«الشبح» فيلم تشويق وإثارة ببهارات أميركية

«الشبح» فيلم تشويق وإثارة ببهارات أميركية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتبر فيلم «الشبح» الذي يعرض حالياً في دور السينما المحلية بالإمارات، من أفضل الإنتاجات المصرية لعام 2007، وهو يحمل معاني فلسفية هامة عن حقيقة الخير والشر داخل الإنسان، والحبكة القصصية للفيلم مع قوة الإخراج لعبت دوراً كبيراً في توصيل الرسالة، فلا يشعرك الفيلم بالملل، خصوصاً مع كلمات أغنيته الرائعة التي كتبها أيمن بهجت قمر : «سألت نفسي كتير، مرسيتش يوم علي بر، أنا اللي فيا الخير، ولا اللي فيا الشر، مليان عيوب ولا خالي من الذنوب ولا، ولا اية».

فيلم «الشبح» مع غموض أحداثه، جاء مترابطاً ومتماسكاً خلافاً لما نراه في بعض أفلام موسم الإجازات التي تعتمد على الكوميديا والحكايات السطحية، فتصبح مع السرعة أفلاماً مهلهلة وغير مترابطة. استغرق تصوير «الشبح» تسعة أسابيع، ولم يبخل كاتبه ومؤلفه وائل عبد الله وهو منتج الفيلم لا بالوقت ولا بالإعداد ولا بالمال طبعا، ليخرج العمل عن النمطي في أفلام «الأكشن» ويكون فيلم إثارة بتكنيك سينمائي جديد.

ثيمة مكررة

«الشبح» الذي أخرجه عمرو عرفة وقام ببطولته احمد عز وزينة ومحمود عبد المغني وصلاح عبد الله وباسم السمرة ينتهج ثيمة سينمائية شاهدناها من قبل مرات عدة، وهي تيمة الرجل الفاقد الذاكرة الذي يجد نفسه محاطاً بأمور لا يعلم عنها شيئاً، في الوقت الذي يسعى فيه إلى معرفة هويته. في «الشبح» كان هذا الرجل (أحمد عز) الذي وجد نفسه في فندق بالإسماعيلية بجانب جثة رجل لا يعرفه، ليبدأ بعدها رحلته الصعبة في البحث عن نفسه، ويكتشف أثناء ذلك انه هارب من حكم في قضية قتل.

بداية الفيلم وحتى 45 دقيقة بعد نزول التترات كانت مبشرة للغاية، بالنسبة لنوعية أفلام التشويق والإثارة التي غزت سوق السينما المصرية، نقصد بالطبع أفلام التشويق التي يستلهمها كتاب السيناريو - ومن بعدهم المخرجون - حرفياً من السينما الأميركية، بالرغم من أننا لم نشاهد سابقاً عصابات تتقاتل بالمسدسات ولا تطارد بالسيارات في شوارع مصر بهذه الاعتيادية الغريبة، لكنه الخيال!!

أفلام التشويق

«وائل عبد الله» كاتب السيناريو سبق له القيام بتجربة هذا النوع من الأفلام مع المخرجة ساندرا نشأت وبالتحديد فيلم «الرهينة» في العام الماضي، كما أنه صاحب قصة فيلم «تمن دستة أشرار» التي كتب السيناريو له خالد جلال وأخرجه رامي عادل إمام، ويعرض أيضا الآن في صالات السينما المحلية .. إذن نحن نعرف إلى حد ما نوعية الأفلام التي تأثر بها وأحبها وائل عبد الله، وقرر إدخالها بتوسع إلى سوق السينما التجارية في مصر، نعني بذلك أفلام التشويق والإثارة، الأفلام الملغزة، المعتمدة على حبكة الأحداث وإخفاء الأسرار.

فاقد للذاكرة

في فيلم «الشبح» نجد أنفسنا أمام بطل يستيقظ من نومه في أول مشهد ليجد جثة شخص مقتول على السرير المجاور له في مكان ما لا هو ولا نحن نعرفه، السيناريو يخبرك من دون ملل وبدون تأخير أن (أحمد عز) فاقد الذاكرة لا يعرف حتى اسمه، وعلينا تتبع الطريق الذي سيسلكه للكشف عن هويته، وسر الجثة الغامضة التي وجدها إلى جواره، تتابع الأحداث وطريقة الكشف عن مفاتيح اللغز، حيث سارت بشكل منطقي ومميز، توقيت ظهور الشخصيات التي يتعثر بها أحمد عز في الفيلم كان توقيتاً منطقياً ساعد على حيوية السيناريو، حتى تورط المشاهدون تماماً في الموضوع باتضاح خيوط اللعبة إلى الحد المناسب الذي يظل معه كاتب السيناريو يخفي شيئاً ما يجعلك تتسمر على مقعدك بلا تأفف.

المشهد المشهور

يوجد قرب نهاية الفيلم هذا المشهد المشهور الذي يتبرع فيه أحد الأبطال، فيشرح اللغز أو السر إلى أحد الأبطال الآخرين ليعرف المشاهدون الجالسون في القاعة المظلمة سبب جلوسهم، هذا المشهد مصنوع بوعي في فيلم «الشبح»، ففضلاً عن كون صلاح عبد الله ممثلاً متمكناً يجيد هذه المواقف فإن وجود هذا المشهد في السيناريو مبرر جداً، بحكم أن صلاح عبد الله (عبد الصمد) يشرح اللغز إلى أحمد عز الجائع مثلنا تماماً لمعرفة الحقيقة.

