بعد مرور السوق بمراحل تصحيحية قاسية

آراء متباينة حول فكرة إنشاء «محفظة وطنية» لمواجهة الحالات الحرجة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تبعاً لحالة الانخفاض التي شهدتها الفترات التصحيحية، والتي أثّرت على تحركات الأسهم في أسواق المال المحلية خلال العام 2005، كانت الأنظار تتجه نحو المحافظ الإستثمارية القائمة في الدولة ودورها الفعال في إنقاذ السوق أو إنقاذ نفسها على حد سواء.

وألقى عدد من المستثمرين والمحللين حينها باللائمة على المحافظ باعتبارها اللاعب الرئيسي في السوق وكانت قضية دخولها أو خروجها تمثل جوهر الإستثمارات وتحركات الأسعار سواء كانت صعوداً أو هبوطاً تبعاً للجو العام السائد.

وصنّف الخبراء نوعية المحافظ الإستثمارية المتواجدة في أسواق الدولة إلى صنفين، أحدهما طويل الأجل ويمارس الإستثمار باعتباره استثماراً بحتاً مبنياً على أسس علمية ومهنية خالصة،

وثانيهما صُنّف على أنه محافظ مضاربة تنتهج أسلوب التحليل التقني اليومي تبعاً لطبيعة تحركات الأسعار وتأثرها المباشر واللحظي. ولكلٍّ منها باعٌ في تحريك السوق، وتاريخها واضح للعيان، ولكن لا أحد يستطيع اتهام أي جانب منهما بتراجع السوق، أو ارتفاعه، لأنها في النهاية تمارس الإستثمار بالطريقة التي تصب في مصلحتها ومصلحة المساهمين فيها.

محفظة وطنية

وعندما واجهت أسواق المال صاحبة التجربة العريقة في الإستثمار بالأسهم، فإنها لجأت إلى فكرة المحافظ الاستثمارية التي تمارس نشاطها في خدمة »الوطن« بعيداً عن أسس الاستثمار وتحقيق الربحية، وهمها الوحيد إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

يسطع نجم بعضها عادة في أيام التصحيح، ويسطع نجم البعض الآخر في حالات الارتفاع القوي. وعرفت مهنياً باسم »المحافظ الوطنية«، وعرفها البعض الآخر باسم »صناع السوق«، ولكن التحفظ بدا واضحا حول مسمى صناع السوق،

باعتباره مطلقٌ بطبيعة الحال، على المحافظ التي تمتلك حجماً كبيراً من الأسهم لذا فإن دخولها وخروجها يشكل أثراً ملموساً على التداولات، ويحرك السوق باتجاه محدد تبعاً للقيمة السوقية التي تنتج عنها بغض النظر عن غرض إنشائها وطبيعة أهدافها، لذا فإن تسميتها بـ »محفظة وطنية« كان أكثر توفيقاً بمقارنة أهدافها مع أهداف المحافظ التي تلعب دور صنّاع السوق.

ما السبب وراء عدم وجود محفظة من هذا النوع في أسواق الإمارات المالية؟ ومن هي الجهة التي من شأنها المبادرة بهذه الخطوة؟ وهل مازالت ثقافة الاستثمار بحاجة للنمو والتقدم أكثر مما هي عليه؟ أم أن التجارب التي مرت بها أسواق المال لم توجد دافعاً قوياً للإقدام على هذه الخطوة؟ وهل تستطيع المحافظ القائمة أن تؤدي هذا الدور بعيداً عن الأهداف الربحية؟

لصالح السعر العادل

أيد زياد الدباس مدير إدارة السوق الداخلية في بنك أبوظبي الوطني هذه الفكرة، مشيراً إلى ان هذه الخطوة تحتاج بالأساس إلى جهد خاص من هيئة الأوراق المالية والسلع من خلال تشجيعها، ومن المفترض أن تتبناها جهة استثمارية، ويكون هدفها استثمارياً من الدرجة الأولى، وليس داعماً للسوق وحسب.

