نادين لبكي في «كان»: السياسة تتسلل إلى حميميات حياتنا

نادين لبكي بـ«كان»: السياسة تتسلل إلى حميميات حياتنا

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

ضمن مسابقة «نصف شهر المخرجين» التي أقيمت ضمن فعاليات مهرجان كان السينمائي الدولي في دورته الستين التي تختتم غداً بتوزيع الجوائز على الفائزين، عُرض الفيلم اللبناني «سكر بنات» أو «كاراميل» من إخراج وتمثيل نادين لبكي، الفيلم الذي عشقه جمهور ونقاد «كان»، أتى فرحاً ومبهجاً بعيداً عمّا يحدث في كواليس السياسة أو الحرب، أتى ناعماً وشفافاً وغائصاً في هموم مجتمعية أنثوية بالدرجة الأولى، ودافئاً في أحايين كثيرة، نظراً لكون بطلاته الخمس هن نساء من أعمار وطوائف مختلفة يجتمعن في مكان عملهن في صالون تجميل روّاده نساء الحارة، وما يجمعهن هو كم من العواطف المشتركة، والكثير من المشكلات التي تواجه كل واحدة منهن.

«ليال» (نادين لبكي) فتاة مسيحية في الثلاثينات من عمرها، وعلى علاقة سرّية برجل متزوج، «نسرين» فتاة مسلمة في نهاية العشرينات على وشك الزواج من شاب تحبّه، ولا يعرف أنها غير عذراء، «ريما» في العشرينات، منغلقة على ذاتها، وتعيش صراعاً مع هويتها الجنسية، بينما «جمال» تطمح لأن تكون ممثلة، وتعني بجمالها بشكلٍ خاص، غير أن لديها مشكلة مع تقدّمها في السن، وأخيراً «روز» الخياطة التي تعمل في محل بالقرب من الصالون، امرأة في الستينات، متحفظة، ضحت بحياتها لأجل شقيقتها الأكبر، وتغرم برجلٍ عجوز، لتكتشف أنها كبرت على الحب. هؤلاء النسوة يجتمعن في منطقة أنوثتهن، ومشكلاتهن الشخصية، ويتباين تماماً في خلفياتهن العقائدية والطائفية والثقافية، عندما يلتقين تذوب هذه الفوارق، ويصبحن كتلة نسوية واحدة في مواجهة المجتمع والحياة. بالتأكيد لكلٍ منهن طريقتها الخاصة في التعامل مع مشكلتها الشخصية، لكن بفضل وحدتهن، تصبح غربتهن أكثر ألفة حين يجتمعن، وحين تنضح النكات، ويصبح السكر شريكاً يحلي لهن الليالي الداكنة.

وُلدت نادين لبكي في لبنان العام 1974، وحازت على دبلوم في العلوم السمعية البصرية من جامعة «إيساف»، أخرجت الفيلم القصير «11 شارع باستور» الذي فاز بجوائز عديدة، ثم اتجهت إلى إخراج الإعلانات والأغنيات المصوّرة. يعتبر «سكّر بنات» فيلمها الروائي الأوّل، وهو مرشح لجائزة «الكاميرا الذهبية» في كان. تقول المخرجة لبكي في مقابلة نشرت في كتيّب الفيلم: «أعترف بأنني تردّدت لفترةٍ طويلة. فكرة التمثيل استهوتني، ولكنني كنت خائفة من إلحاق الضرر بالفيلم. غير أنني سعيدة بخوض هذه المغامرة؛ فهذا أتاح لي الفرصة بأن أكون أقرب من الممثلين، وبالتالي إدارة المشهد من الداخل، والسيطرة على إيقاع الفيلم، كون معظم الممثلين يقومون بتجربتهم الأولى، وكوني أردت أن يحافظ كل واحد منهم على عفويته». ـ هل اختيارك ممثلين غير محترفين، باستثناء البعض منهم كان مقصوداً أو مجرّد صدفة؟ ـ أردت ممثلين يقومون بأداء أدوارهم بطريقة عفوية غير مركّبة تُشبه شخصياتهم في الحياة. كانت لدي فكرة واضحة عن طريقة عيشهم وتعابيرهم وتصرفاتهم؛ فمن هنا تمّ البحث عنهم في الأماكن التي يتردّد إليها الناس العاديون.. كل هذا استغرق وقتاً، ولكنهم جميعاً كانوا قريبين من طبيعة أدوارهم.

