سمير شمص: هوة عميقة تفصل بين جيلي الدراما اللبنانية

مسيرة طويلة بدايتها «النهر» وأحدثها «خطايا صغيرة» و«الباحثات عن الحرية»

ت + ت - الحجم الطبيعي

ينتمي الممثل اللبناني سمير شمص إلى جيل من الفنانين العرب بات أشبه بالعملة النادرة، نظراً لما يتمتع به هذا الجيل من مهارة وموهبة وأخلاقيات مهنية، أنتجت كماً كبيراً من الأعمال الدرامية الراقية والمتميزة.

وفي ذاكرة الناس، هناك مسلسل لبناني اسمه «النهر» الذي قدمه شمص في فترة السبعينات، ولقي هذا العمل نجاحاً جماهيرياً، أهله ليكون نجم المرحلة الفنية اللاحقة لبنانياً، ومنها اتجه إلى مصر، ليلعب أدواراً في عدد آخر من المسلسلات والأفلام (27 فيلماً) التي استفادت من صوته ووسامته.

أحب سمير شمص الكتابة قبل أن يكون ممثلاً، فنشرت له مقالات في صحف ومطبوعات عدة، فضلاً عن مساهماته الكتابية في التلفزيون والإذاعة والمسرح، قبل أن يطل علينا برواية «عند حافة الكون» التي تنتمي لأدب الخيال العلمي، وهي أول عمل أدبي متكامل يطمح لتحويله إلى فيلم سينمائي.

تابعنا له في السنوات الأخيرة أعمالاً درامية عدة منها: «رجل من الماضي» و«خطايا صغيرة» و«بين السماء والأرض» و«رحيل الطيور»، وغيرها. .التقيناه اثر زيارة خاطفة له إلى دبي وأجرينا معه الحوار التالي:

كان من البديهي أن نسأل سمير شمص في مستهل الحوار عن زيارته دبي، وما حملته في طياتها من مشاريع فنية مستقبلية، فبادرنا بالقول: هذه الزيارة كشفت لي معالم كثيرة، ربما كنت اقرأ عنها ولا أشاهدها، أما اليوم فقد اكتمل الانطباع بالمشاهدة الحية، واطلعت عن قرب على حضارة وتقدم دبي خاصة والإمارات عامة، وتلك حقيقة ملموسة لاجدال فيها.

وأود أن أقول إن هذه الزيارة أثمرت عن التوقيع على مشروع فني مع قناة المرأة العربية والمنتج نقولا ابو سمح والمخرجة آمال معلوف، وهو بعنوان «بين الحقيقة والخيال». وهذا العمل من إعدادي، ويعالج أحداث تمر في حياة الإنسان، ثم لايجد لها تفسيراًمنطقياً أو علمياً، ومن خلال 30 حلقة أبطالها هم من حصلت معهم تلك الأحداث ، ويقوم بتجسيدها نخبة من الفنانين.ويضيف شمص قائلاً: اتفقنا على أن يكون تصوير جميع أحداث المسلسل في لبنان خلال أيام شهر رمضان المبارك على ان يبث فضائياً في الأشهر القليلة المقبلة.

وكشف شمص أنه يتفاوض مع مؤسسة فنية كبرى لإنتاج 52 حلقة تلفزيونية بأسلوب الكارتون بعنوان: «عند حافة الكون» وهي مستوحاة من كتاب لي من نوع الخيال العلمي بالإسم ذاته صدر عن دار العلم للملايين في بيروت مطلع العام، واتفقنا على ان يتم تصوير كافة أحداثه في الولايات المتحدة بناء على رغبة الجهة المنتجة، وقد أعددت له السيناريو والحوار إضافة إلى التقديم والأداء بمشاركة إحدى المذيعات.

* يبدو أن هناك علاقة عشق هامة بينك وبين الفضاء؟

ـ فعلاً، هي علاقة جميلة بيني وبين الكواكب والأقمار، ولكنها لن تكون على حساب الفن، وهذه إجابة للمشككين بهذا الأمر.

*وكيف بدأ هذا الاهتمام؟

ـ أنا مقتنع بأن كل إنسان يجب أن يعرف في هذه الدنيا القليل في كل شيء ،وكل ما وصلت إليه هو نتيجة مراجعات شخصية وفضول، وعلم الفضاء لا ينحصر بالكواكب وما عليها، بل هو روافد لنهر كبير اسمه علوم فضائية.