ويضيف الدباس، هذه الجهة لابد أن تتملك نسبة كبيرة من الأسهم، في عدد متنوع من الشركات، وتحتكم على قدرٍ عالٍ من السيولة، وتقوم بالتدخل لصالح السعر العادل، ففي حالة ارتفاع السهم إلى ما فوق قيمته الحقيقية تبدأ هذه المحفظة بالبيع من أسهمها، وفي حال التراجع تبدأ بالشراء وتعود لبيع أسهمها مرة أخرى بعد وصول السوق إلى مرحلة جديدة من القوة والنشاط، لتلعب بذلك دور صانعٍ للسوق.

ويقول الدباس »عندما يتواجد في السوق صانعٌ له، أو عندما تتوفر محفظة استثمارية كبيرة تستطيع التدخل وحماية السوق من الانهيار، فإنها تستطيع أن توفر عروضاً كبيرة للمضاربين لتحمي بذلك صغار المستثمرين، وتستطيع هذه المحفظة أيضاً أن تمارس دورها من خلال صندوق استثماري يدخل السوق ويلعب دوراً مهماً من خلال المساهمين فيه«.

ويتابع الدباس »هناك الكثير من الأفكار بحاجة للبلورة مثل فكرة إيجاد محفظة وطنية صانعة للسوق، ولكن الجدير بالذكر أنه يوجد في الوقت الراهن مؤسسات داعمة للسوق، إلا أن السوق مرّ في العام الماضي بنشاط مفاجئ وقوي غير مسبوق،

وأتصور أن أسواق المال والهيئة استفادت خلال العام الماضي من النشاط الذي حصل، والمتمثل من خلال الاستفادة من الخبرات المستوردة من الدول المتقدمة، والمجاورة، وتنمية الكوادر الوطنية الموجودة في الدولة، والتي تولي الهيئة من خلاله اهتماماً واسعاً في تعليمهم وإيجاد الكفاءات«.

تطبيق صعب

من جهة أخرى أشار محمد علي ياسين مدير عام مركز الإمارات للأسهم والسندات، إلى أن هذه الفكرة جيدة، ولكن تطبيقها صعب بعض الشيء.وقال ياسين، »السؤال الحالي مندرج في إطار كيفية تطبيقها، فنحن لدينا بشكل فعليٍ في أسواق الإمارات مثل هذه المحافظ التابعة لجهات حكومية، أو تابعة للأسواق نفسها.

التحدي الذي تواجهه هذه المحافظ في توقيت دخولها وتوقيت خروجها، فهي ليست مطالبة بالتدخل في كل هبوط، لأن عمليات الهبوط التي تحصل بين الفينة والأخرى تأتي نتيجة تلاعب أحد المستثمرين على سبيل المثال أو نتيجة إشاعة غير مؤكدة، أو أي شيء يعتبر مؤقتاً،

أما إذا ما كانت هذه النتائج طبيعية وغير محفوفة بالمخاطر، فإنها تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة، لذا فإن القائمين عليها لابد من أن يتبعوا لجهة مستقلة، والمحافظ القائمة حالياً تتدخل لتحمي مصالحها، واعتقد شخصياً أن وجود محفظة هدفها فقط هو حماية الأسواق هي فكرة جيدة،

ولكنها في المقابل يجب أن تخرج بمعدل ربحي معقول أو أن تغطي مصاريفها على الأقل، والمطلوب أن تنشئها هيئة مسؤولة في الإمارات مثل هيئة المعاشات التي تعد من أكبر الهيئات القائمة في الدولة، ومن الضروري أن تبرز نفسها وأن تقدم دوراً ملموساً ورئيسياً كهذا الدور«.

