اهتم القرآن الكريم بالقصة الخبرية باعتبارها واحدة من وسائله التعبيرية الفعالة لإيقاظ القلوب الجاحدة، وشفاء النفوس العليلة، باشتمالها على فصول في الأخلاق تهذب العقول الجامحة، وتصل بها إلى شط الأمان، ومما يدل على ذلك أن القصة الخبرية ربع آيات القرآن الكريم. وقد ورد في سبب نزول سورة يوسف أن الصحابة رضوان الله عليهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لو قصصت علينا، فنزل قوله تعالى: «نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين» يوسف 3.

ويرى الدكتور محمد وهدان أستاذ مساعد الإعلام الإسلامي بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بجامعة الأزهر أن أجمل ما تميل إليه النفس الإنسانية هو القصة، فتقبل عليها وتصغي إليها وتستمتع بسماعها وتستفيد من دروسها وعبرها وعظاتها.

ولذا فإننا وجدنا اهتمام وسائل الإعلام المختلفة وخاصة الصحافة المقروءة بالقصة الخبرية وجعلتها واحدة من وسائلها المتنوعة لجذب القراء، ولتحقيق أهدافها الاتصالية المتعددة، ومن يطلع على الصحف يجد فيها الكثير من الموضوعات والقضايا المصاغة على شكل قصة إخبارية، فتركز على الجوانب الإنسانية ولها مقدمة وصراع وعقدة وحل.

إبلاغ الدعوة

ويؤكد الدكتور محمد وهدان في كتابه «الإعجاز الإعلامي في القصص القرآني.. دراسة تطبيقية على سورة النمل» أن القرآن الكريم سبق الصحف ووسائل الإعلام الأخرى في اهتمامه بالقصة الخبرية، وجمع العديد من القصص الإخباري الذي جعله الله عز وجل عبرة لأولي الألباب، فقال سبحانه وتعالى: «لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون». يوسف 111.

ويضيف الدكتور وهدان أن القصة الخبرية جزء مهم في كتاب الله عز وجل نزل بها الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول الله عز وجل في سورة القصص قبل عرضه لقصة موسى عليه السلام: «نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون». القصص 3. وفي سورة آل عمران في مبدأ عرضه لقصة مريم يقول الله تعالى: «ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم»، آل عمران 44، وقال تعالى في سورة «ص» قبل عرضه لقصة آدم عليه السلام: «قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون»، ص 67، 68.

وقال إن القصة الخبرية القرآنية تعد من الوسائل التعبيرية الفعالة لإبلاغ الدعوة، وإلى جانب ما فيها من إيناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلته المثقلة بالأعباء، ولذلك من الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بأن قص عليه أحسن القصص.

ومشيراً إلى أن إظهار جوانب الإعجاز الإعلامي في القرآن الكريم بات أمراً مهماً وضرورياً، وواجباً على علماء الإعلام، على أساس أن القرآن الكريم لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وصدق الله العظيم إذ يقول: «ما فرطنا في الكتاب من شيء» الأنعام 38، ومؤكداً أن إظهار جوانب الإعجاز الإعلامي في كتاب الله عز وجل ليس تكلفاً ولا تزيداً، وإنما ذلك من طبيعة هذا القرآن الكريم، فالقرآن ليس إلا دعوة إلى الله سبحانه وتعالى، والدعوة ليست إلا إعلاماً.

العملية الاتصالية

ويرى الدكتور محمد وهدان أن هذه الدراسة التي قام بها تسعى إلى التعرف على بعض وجوه الإعجاز الإعلامي في القصة الخبرية القرآنية كما جاءت في قصص سورة النمل، واستنباط القواعد القرآنية لكتابة القصة، وتعلمها للإعلاميين الشبان ليتتلمذوا على أحسن القصص كمثل أعلى لهم، وقال إننا نهدف من هذه الدراسة إلى التعرف على الجوانب الإعلامية في القصة الخبرية القرآنية، واستنباط القواعد الأصيلة للقصة القرآنية ليتعلمها الإعلاميون، والتعرف على أهداف القصة الخبرية القرآنية وبيان غايتها ومرادها، والتعرف على أنواعها ومكونات العملية الاتصالية في القصة الخبرية، وكذلك التعرف على بعض الدروس الإعلامية التي يستفيد منها الإعلاميون أثناء التعامل مع القصة الإعلامية.

