تريليون دولار، محطمة كل الأرقام القياسية لتتجاوز الناتج المحلي الإجمالي العالمي بأكثر من خمسة أضعاف. هذه الأرقام البراقة، التي كشفت عنها تقديرات شركة ماكينزي، تبدو عنواناً لعصر ذهبي جديد، لكن خلف هذا المشهد الفخم يكمن لغز اقتصادي معقد، ومفترق طرق حاسم سيحدد مصير اقتصاد العالم لعقود مقبلة.
العالم يقف اليوم على حافة معادلة غريبة الثروة تنمو لكن الاقتصاد الحقيقي لا يتحسن.

جبل الأوهام المالية
منذ مطلع الألفية، تضاعفت قيمة الأصول العالمية أربع مرات تقريباً، لكن الخبراء يحذرون من أن كل هذه الزيادة ليست «حقيقية». فجزء كبير من هذا الثراء الجديد هو مجرد أرقام على الورق، أو تضخم يلتهم القيمة بهدوء، لأن أكثر من ثلث الارتفاع في الثروة العالمية جاء من مكاسب «دفترية» في أسواق الأسهم والعقارات، بعيداً عن أي استثمار إنتاجي ملموس. و40% من الزيادة ناتجة عن التضخم التراكمي الذي رفع قيمة الأصول بالاسم، دون أن يخلق قيمة اقتصادية جديدة أو ينتج سلعة واحدة إضافية؛ أصبح الاقتصاد الحقيقي عاجزاً عن مجاراة الثراء المالي الوهمي، حيث ينتج كل دولار يستثمر في الإنتاج ما يقارب 3.5 دولارات من الثروة الورقية، ويزيد في المقابل من جبل الديون العالمية. هذا الفارق المتزايد يهدد بجعل النظام المالي أكثر هشاشة من أي وقت مضى.

فجوة الثروة
حصة الطبقات الوسطى تتقلص بفعل التضخم الذي يلتهم دخلها الحقيقي ويرفع تكاليف معيشتها.هذا التركز لا يمثل مشكلة عدالة اجتماعية فحسب، بل هو قنبلة موقوتة اقتصادياً. فهو يدفع برؤوس الأموال نحو المضاربة في الأسهم والعقارات، بدلاً من الاستثمار في البنية التحتية والتكنولوجيا، ما يجعل الاقتصاد العالمي عرضة لمخاطر «فقاعات مالية متكررة» تطيح باستقرار النظام عند أول هزة.

الأمل الأخير للإنقاذ
يشير تقرير «ماكينزي» بوضوح إلى أن المخرج الوحيد من هذه الحلقة المفرغة هو تحقيق قفزة إنتاجية كبرى تعيد التوازن بين الثروة والنمو الحقيقي. وهنا يدخل الذكاء الاصطناعي (AI) كـ «كلمة السر» الوحيدة القادرة على إنقاذ الموقف.
يعتقد الخبراء أن الـ AI، بقدرته على رفع كفاءة العمل والإنتاج بأكثر من 1% سنوياً، يمكن أن يكون العنصر الحاسم. تشير التوقعات إلى أنه إذا نجحت هذه الطفرة الإنتاجية، فقد يزيد متوسط الثروة للفرد الأمريكي بـ 65 ألف دولار بحلول عام 2033.
لكن المعادلة تحمل وجهاً مظلماً لا يمكن إغفاله: إذا فشلت التكنولوجيا في تحقيق هذا التوازن واستمر التضخم دون ضبط، فقد يفقد الفرد ما يصل إلى 95 ألف دولار من ثروته الصافية خلال الفترة نفسها بسبب تآكل القوة الشرائية!

ازدواجية السوق
المستثمرون اليوم يعيشون حالة من الحيرة، تتجسد في ازدواجية تحركات الأسواق العالمية مع طمع التكنولوجيا، حيث تجد أسهم التكنولوجيا تقفز لمستويات قياسية، مدفوعة بوعود الذكاء الاصطناعي بنمو غير محدود. في الوقت ذاته، يقفز سعر الذهب بأكثر من 50% في عام 2025، ليعكس خوفاً عميقاً من انهيار وشيك وتآكل في قيمة العملات.