تتميز سويسرا بطبيعة خلابة وبحيرات عديدة رائعة الجمال، إضافة إلى ذلك تحتضن اكبر عدد من المتاحف الثقافية والتاريخية والفنية التي تعج بالأعمال الفنية والأثرية القديمة. ويزيد عدد المتاحف التاريخية هناك في هذا البلد على 900 متحف لتحتل بذلك المرتبة الأولى في أوروبا والعالم.

و تتميّز سويسرا أيضا بكونها البلد الأوروبيّ، الّذي يقدّم أكبر كمية من العروض التي تهتمّ بالتّاريخ والفنّ والعلم و التّكنولوجيا والعادات والتّحف النّادرة. وتجتذب هذه المتاحف كلّ عام ما بين 8 إلى 10 ملايين زائر يفدون إليها من كافة أرجاء العالم. ونستعرض هنا أهم المتاحف السويسرية وأجملها وجميعها جديرة بالزيارة . متحف الفن في بازل وهو أهمّ هيكل سويسري للفنّ. و يعرض أهمّ وأضخم متحف للفنّ لسويسرا، يعرض تحفا رائعة من الرّسوم والنّحوتات من القرن الخامس عشر إلى القرن العشرين حيث تعكس المجموعة المعروضة الثراء التجاري والصناعي لمدينة بازل، إضافة إلى الولع التاريخي لسكانها بالفن. يحبّ سكان مدينة بازل الفنّ كما يحبوّن مدينتهم، وخاصّة متحفهم المعروف »كنستموزيوم«. معظم الروائع المعروضة في متحف الفن، ناتجة عن هبات وعن تمويل خاصّ من قِبل المواطنين وعن مساهمات من النّقابات وحتّى عن المجموعات الكرنفاليّة الشهيرة. هكذا تمكّنت بازل أن تتناسى تقريبا هويّتها الصّناعية، لتصبح اليوم عاصمة للفنّ في سويسرا.

وبفضل شهرتها التّاريخّية لتجارة التّحف القديمة و الفنّية و بأروقتها ومعرضها الدّولي الشهير،أصبحت المدينة المطلّة على نهر الراين من أهمّ المراكز الّثقافيّة في أوروبا، كما يتبيّن ذلك من خلال متاحفها الفاتنة. يمثّل متحف الفن بدون شكّ، أعظم الهياكل، التي خصصتها مدينة بازل للفنّ وقد شيد جلّها في العشريّة الأخيرة بفضل الروح الإنسانية لصناعيين وتجّار، وأيضا بفضل شغف كلّ المواطنين. وقد أثر عشق سكان بازل للفنّ في كثيرين، بمن فيهم الفنان المعروف بيكاسو. ففي سنة 1967، قرّرت مؤسّسة رودولف شتايخلن، بيع لوحتين للرّسام المشهور كانتا مُعارتين لمتحف الفن منذ عدة أعوام. لكن السكان أبدوا إصرارهم على عدم التخلّي عن اللّوحتين. وبعد استشارة شعبية، وافقوا على جمع المبلغ اللازم لشرائهما. فقد أظهرت صناديق الاقتراع أغلبيّة ساحقة مؤيدة لاقتناء اللّوحتين، فتخلّت المؤسّسة البائعة عن مبلغ 14 مليون فرنك، الذي أقتُرح عليها في الأول، وطلبت من سكان بازل مبلغ 9 ملايين (فقط) لينخفض المبلغ بعد ذلك إلى 4, 8 ملايين. ويقول مؤرّخ الفنّ جان كاسبير بوت لسويس أنفو: إن بيكاسو قد انبهر بقرار سكان بازل، فأهدى لرِواق الفنّ أربعا من لوحاته.

تتميز الهبات في بازل بتقاليد عريقة. ففي سنة 1662، اقتنى بازيليوس أمرباخ، وهو من أعيان المدينة، للجامعة مجموعة هامّة من التّحف والمنشورات واللّوحات لأشهر الرسّامين الألمان والسّويسريّين المنتمين للقرن السّادس عشر، بالإضافة إلى إرث إيراسمو دو روتردام الإنساني النزعة. وكانت المجموعة المعروفة بغرفة أمرباخ، نسبة لصاحبها، الخطوة الأولى لتأسيس التّراث الفنّي الهامّ، الذّي وقع إدماجه في المتحف الحالي في سنة 1936. وإلى يومنا هذا، تمثّل غرفة أمرباخ، التي خصّصت لها ثلاث قاعات، القلب النّابض لمتحف الفنّ، الذي يتمحور هدفه الرئيسي في صيانة وحفظ وإثراء المجموعة. كانت عائلة أمرباخ من أهمّ النّاشرين في بداية القرن السّادس عشر، ومن أفرادها برز أيضا بونيفاسيوس، والد بازيليوس، الذي كان مدرّسا للقانون الرّوماني وعميدا لجامعة بازل، وأيضا صديقا لإيراسمو دو روتردام وللرّسام الشّهير هانس هولباين الصغير. يوضّح جان كاسبار بوت لسويس انفو، أنّ القرنين السّادس عشر والعشرين، يمثّلان الفترتين البارزتين في متحف الفن. ومن جهة أخرى، يجسّد الرسّامون الهولنديون الكبار والفلامنيّون، مثل رامبرانت وروبانس ودي هوك أو فان ميريس، القرنين السّادس عشر والسّابع عشر. ويحتوي المتحف على 350 لوحة من أعمالهم.

