الأحياء العشوائية وانعكاساتها الأمنية

الأحياء العشوائية وانعكاساتها الأمنية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أدى النمو الحضري المتسارع في العديد من الدول النامية إلى مشكلات اقتصادية واجتماعية وصحية وأمنية وغيرها، فظهرت المناطق العشوائية التي تفتقر للخدمات الضرورية مثل الكهرباء ومياه الشرب النقية وشبكات الصرف الصحي، كما ارتفعت معدلات الجريمة وتدهورت صحة البيئة في المساكن العشوائية ومدن الصفيح والكرتون.

ويشكل النمو الحضري المتسارع الذي شهدته العديد من المدن العربية خلال النصف الأخير من القرن العشرين عبئاً ثقيلاً على الامكانيات والموارد المخصصة للمراكز الحضرية، ما جعل تنظيماتها الهيكلية ومؤسساتها الخدمية غير قادرة على تحقيق احتياجات السكان.

وعلى الرغم من ظاهرة التحضر ونشوء المدن في المجتمعات النامية قد سبق نشوء المدن في المجتمعات المتقدمة من الناحية التاريخية، الا أن خبرات الأولى عبر العصور المتعاقبة لم تتبلور في تنظيم سياسة يستطيع من خلالها التكيف مع المتغيرات السريعة الناتجة عن نمو المدن

ولذلك فإن الدول النامية ستعاني من التحضر السريع وستواجه العديد من المشكلات المعقدة. هذه المقدمة ساقها عبدالله العلي النعيم رئيس معهد المعهد العربي لإنماء المدن، في ورقة عمل قدمها في احد المؤتمرات المتخصصة.

ويقول عبدالله العلي النعيم رئيس معهد المعهد العربي لإنماء المدن ان معظم المدن العربية شهدت نمواً حضرياً متسارعاً نتيجة لتدفق تيارات الهجرة وارتفاع معدلات الزيادة الطبيعية، وتمركز هذا النمو بشكل واضح في المدن الكبرى،

بل كاد ينحصر في مدينة رئيسية كما هو الحال في القاهرة والخرطوم والرياض والدار البيضاء التي تعدُ من أسرع الحواضر والمدن نمواً في المنطقة العربية، لكن النعيم يحذر من ان المدينة العربية تواجه تحديات رئيسية تتمثل في التحديات السكانية المرتبطة بارتفاع معدلات النمو السكاني وازدياد الهجرة من الريف إلى الحضر لقصور برامج التنمية المتوازنة.

كما تواجه تلك المدن مشاكل بيئية وأمنية وظهور الاحياء العشوائية. وتشكل قضية قيام العشوائيات التي تشهدها معظم المدن العربية، مجموعة من القضايا التي ينبثق عنه كم هائل من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والعمرانية والأمنية وغيرها.

ظهور العشوائيات

بدأت ظاهرة الاسكان غير المشروع كرد فعل لعوامل متعددة، منها الاقتصادية والسياسية والديموجرافية والظروف الطبيعية، ما دفع العديد من سكان المناطق الريفية وغيرها، للنزوح نحو المدن والعواصم للإقامة على أطرافها، دون التقيد بقوانين ملكية الأراضي، ودون التقيد بنظم ولوائح التخطيط العمراني.

وعادة ما تشيد المساكن العشوائية من الصفيح أو الزنك أو الخشب أو الكرتون في شكل أكواخ متفرقة، وذات أزقة ضيقة يصعب تحرك المركبات داخلها. وغالباً ما تفتقر مناطق السكن العشوائي للخدمات الضرورية كالصحة والصرف الصحي وإصحاح البيئة والخدمات الأمنية وغيرها من الخدمات الأساسية.

واستخدمت العديد من المصطلحات للمناطق العشوائية كمدن الكرتون ومدن الصفيح، والاحياء الفقيرة، والمدن العشوائية، التي تعرف بأنها مناطق اقيمت مساكنها بدون ترخيص وفي أراض تملكها الدولة أو يملكها آخرون، وعادة ما تقام هذه المساكن خارج نطاق الخدمات الحكومية ولا تتوفر فيها الخدمات والمرافق الحكومية لعدم اعتراف الدولة بها.