ـ هل هذه الشخصيات تمثّل النساء في لبنان اليوم؟

ـ بالحقيقة لم أشمل كل المجتمع اللبناني الأنثوي في الفيلم، إنه نابع من تساؤلات كثيرة عن المرأة اللبنانية. أشعر وكأن المرأة اللبنانية تسرق لحظات الفرح كي تعيش كما تريد. أحياناً تلجأ إلى الحيلة، وعندما تنجح في ذلك تشعر بالذنب. نخطئ بتفكيرنا أنها حرّة، حتى أنا التي أعتبر أنني أقوم بما أريد وكيفما أريد أشعر في أعماقي أنني مقيّدة بالعادات والتقاليد والتربية والدين. تُربى الفتيات في لبنان على كلمة عيب مع التوبيخ بالإصبع. نحن دائماً نخاف من اقتراف شيء لا يجب فعله، مع فكرة التضحية الشخصية في إسعاد أهلنا وأولادنا ورجالنا وعائلاتنا. في كل مرحلة من حياتنا تُعطى مثلاً كي نتبعه، مع العلم أنه لا يعكس ما نُريد أن نصبح عليه.

ـ وماذا عن الرجال، هل جميعهم متسلّطون؟

ـ أبداً؛ في الفيلم جميعهم ودودون ما عدا شخصية واحدة لا نرى وجهها، وهذا اختيار متعمّد. أما باقي الرجال؛ فيمرّون في حياة تلك النسوة، ليس بمحض الصدفة، وإنما لإحداث تغيير ما.

ـ سنة 1990 انتهت الحرب، كنتِ في السادسة عشرة من عمرك، «سكّر بنات» هو أول فيلم لبناني لا يأتي على ذكر الحرب؛ لماذا؟

ـ عندما أعددت هذا الفيلم، أردت الكتابة عن المستقبل دون العودة إلى الوراء. أنا ابنة جيل يريد الكلام عن أشياء مختلفة، قصص حب مثلاً، أشياء أقرب إلى الأحاسيس الإنسانية التي نختبرها في حياتنا اليومية العادية بعيداً عن الحرب. أحداث الماضي تمّ تحليلها، وأُعيد تحليلها، وتمّ التداول فيها بما يكفي؛ فماذا سأُضيف عليها؟ للأسف بعد انتهاء التصوير بأسبوع، اضطررنا أن نعيش هذه المأساة من جديد.

ـ بعد حرب الصيف الماضي، هل يُمكنك كتابة القصة نفسها؟

ـ عندما اندلعت هذه الحرب، كنتُ قد أنهيت تصوير الفيلم. كان إحساسي بالذنب كبيراً: ما هذا المشهد الزاهر عن النساء، حب وصداقة! بالنسبة لي، يجب أن تكون مهمة السينما هي تغيير الأحداث، لكن ما الذي يقدمه فيلمي أو يغيّره؟

كنتُ على وشك أن أتخلى عن كل شيء، لكنني في النهاية قلت لنفسي: «سكّر بنات» هو وسيلة أخرى للنجاة من الحرب، والتغلّب عليها بالفوز والثأر. تلك هي ثورتي والتزامي. نعم، لو كنتُ سأكتبها الآن؛ فسأكتب القصة نفسها.

ـ أخيراً، هل «سكّر بنات» هو فيلم سياسي؟

ـ لم تكن نيتي عندما كتبت القصة، أما الآن، وبسبب الأحداث، أقول نعم. كل شيء في لبنان أصبح سياسياً؛ فالسياسة تتسلّل إلى حميمية حياتنا! ظننت أنني سأتمكّن من الهرب منها، لكن واقع الحرب تغلّب عليّ اليوم. هذا التوتّر السائد حمّل «سكّر بنات» رسالة تعايش بين مختلف الطوائف في لبنان؛ فبالرغم من الاختلاف في وجهات النظر، على الأقل التعايش طبيعي، وهكذا يجب أن نعيش».

كان ـ مسعود أمرالله آل علي

Email