في المقابل، يغيب القرن الّثامن عشر، لأنّه ربما كان يمثّل فترة باروكية وأرستقراطية أكثر من اللزوم بالنسبة لمدينة أغلب سكانها من التجار. كما يضمّ متحف الفن أيضا مجموعة هامّة من أعمال أميركيّة تنتمي للقرن العشرين. ويمكن الاستمتاع برؤية ممثلّي مدرسة نيويورك مثل جاسبر جونس وبارنت نيومان وبولوك، وبعض من أعمالهم الهامّة في الرّسم الأميركي.

هذه اللوحات عادة ما يفوق طولها المترين أحاديّة اللّون، وتمثّل تعبيريّة تجريديّة. ففي أواخر الخمسينات، كانت سويسرا - ربما - البلد الأوروبي الذّي يملك أكثر معلومات عن الرّسم الأميركي النّاشئ، ولذلك، تعتبر الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين، سنوات المجد للمتحف. فعلى سبيل المثال، كان متحف الفنّ في بازل أوّل من عرض لوحة للرسام كالدر، سبق أن اقتناها في عام 1949، كما يحظى الفنّ الشعبي (Pop Art) بحضور هامّ في المدينة المطّلة على نهر الراّين، بسلسلة من أعمال جاف وول وأندي وارول.

أخيرا، يعرض متحف الفن سلسلة من أعمال النّحت والرّسوم التي تزدان بها أروقته المهوّأة والأنيقة، من إبداع جياكومتي وتانغلي ورودان. ومن الأعمال المتميّزة لهذا الأخير، نحته المسمّى »بورجوازيو كالاي«، الموجود بالساحة المجاورة للمدخل، وهو الرمز الذي اختير لمتحف الفنّ ببازل. وقد تكوّنت مجموعة متحف الفن مند أكثر من 300 عام، وأثريَت وتطوّرت خلال القرون المتتالية، وتفتخر اليوم بأنها تضم بعضا من أكبر الرّوائع الفنيّة في العالم.

المتحف الوطني

يعرض المتحف الوطني مليونا من الأغراض والرسوم و»المناظر الداخلية»، منذ فترة ما قبل التاريخ إلى أيّامنا هذه، قادمة من المنطقة التي تغطيها الكونفدراليّة السويسرية حاليا. لقد أرادت سويسرا من خلال إقامة المتحف الوطني في عام 1898، تكريم الدّولة الفتيّة، التّي ظهرت للوجود قبل 50 عاما من ذلك التاريخ.

على بعد خطوات قليلة من ضوضاء زيورخ الدّوليّة، وبجانب محطة القطار الرّئيسيّة للمدينة السّويسريّة الكبيرة، يبدو المتحف الوطني ، مثل قصر تائه. هذا المتحف، الذي يمكن التعرّف عليه من بعيد بشرفاته المدببة وأبراجه العالية، يعتبر بمثابة الدّار الأمّ للمتاحف الثّمانية التّي تتشكل منها المجموعة المعروفة باسم «المتحف السويسري«، وهو أيضا أقدمها إذ وقع تدشينه فعلا في عام 1898.

قصر زيورخ

أبصرت الدّولة الفيدرالية النّور في عام 1848، وكانت تلك فترة ميلاد الدّول القوميّة، التّي وقع إبراز أهميّتها، في كلّ مكان تقريبا، بإنشاء معالم ومتاحف وطنيّة. في أوروبا، شيّدت المتاحف الكبيرة في ذلك العهد داخل الكنائس القديمة أو القصور. وبما أنّ زيورخ لا تملك مباني مماثلة، فقد قرّرت أن تبني لنفسها »قصرا«، متمثلا في باقة من الأساليب المختلفة في صيغة تركيبة معمارية، تحول فيما بعد إلى مثال يقتدى به في الخارج أيضا.