كما اوضحت الدراسة التي أجراها المعهد العربي لإنماء المدن أن نحو 60% من العشوائيات في المجتمع العربي توجد على أطراف المدن و 30% توجد خارج النطاق العمراني، وتوجد 8% فقط وسط العاصمة. كما أوضحت تلك الدراسة أن معظم العشوائيات في الدول العربية تفتقر لخدمات الصرف الصحي. ومياه الشرب النقية ونقص المواد الغذائية وتنتشر فيها البطالة والجريمة والمخدرات والاعتداء على الممتلكات.

معوقات

ان المساكن العشوائية في الدول العربية تشكل معوقاً للتنمية، وبؤرة للمشكلات الاجتماعية والصحية والامنية. فتلك المناطق مغلقة، ويصعب السيطرة عليها امنيا. ففي جمهورية مصر العربية على سبيل المثال بدأت العشوائيات تشكل الانطلاق للجماعات المسلحة وكثرت فيها ما يعرف بالزاويا التي تنتشر فيها أفكار التطرف وتنشط فيها الجماعات الارهابية.

وأظهرت بيانات أمن الدولة العليا المصرية أن نسبة كبيرة من أعضاء التنظيمات المتطرفة والارهابية تأتي من مناطق عشوائية بالقاهرة والجيزة.

ويقدر عدد المناطق العشوائية في جمهورية مصر العربية بنحو 1034 منطقة، منها 903 مناطق مطلوب تطويرها وهنالك 81 منطقة مطلوب إزالتها.

ويسكن في تلك الأحياء العشوائية نحو 6ر12 مليون نسمة، ويشكلون نحو 46% من اجمالي سكان المراكز.ويعزا ازدياد عدد العشوائيات في البلاد العربية لعوامل عديدة، اهمها الهجرات المتزايدة نحو المدن والمراكز الحضرية الناتجة عن التنمية غير المتوازنة وعدم الاهتمام بالمناطق الريفية من حيث تحسين الاجور وتحسين الخدمات.

كما ادى ارتفاع قيمة الاراضي وارتفاع ايجارات المنازل في المدن والعواصم لنزوح بعض الأسر الفقيرة لأطراف المدن واقامة في الاحياء العشوائية. هذا بالاضافة لعدم تطبيق قوانين ملكية الأراضي والقوانين الخاصة بترخيص المباني.

انعكاسات أمنية

ارتبطت معظم المناطق العشوائية بانتشار الجريمة باعتبارها بيئة مناسبة لتفريخ الاجرام والمجرمين ومركز تصدير للجريمة بمختلف أنواعها. وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن عناصر الجماعات المتطرفة في جمهورية مصر العربية كانت تحرص على الاحتماء بالاحياء العشوائية داخل القاهرة الكبرى بعد ارتكابهم لعمليات تخريبية. كما أن أفراد عصابات تهريب المخدرات في كولومبيا كانت تلجأ للاختباء في المستوطنات المحيطة بمدينة (ليما).

وتؤكد دراسة ان المناطق العشوائية تزداد فيها معدلات الجريمة وتنتشر فيها الأنشطة الاقتصادية الهامشية وغير المشروعة. وتصعب السيطرة على بعض المناطق العشوائية لعدم توفر أجهزة الضبط الاجماعي وتمركز بعض الجماعات الرافضة والمتطرفة.

واصبحت بعض المناطق العشوائية مكاناً للخارجين على القانون والمتاجرين بالمخدرات، ونقطة جذب للكثيرين من أصحاب حالات الفساد الاجتماعي ومصادر ازعاج للاحياء المجاورة للعشوائيات.

وتتصف معظم المناطق العشوائية بعدم وجود منافذ لبعض المواقع، مما يؤدي إلى صعوبة الوصول إليها في الحالات الضرورية كالاسعاف أو الانقاذ في حالات الحريق أو مطاردة المجرمين، مما يجعل المناطق العشوائية بؤراً خطيرة لتفريخ الإجرام والمجرمين لبعدها عن الاجهزة الأمنية ولصعوبة الوصول إليها.

دبي - البيان

Email