إن تزامن ارتفاع الذهب والدولار الأمريكي هو في الواقع مشهد نادر وشاذ عن القاعدة الاقتصادية المستقرة، ويعكس بوضوح حالة من القلق والاضطراب العميق في الأسواق العالمية. يفسر هذا التزامن بالصراع على «الملاذات الآمنة» في ظل التهديدات الجيوسياسية والاقتصادية غير المسبوقة.
ارتفاعات قياسية
شهد يوم أمس (الاثنين) أيضاً ارتفاعات قوية للذهب، حيث قفزت الأسعار في ختام الجلسة الأمريكية لتقترب من مستوى 4000 دولار، ما يؤكد المسار الصاعد القوي في ظل تراجع الدولار (في بعض الأحيان) واستمرار حالة عدم اليقين.
وهو الارتفاع نفسه في قراءات اليوم الثلاثاء وارتفع في المعاملات الفورية 0.4 بالمئة إلى 3974.09 دولاراً للأوقية (الأونصة) بحلول الساعة 0446 بتوقيت جرينتش ليتداول بالقرب من أعلى مستوى له على الإطلاق عند 3977.19 دولاراً الذي سجله في وقت سابق من الجلسة.
وصعدت العقود الأمريكية الآجلة للذهب تسليم ديسمبر 0.5 بالمئة إلى 3996.40 دولاراً. فيما واصل سعر الدولار ثباته في مواجهة العملات الرئيسة في العالم بحسب رويترز.
علاقة عكسية
لطالما حكمت العلاقة بين سعر الذهب وقيمة الدولار الأمريكي قاعدة عكسية؛ فالذهب، الذي يتم تسعيره عالمياً بالدولار، يرتفع سعره عادة عندما تضعف قيمة العملة الأمريكية، والعكس صحيح. عندما يقوى الدولار، يصبح شراء الذهب أكثر تكلفة للمستثمرين خارج الولايات المتحدة، ما يقلل الطلب عليه ويدفع سعره للانخفاض.
لكن الأسواق العالمية في الآونة الأخيرة شهدت خرقاً لهذه القاعدة، حيث صعد كلا الأصلين نحو قمم قياسية في آن واحد، في دلالة على أن قوتين ضخمتين تفوقتا على العوامل الاقتصادية التقليدية.
لماذا يرتفعان معاً؟
يفسر هذا التزامن الاستثنائي بعاملين أساسيين يدفعان المستثمرين إلى التكديس في هذين الأصلين على حد سواء، كأنهما يمثلان جناحي النجاة في عاصفة مالية: هيمنة «الملاذ الآمن المزدوج» (The Dual Safe Haven Demand) لأنه في أوقات التوتر الجيوسياسي الحاد أو الأزمات المالية التي تهدد استقرار الأنظمة، يتدافع المستثمرون نحو الأصول التي ينظر إليها على أنها الأكثر أماناً في العالم والذهب يمثل مخزناً للقيمة لا يرتبط بأداء أي حكومة أو بنك مركزي، وهو التحوط التاريخي ضد الفوضى الاقتصادية وتدهور العملات.
عملة الاحتياط العالمية
فيما نجد الدولار الأمريكي لا يزال يمثل عملة الاحتياط العالمية الأبرز وعملة التبادل التجاري الرئيسية. عند حدوث أزمة، تندفع السيولة العالمية نحو الدولار بغض النظر عن قوة الاقتصاد الأمريكي، ببساطة لأنه لا يوجد بديل سائل ومهيمن مثله لحفظ الأموال مؤقتاً.
هذا يعني أن حالة فقدان الثقة الجماعية في جميع الأصول الأخرى (الأسهم، العملات الناشئة، السندات) تؤدي إلى طلب متزامن على أصول مختلفة في طبيعتها (سلعة نقدية هي الذهب، وعملة احتياط هي الدولار).
التضخم ورهانات الفائدة
يلعب التضخم دوراً حاسماً في تعزيز الذهب، فهو يعد تحوطاً قوياً ضده. ومع ذلك، عندما يتوقع المستثمرون أن يظل التضخم مرتفعاً بشكل عنيد، بينما قد يضطر البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (Fed) إلى تخفيف سياسته النقدية أو الإبقاء على أسعار الفائدة الحقيقية (المعدلة حسب التضخم) عند مستويات منخفضة أو سلبية.