* هل توصلت إلى نتائج هامة في هذا السياق ؟

ـ هذه العلوم طرحت علي تحدياً كبيراً للوصول إلى آخر الخط، والآن على سبيل المثال استفزتني عملية إسقاط «بلوتو» ككوكب من المجموعة الشمسية، مع العلم أنني ألفت كتاباً قلت بموجبه وبعد دراسات طويلة ان «بلوتو» هو أحد كواكب المجموعة الشمسية، ولكني كنت مشككاً في كونه قمراً أو كوكباً، رغم ميلي إلى الرأي الثاني.

ولكن هذا الشك لم يحسم بشكل نهائي إلا حينما اكتشفوا كوكباً جديداً، وبعد قليل طار الكوكب الجديد من اللائحة وطار معه كوكب «بلوتو». وهذا ما أحزنني وجعلني أضم صوتي الى باقي الأصوات التي تطالب بإعادة «بلوتو» إلى المجموعة الشمسية وتعتقد بوجود كواكب أخرى.

* الذين كانوا حولك كيف كانوا يتعاملون مع علاقتك بالفضاء على الرغم من انك معروف كممثل وكاتب؟

ـ كان هناك استغراب لماذا أكتب عن الفضاء، وفاتهم أنني كاتب في المسرح والسينما والتلفزيون.

* كتابتك الصحافية بدأت في «الكفاح» و«الأحد» مطلع الستينات، كيف ولدت لديك فكرة التمثيل؟

ـ كنت قبل عملي في الصحافة، أعمل في المجال الفني في طرابلس، حيث اسكن، وعندما جئت إلى بيروت عملت في الصحافة كوظيفة، ولكن لم تكن غايتي الصحافة، بل كان اتجاهي فنياً، وهذا كان عام 1965 تقريبا، ثم عملت لاحقاً مع تلفزيون لبنان وكان حديث التأسيس حينها، ثم انطلقت سريعاً، وانتقلت بعدها للقيام بأدوار رئيسية في السينما.

* وكيف انتقلت إلى مصر لاحقاً؟

ـ كان لا بد من الذهاب إلى مصر، ولكنني كنت حريصاً على أن توجه لي الدعوات من هناك، وهذا ما حصل بالفعل فقد اتجهت الى مصر ولعبت أدواراً في حوالي 27 فيلماً سينمائياً، وكان آخرها «أفريكانو» و«الباحثات عن الحرية».

* لديك تجارب تلفزيونية في مصر، ومنها «وجه القمر» حسب ما أعلم؟

ـ هذا صحيح، وهناك أيضاً مسلسل «امرأة في زمن الحب» مع الممثلة سميرة أحمد.

* هذا يعني ان علاقتك جيدة مع الفنانين المصريين ؟

ـ نعم، وهي جيدة جداً مع الفنانين المخضرمين، لأن احتكاكي مع الممثلين الجدد ضعيف نسبياً.

* فيلم «الباحثات عن الحرية» للمخرجة إيناس الدغيدي ترافق عرضه بحملة ضدها وضد من عمل فيه، كيف ترى هذه التجربة؟

ـ الفيلم جريء، ولا أدري لماذا إيناس الدغيدي محط جدل في كل أعمالها، أنها إنسانة مفكرة ولديها لمعة في عملها، وهذا التميز هو ما يتعبها.

* في هذا الفيلم كان هناك مشهد حميمي بينك وبين نيكول بردويل، وانتهى بقبلات، والكثير من المشاهدين تساءلوا هل هذه القبلات حقيقية وفيها مشاعر؟

ـ طبعاً لا.

* إذاً، هي تنفذ بحرفية توحي للآخر بأن هناك مشاعر؟

ـ أكيد، وهذا هو شغل الممثل، وأذكر ان نيكول جاءت وسألتني كيف شعرت؟ فأجبتها مداعباً بصراحة: كنت وكأني اقبل الجدار!، وقد أفهمتها معنى التمثيل في مثل مواقف كهذه لأن الإنسان لا يمكن أن تكون لديه مشاعر في موقف كهذا، وهناك أكثر من عشرين شخصاً يشاهدون ما يفعل في الاستديو.