على أنّ فكرة إنشاء مؤسّسة يجمع فيها التراث الثّقافيّ والتّاريخي، لم تكن بالنّسبة لسويسرا بمثل الوضوح الذي كانت عليه في البلاد المحيطة بها. بالنّسبة للكثيرين، كان إنشاء متحف وطني تذكيرا صارخا بأزمنة الجمهوريّة السّويسريّة، أي دولة مركزيّة على النّموذج الفرنسي، أي أنها مفروضة ولا تملك - إيديولوجّيا - إلا القليل من الطابع السويسري.

إضافة إلى ذلك، وخلافا للدول الأوروبيّة الأخرى، لم يكن في استطاعة سويسرا الاعتماد على مجموعة كبيرة ذات طابع وطني، ملكيّة كانت أو إمبراطوريّة. لقد كانت هناك الكثير من المجموعات المحليّة الصّغيرة، التي كانت تحتاج إلى تجميع. بعد مرور أكثر من قرن، يستضيف المتحف اليوم أكبر مجموعة في البلد: مليون من الأغراض المعروضة قادمة من التّراث الثّقافي السّويسري، أي المصنوعة في سويسرا أو التي جرى استعمالها في المنطقة التي تغطي أراضي الكونفدراليّة الحاليّة.

يعرض المتحف قطعا أثريّة ذات أهميّة عالميّة، تم تجميعها وعرضها على حدة، وهناك أيضا أسلحة وأزياء وأغراض من ذهب وفضّة وساعات وأثاث ودواخل مؤثثة بشكل كامل ورسوم وأنسجة ومنحوتات. يرى القائمون على المتحف انه ليس مجرد متحف للفن، بل للتّاريخ، ولذلك، فإنّ ثقافة الكائن البشري هي السّائدة. ثقافة يمكن، بالخصوص، أن تهمّ الزّائر الأجنبي، نظرا لعالميّتها وعلاقاتها المتينة مع باقي أوروبا. فالزّائر يكتشف الخصوصيّات التّاريخيّة لسويسرا. فهي بلد ذو ماضٍ قرويّ، ليست له ثقافة بلاط، مثل التّي نجدها في فرنسا، وألمانيا، وخصوصا في فييّنا.

جولة في المتحف

تبدأ الجولة في المتحف الوطني بزيارة الدّواخل: وهي قاعات عتيقة كانت تشكل جزءا من البيوت التّي كانت توجد في وسط مدينة زيورخ، ثمّ تم تفكيكها لإفساح المكان لبنايات أخرى. كانت هذه فترة نشوء السّكّك الحديديّة، وكان لابدّ من إيجاد فضاء لإقامة المحطّات الجديدة. وقد أعِيد بناء البيوت في المتحف الوطني، فهي إذن أصليّة وتشكّل شهادة ثمينة على طريقة العيش في ذلك العصر.

وتبرز من بينها قاعة رائعة من القرن السّابع عشر، مكسوّة بالخشب النّفيس ولها سقف ذو تجويفات. كما يوجد في الغرفة أسد من البندقية على شكل كأس، وهو هديّة من صاحبة السّموّ إلى زيورخ، باعتبارها شاهدا على الصّداقة بين البلدين. غرض آخر يفتخر به المتحف الوطني، ويعتبره إحدى أثمن قطعة، هي الكرة السّماويّة الصّغيرة، التّي صنعت في عام 1594 من قِبل عالم الرّياضيّات السّويسريّ يوست بورغي لأمير من هانوفر.

يأوي المتحف الوطني، الذي يعتبر بفضل حديقته الواسعة، واحة في قلب مدينة زيورخ، أيضا مخابر مكلّفة بترميم وحفظ القطع، ويقدّم بانتظام عروضا مؤقتة، عادة ما تحظى بإعجاب كبير من الجمهور. رغم أهميّة المتحف وعرضه التّاريخيّ الثّري، فلابدّ، لإثارة اهتمام وشغف الزّائرين في المستقبل، من مسايرة الأزمنة الحديثة.

فوظيفة المتحف لم تعد تعليميّة فقط، بل صارت أكثر فأكثر نشاطا لملء أوقات الفراغ. يعرض المتحف الوطني في زيورخ مقتطفات من أزمنة مختلفة: بدءا بالآثار الأولى التي عُثر عليها في الأراضي التي تتشكل منها سويسرا حاليا ومرورا بالحقبة الغوطية فعصر النهضة ووصولا إلى الإصلاح الديني، الذي قام به زفينغلي وكالفان في القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، لكن القرنين 19 و20 غير موجودين.

يتجه المتحف الوطني إلى التحول أكثر فأكثر إلى مركز ثقافي يستضيف معارض وحفلات ونقاشات. في هذا الصدد، يمنح الصالون الأحمر، وهي قاعة صُمّمت بهندسة وأجواء بداية القرن العشرين، دُشّنت عام 2000، لمسة احتفالية للمتحف، ويوفر موقعا مثاليا لتنظيم تظاهرات وحفلات عشاء، حتى للخواص.