عودة العقول الهندية المهاجرة تهدِّد وادي السليكون

عودة العقول الهندية المهاجرة تهدِّد وادي السليكون

ت + ت - الحجم الطبيعي

يرنو أجاي كيلا الهندي إلى الشارع وهو يقف خارج مسكنه في مجمع بالم ميدوز في بنجالور، في الوقت الذي يعود فيه جاره الهندي إلى بلاده ليدير شركة تكنولوجية جديدة بتمويل من شركة أميركية.

ويسكن أمام منزل أجاي كيلا مدير تنفيذي آخر غادر أميركا للعمل في شركة إنفوسيز تكنولوجيز في الهند، وإلى جوار منزل كيلا يقطن رئيس تنفيذي شركة سيسكو سيستمز الهندية.

وعاد إلى بلاده بعد أن قضى سنوات طويلة في نيويورك. وعلى الجانب الآخر يسكن مدير هندي عائد من بريطانيا ليرأس العمليات التقنية في فرع دويتشه بنك الهند.

هذه عيِّنة بسيطة من العقول المهاجرة التي تفيد الاقتصاد الهندي، وهناك عقول هندية عدة في منطقة بالم ميدوز في ضواحي وايتفيلد مثل أوزون وليك فيستا، كلهم تعلّموا أو عملوا في أميركا وأوروبا.

لكنهم فضَّلوا العودة إلى الوطن بسبب النمو السريع في الاقتصاد الهندي وتقدم الصناعات التكنولوجية. ويقول كيلا (47 سنة) الذي عاد إلى بلاده قادماً من مدينة فوستر في كاليفورنيا: لا شيء مدهش في ذلك على الإطلاق.

وتقدّر شركة ناسكوم للتعهيد أن 30 ألفاً من المحترفين الهنود في مجال التكنولوجيا عادوا إلى بلادهم خلال الـــ 18 شهراً الماضية.

وأصبحت بنجالور وحيدرأباد وضواحي دلهي نقاط جذب للعقول الهندية المهاجرة، التي تمثل أعلى طبقات الدخل في أميركا. وتقدم هذه المدن بيئة العمل التي تشبه الغرب والعائدات السخية والأجور المرتفعة والترقيات السريعة، للعائدين، ما يستطيعون أن يجدوه فقط في باولو الطو أو بوسطن في أميركا.

والآن تقدم هذه المدن أيضاً ما يزيد على ذلك، فهي توفر طفرة في المنازل، فقد زادت أسعار المنازل ثلاثة أضعاف في حي بالم ميدوز في بنجالور خلال الـــ 12 شهراً الماضية، وارتفعت الإيجارات أربعة أضعاف.

وقال ناندان نلكاتي رئيس تنفيذي إنفوسيز تكنولوجيز ثاني أكبر شركة هندية للتعهيد: إن المهاجرين يعودون لأن الاقتصاد الهندي سريع النمو.

ويعمل لدى هذه الشركة 25 من المهاجرين العائدين المتخرجين في كليات أميركية. وأضاف نلكاني يقول: هناك شعور متزايد بأن هناك اهتماماً متنامياً بالقطاع التكنولوجي في الهند.

وغالبية العائدين هم من الجيل الأول من الخريجين، لكن كثيرين من الجيل الثاني الذي عاش في أميركا أيضاً يعودون إلى الوطن، كما يقول لوري بلاكمان مستشار التوظيف في دالاس، وتضيف ان لديهم رغبة قوية للعودة إلى الهند للمساهمة في بناء بلادهم لتكون قوة أكبر مما كانت تحلم.

لكن هذا الاتجاه يثير مخاوف بين الاختصاصيين الأميركيين بأنه قد يستنزف المواهب العلمية في أميركا ويقلل من قدرتها التنافسية على الإبداع.

وقال برنيك ليندس نائب رئيس الأبحاث في معهد كاتو في واشنطن إن أميركا سوف تخسر المواهب ذات الأصل الهندي التي تعود إلى أوطانها، وأضاف أن ما يحدث قد يخلق إمكانات أكبر للتجارة بين البلدين.

وبالنسبة لكثير من العائدين إلى الوطن فإن بيئة العمل في الهند تشكِّل تحدياً لكن هناك أسباباً شخصية مثل تربية أطفالهم وسط الحضارة الأم ورعاية الآباء المسنِّين.

وقال كيلا، الحاصل على الدكتوراه من جامعة روشستر وعاش 20 سنة في أميركا، إنه عندما غادر الهند منذ 25 سنة، كان الجميع يتجهون إلى أميركا، وهو قد عمل في شركات مثل جنرال الكتريك وأتوديسك.

وكان العمل في المجال الهندسي أو التقني هو أكبر حلم لا يُقاوم بالنسبة لعمل الهنود في أميركا وحتى قبل 4 ـــ 5 سنوات مضت.

لكن الهنود هناك يريدون الآن العودة للوطن، ولم يعد كيلا يحتاج إلى الترويج للهند الآن، بعد ان كان يحاول إقناع العاملين في وادي السليكون من الهنود بالعودة وهو يتلقى 15 طلباً شهرياً عن أناس عملوا عقوداً في أميركا ويريدون العودة للعمل في الوطن اليوم قبل الغد.

وينظر كثير من الهنود الذين عملوا في قطاع التكنولوجيا المتقدمة في أميركا، إلى الهند على انها خطوة للترقي في حياتهم العملية، في ظل العولمة، كما يقول أنورادا بارنا ساراس رئيس تنفيذي شركة جلوبال اكزكيوتيف تالنت للأبحاث ومقرها كاليفورنيا وتنهال عليها طلبات من هذا النوع.

وهناك كثير من شركات التكنولوجيا متعددة الجنسية وشركات التعهيد في الهند تسعى جاهدة إلى توظيف عاملين لديهم خبرة في الإدارة أو تخصص تكنولوجي عملوا في أميركا من قبل.

وحتى الفجوة بين أسلوب المعيشة في الغرب والهند قد تلاشت بسرعة، واختفت الفوارق في الرواتب بالنسبة للمديرين والتنفيذيين.

ويصل متوسط الراتب السنوي لهذه الفئة في بنجالور إلى نصف مليون دولار سنوياً، وحتى الذين سيتقاضون رواتب أقل عند العودة للوطن، لن تكون مشكلة بالنسبة لهم بسبب انخفاض تكاليف المعيشة في الهند مقارنة بأميركا، وتبدأ رواتب المهندسين في الهند من 12 ألف دولار مقابل 60 ألف دولار في وادي السليكون.

لكن هناك تحديات أيضاً أمام من يفكرون في العودة مثل فنكي سونداريسان (38 سنة) الذي اكتشف العمل في أميركا مع زوجته وابنتيه انهم لابد ان يعيشوا في مجمعات سكنية مغلقة، ويضطرون إلى إدخال الأطفال مدارس دولية تتناسب مع نوع التعليم الذي تلقوه في الخارج.

ووجد سونداريسان انه يقود سيارة محلية من نوع ماروني باليتو، بعد ان اعتاد قيادة سيارات غربية فاخرة مثل المرسيدس وبي ام دبليو في أميركا.

ويقول كيلا انه افتقد قيادة سيارته في أي مكان يريد وان يذهب في رحلات طويلة، ويذكر ان كيلا يسكن في مجمع سكني مغلق، لكنه يقول ان الحياة المريحة داخل هذا المجمع لا تغني عن حرية الحركة.

ترجمة: أشرف رفيق

Email