إخراج مميز

نجح عمرو عرفه كمخرج في تنفيذ ورق السيناريو الذي يتعامل معه، وأجاد تحويله إلى صورة حية وهو الأساس الذي يمهد للحكم على حسن استخدامه لأدواته الإخراجية الأخرى، وأضفى ذلك أجواء الإثارة والغموض على الشاشة بشكل مميز عبر الاستخدام الجيد جداً لتقنية «الفلاش باك» وحركة الكاميرا المتوترة، وحسن توظيف موسيقى خالد حماد، ولكن سرعان ما ارتبك عمرو مع تيه السيناريو، وتفرغ بعدها لاستعراض عضلاته الإخراجية من دون وجود أي عمق درامي لما نشاهده على الشاشة.

ولعل ابرز تلك المشاهد التي تتضح فيها تلك السياسة الإخراجية الفاشلة مشهد اعتبره كثيرون من أفضل مشاهد الفيلم، وهو مشهد مواجهة أحمد عز لباسم السمرة عند رجوعه إلى الإسكندرية.. ففي هذا المشهد نرى أداء حركياً مميزاً من جانب الممثلين يصاحبه مونتاج مكثف يربط بين ماضي هذا الرجل وحاضره على خلفية غنائية موفقة بصوت احمد سعد.. مشهد بعيد عن بعض الهفوات الإخراجية التي وقع فيها عرفة كسهولة التئام جرح البطن الخطير الذي تعرض له البطل.

جوانب ضعف

ومن جوانب الضعف في السيناريو والإخراج أيضا الخلل الذي صاحب بناء شخصية احمد عز حيث لم نشاهد التاريخ الإجرامي للشخصية يسيطر أبدا عليها بعد فقدان الذاكرة وكأنه تحول إلى ملاك يمشى على الأرض، واستمر عمرو بعد ذلك في مسلسل الاستعراض فكان أسوأ مشاهد الفيلم وهو مشهد تفجير صلاح عبد الله لبيت احد مساعديه.. في هذا المشهد سيطرت الأفلام الأميركية التي شاهدها عرفة من قبل، وأراد أن يصنع مشهداً مماثلاً بعيداً عن منطقيته من عدمه، فلا يهم تساؤل الجمهور كيف حدث.

ولكن الأهم هو أن يرضي رغبته الشخصية، كما كان الحال مع مشهد «الفسبا» الذي من المستحيل أن تتسبب فيها الحادثة التي تعرضت لها، ما شاهدناه عليها من خراب ودمار، ولكن عرفة أراد أن يظهرها بذلك الشكل المبالغ طمعاً في كسب ضحكات الجمهور، الذي أصبح يضحك على كل شيء.

أداء الممثلين

الضحك والفكاهة مثلها محمود عبد المغني «في أدائه لدور «سليمان» في «الشبح» وغيرت من ملامح الفيلم إلى حد كبير، وأبطأت من إيقاعه في أكثر من مكانـ وإن كانت شخصيته ذكرتني بيحيي الفخراني في فيلم «الحب في الزنزانة» مع الفارق طبعاً ليحيي، أما زينة (أحلام) فبالتأكيد لا لزوم لها في السيناريو، لا أعنى أداءها أو أن تمثيلها سيئ، بالعكس فقد أدّت المطلوب تماماً، لكن دورها المكتوب في السيناريو بلا فائدة على الإطلاق ـ لاحظ الفرق في دور مماثل لهالة صدقي في فيلم «الهروب».

ولم يجتهد وائل عبد الله في ابداع أي دور جدي مؤثر تؤديه في الأحداث كما هو دور منة فضالي على صغر مساحته لكنه كان بالتأكيد ضرورياً، وأجاد صلاح عبد الله (عبد الصمد) الرقص على الحبال بمهارة، حبال التمثيل أعنى بالتأكيد، فهو يحسن الانتقال بين مناطق الأداء المختلفة، والخوف أن يصبح مكرراً وأن يختار أدواراً نمطية مثل خالد صالح. يبقى أن هذا الفيلم رغم طموحه لن يبقى في الذاكرة كعادة تلك النوعية من الأفلام التي ينتهي تأثيرها بمرور الوقت.

ذكاء يفتقده النجوم

أحمد عز في أفلام الحركة التي قدمها أخيراً يختار تلك النوعية من الأدوار التي يؤديها، ولا تعتمد بشكل كبير على التعبير أو الإحساس أو حتى التشخيص، ففي أفلام أحمد عز تكون القصة وعين المخرج هي البطل الرئيسي، أما هو فمجرد ممثل يؤدى دوره لتحريك الأحداث، ذكاء يفتقد إليه باقي نجوم الصف الأول بإصرارهم على لعب كل شيء في كل أفلامهم، بغض النظر عن طبيعة السيناريو وعن طبيعة إمكانياتهم.

فيلموغرافيا

* تاريخ العرض: 2007

* الإيرادات: 15033320 جنيه مصري

* إنتاج: أوسكار للإنتاج والتوزيع

* قصة وسيناريو: وائل عبد الله

* مدير التصوير : محسن أحمد

* موسيقي: خالد حماد

* توزيع: أوسكار - النصر - الماسة

معالجة جديدة لـ الألوان

ألوان فيلم «الشبح» معالجة بطريقة جديدة لم تستخدم من قبل، وهو الشيء الحقيقي والملحوظ، غير أن المخرج أفرط جداً في استخدام ذلك. لون اللقطات معتنى به، الإضاءة والفلترات التي استخدمها مدير التصوير محسن أحمد أعطت بعداً لونياً لمكان وزمان الأحداث، لكنها كانت تثير ارتباك المتابعة خاصة مع تعدد أماكنها في سياق السيناريو، (تصحيح الألوان) كانت تشوبه مشكلة رغم أنه يملك فكرة طموحة، ربما تؤتى ثمارها في فيلم قادم للمخرج عمرو عرفة.

دبي ـ أسامة عسل

Email