هل تتدخل في حالات الارتفاع؟

في المقابل فإن عيسى كاظم مدير عام سوق دبي المالي يشير إلى أنه لابد من التعرف على دور هذه المحافظ الاستثمارية، فما هو الهدف من إنشاء هذه المحافظ سواء كانت من خلال المؤسسات العامة، أو بدعم من الحكومة؟ لذا فإن دورها يجب أن يكون واضحاً، وهل تهدف لدعم السوق فقط؟ وما هي الحالة التي ستكون عليها في حالة حدوث ارتفاع مفاجئ وبنسبة عالية جداً؟

ويقول كاظم »من حيث المبدأ، أرى أنه من الضروري أن يعكس السوق أداء الشركات المدرجة بالدرجة الأولى، وأداء الشركات يجب أن يعكس الأداء الاقتصادي للدولة. وقضية إنشاء المحافظ والاستثمار في الأسواق المالية، يخلق السيولة ويوازن الأداء والأسعار وهو شيء إيجابي جداً، لكن تشويه الأسعار أمر مرفوض، ولا يقبل به، لأن الأسعار لابد من أن تؤكد قوة الموارد والاقتصاد«.

وأضاف كاظم »إن معظم المحافظ الاستثمارية القائمة في أسواق الدولة تقوم الآن بهذا الدور سواء في حالة الصعود القوي جداً، أو في فترات الهبوط، والمحافظ تولي أهمية كبيرة بالدرجة الأولى لارتفاع أسواقها، وتعمل على نمو هذه الأسواق،

وتحرص على دخول هذه الأسواق بأمانه، فلا توجد محفظة استثمارية تحاول الضرر بالسوق، فكيف يكون لأحد المحافظ استثمارات بمليارات الدراهم، وتهبط بالأسهم بمقدار درهم على السهم على سبيل المثال، عندها سيكون مدير هذه المحفظة أو تلك معرض للمساءلة من المودعين والمستثمرين، وهو مسؤول بالدرجة الأولى عن نمو محفظته، وأرباحها«.

وأشار كاظم، إلى أن المحافظ العاملة في أسواق المال المحلية يقدر حجمها بعشرات المليارات، وهناك عدد من المستثمرين »الكبار« لديهم محافظ خاصة وضخمة جداً ومملوكة من قبل 3 و4 أشخاص فقط وتؤدي دوراً كبيراً ورئيسياً في السوق.

تجارب فعلية

وعلى صعيد التجارب الفعلية يشير الخبير الاستثماري الكويتي عادل الخليفة إلى أن هذه المحافظ تقوم بدور وطني فعال من خلال الإمساك بالسوق من حالة السقوط، وتتبع بشكل رئيسي للحكومة، ويقول الخليفة »في الإمارات ظهرت الحاجة ملحة لمثل هذه المحافظ خلال فترات التصحيح السابقة،

وعلى سبيل المثال فإن تداولات نصف الساعة التي تراجعت فيها الأسهم بعد نبأ وفاة المغفور له الشيخ مكتوم دلالة واضحة على أهمية هذه المحافظ بالتدخل. ففي الكويت نلاحظ وجودها بشكل قوي يطغى على حجم المحافظ البنكية أو المستقلة حتى،

وتتراوح أعدادها بالإجمال بين 30 إلى 40 محفظة، أقلها حجماً تعادل 600 مليون درهم إماراتي، ولا يتدخلون في السوق إلى عند حدوث هبوط قوي ومفاجئ أما بالنسبة لأرباحها فإنها قليلة لأن هدفها هو دعم السوق وحمايته من التراجع بشكل رئيسي فضلاً عن استراتيجياتها التي تتبعها في الاستثمار طويل الأجل«.

ويضيف الخليفة »ليس بالضرورة أن تكون هذه المحافظ تابعة للحكومة إلا أن عدداً منها للحكومة نصيب منها بنسبة محددة وبالتعاون مؤسسات وجهات أخرى، وهذه التجربة مطبقة بنجاح في أسواق السعودية والكويت، نظراً لوجود عدد كبير من المضاربين، وهذه المحافظ تعمل على مواجهتهم بضخ كميات الأسهم المطلوبة لإيقاف الارتفاعات المفاجئة أيضا، ولكن بعضها يقتصر بدوره فقط في حالة الانخفاض القوي«.

تحقيق سمير حماد

Email