وتناول الدكتور محمد وهدان أنواع القصة الخبرية في القرآن الكريم من حيث التمام والتجزئة، والقصة الخبرية في القرآن الكريم باعتبار المكان، والقصة الخبرية القرآنية باعتبار البداية والنهاية، ثم القصة الخبرية التي تعرض قصص الأنبياء في مرحلة الرسالة، وأخيراً القصة الخبرية القرآنية من حيث الإيجاز والإطناب.

وقسم القصة القرآنية من حيث التمام والتجزئة إلى القصة الخبرية التامة، والقصة الخبرية المجزأة، ومن أمثلة القصة التامة قصة سيدنا يوسف الصديق عليه السلام، وقصة العبد الصالح مع نبي الله موسى، وقصة ذي القرنين وقصة أصحاب الكهف، وأما القصة الخبرية المجزأة فيقول إنها أكثر القصص انتشاراً في القرآن الكريم وهي التي تروي لنا قصة واحدة توزع في مواطن عديدة من القرآن الكريم.

ومن أمثلة هذا النوع من القصص قصص موسى عليه السلام التي وردت في ثلاثين موضعاً في كتاب الله عز وجل، وكذلك قصة إبراهيم عليه السلام والتي ذكرت في عشرين موضعاً، والمسيح عيسى بن مريم عليه السلام في حوالي عشرة مواضع، ولوط عليه السلام في عشرة مواضع أيضاً.

وعن اعتبار المكان في القصة الخبرية القرآنية قال إنه يمكن تقسيم القصة الخبرية القرآنية إلى قسمين أولها: القصة الخبرية المكية وهي التي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة وتتميز بأنها تعالج ؟ في الأغلب- أمور العقيدة ولذا نجد أن كل هذا النوع من القصص كان منصباً على الأمم التي كذبت أنبياءها ورسلها في شأن التوحيد وعبادة الله وحده وترك عبادة الشركاء والأولياء من دونه.

وثانيها: القصة الخبرية المدنية التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة طوال عشر سنوات عاشها النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وتتميز القصة المدنية بأنها أقصر من القصة المكية، وتناسب أهداف التشريع مع استمرار الدعوة إلى التوحيد وسائر أمور العقيدة، وهي أقرب إلى الخبر منه إلى القصة إلا قليلاَ، ومن أمثلتها قصة ابني آدم والغراب، ويقول إنها ليست قصة خبرية تامة الحوادث ولكنها مجرد خبر يحمل روح القصة.

التصوير الفني

وتطرق الدكتور وهدان إلى أهداف وعناصر القصة القرآنية وخصائصها الفنية، فقال إن القصص القرآني يتكون من عدة عناصر وهي: الأحداث والأشخاص والحوار، وأما خصائصها الفنية فتشمل: التنوع والتصوير الفني، واستخدام بعض الكلمات غير العربية، وانتقاء الأحداث والتناسب، ومفتاح الشخصية لأبطال القصة، والحذف الانتقالي.

ثم يعرض للإعجاز الإعلامي في قصص سورة النمل وتضم قصة موسى مع فرعون، وقصة النملة مع سليمان، وقصة الهدهد والسبق الإعلامي الذي حصل عليه وأحاط به وهو وجود أقوام في مملكة سبأ تملكهم امرأة «بلقيس» ويسجدون للشمس، ثم قصة سليمان الحكيم مع ملكة سبأ وإحضار عرشها وإسلامها لله عز وجل.

وفي نهاية الدراسة استخلص الباحث العديد من النتائج منها أن القرآن الكريم اهتم كثيراً بالقصة الخبرية وجعلها واحدة من وسائله التعبيرية الإعلامية، وأن القصة الخبرية القرآنية لها غاية سامية ومقصد شريف وهو تهذيب النفوس والارتقاء بالإنسانية والوصول بها إلى منهج الله.

وأن القصة الخبرية القرآنية تخرج عن الحدود التي رسمها علماء الإعلام للقصة الخبرية البشرية، وتتمرد عليها ولا تندرج تحت لوائها، فلا توجد في القصة القرآنية أداة ثانوية كما في القصة الإعلامية، وذلك لأن كتاب الله عز وجل ليس فيه شيء أساسي وآخر ثانوي، وإنما كل حرف فيه محسوب بدقة وله دلالة وقيمة.

ودعا الدكتور وهدان الإعلاميين ومن خلال التعلم من هدهد سليمان الذهاب إلى موقع الحدث لتكون قصصهم حية وواقعية، وألا يكتفوا بالجلوس في مكاتبهم، «فهدهد سليمان ذهب بنفسه إلى سبأ وأعطانا درساً في ضرورة التثبت من الأخبار».

دبي ـ السيد الطنطاوي