* دائما القبلات السينمائية لا مشاعر فيها؟

ـ لا، هناك أفلام عربية خرج البطل والبطلة فيها إلى عند المأذون. . والحالات كثيرة التي أعرفها، ولكن بالنسبة لي لم تعن هذه القضية لي على الإطلاق.

* ما المؤهلات التي ساعدتك لتكون ممثلاً؟

ـ أحب هذه المهنة، وتصرفاتي كلها أهلتني لذلك، كان لدي ميول وساعدني صوتي وشكلي.

* هل تحافظ على لياقتك كممثل؟

ـ ليس دائماً..عندما أكون في استراحة محارب، لا يمكنني أن ألتزم كثيراً، ولكن عندما أدخل في جو العمل أبدأ بالاهتمام بجسمي.

* علمت أن ابنك له علاقة بالفن؟

ـ كان هذا قبل فترة لأنه اضطر للذهاب إلى كندا للعمل هناك، وأنا سعدت لأنه اتخذ قراراً بعدم العمل بالفن.

* لماذا، ألم يكن بإمكانه أن يصبح نجماً؟

ـ نعم ولكن مشروع نجم فقير.

* هناك من يقول إن الأعمال الدرامية الحديثة في لبنان تشبه الأعمال المكسيكية؟

ـ تقريباً، نستطيع ان نقول ذلك، لأنه لم تعد هناك روحية في العمل والقدرة التمثيلية غابت بسبب الإنتاج الضعيف والسوق لدينا صغيرة، بينما الحروب التي توالت على لبنان منذ العام 1975 أثرت سلبا على الإنتاج الدرامي.

* هل يلتقي الفنانون اللبنانيون بعضهم بعضاً، وهل هناك حوار جدي بينهم ؟

ـ أحيانا نلتقي في النقابات وبالمناسبات الاجتماعية والخاصة، وعلاقتي جيدة مع محمود سعيد وأحمد الزين وعبد المجيد مجذوب.

* هناك ثغرة بين جيلكم وبين الأجيال التي أتت بعدكم، بحيث لا يوجد هناك جيل ثان أو ثالث، بل هناك تصنيف آخر للأجيال التي جاءت بعدكم، كيف يمكن سد هذه الثغرة؟

ـ إنها ليست ثغرة، بل هوة عميقة ويجب ان نقوم بردم الهوة. بيننا وبين الجيل الجديد تدخلت أمور كثيرة منها البرامج الاستعراضية والتوجهات الإعلامية الجديدة بحيث صار من مصلحة التلفزيونات الحصول على اكبر عوائد من الإعلانات، وهذا سبب تراجع الدراما اللبنانية. والجيل الجديد كان يفترض أن يأخذ ويتعلم منا، ولكن هذا لم يحصل، ما أدى إلى عدم توازن لجهة مستوى الكتابة والتمثيل.

* بعض الفنانين اللبنانيين اعترضوا على مواقف بعض زملائهم من الحرب، برأيك هل كان موقف الفنانين اللبنانيين أقل مما يجب ان يكون أثناء الحرب الأخيرة ؟

ـ الفنانون المصريون تحركوا بقوة وبطريقة ممتازة، وبالمقابل لم أجد تحركاً فنياً بهذا المستوى لبنانياً، من دون أن أنفي بعض الجهود الخاصة.

* أنت نقابي كما أعلم.

ـ نعم، ونقابي قديم.

* ماذا قدمت النقابة للفن اللبناني؟

ـ للأسف نقاباتنا ضعيفة، ولعلك تلاحظ معي ان كل التنظيمات النقابية الفنية العربية ضعيفة ولا يعول عليها، والنقابة إما ان تكون للدولة ومعها ومحمية منها وإما أن تكون مستقلة لوحدها وتطالب الدولة بالتأمينات، وتطلب منها ما تحتاجه، وهذا أمر لا تشجعه الدول عموماً.

* أخيراً، ما المستقبل الذي تراه للدراما اللبنانية؟

ـ الأفضل أن نسأل ما هو مستقبل لبنان، لماذا كلما انتعش هذا البلد الجميل يعمدون إلى إحراقه ؟ هذا هو السؤال الذي يهمني والذي لا أملك إجابة عنه ولكني متفائل، شعبنا حي بكل معنى الكلمة.

دبي ـ جمال آدم:

Email