التحكم المؤسسي والمراقبة على سلطات الادارة بالشركات

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاحد 3 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 4 مايو 2003 حظي موضوع التحكم المؤسسي Corporate Governance اهتماماً عالمياً كبيراً في الآونة الأخيرة، حيث كان هذا الموضوع محط اهتمام كبير للمساهمين، وذلك لأن ثروة المساهمين تعتمد بشكل كبير على أهداف الأشخاص الذين يضعون استراتيجية الشركات، كما أن مصلحة إدارة الشركة قد تتعارض مع مصلحة المساهمين. لقد تطورت الحوكمة عبر القرون الماضية وتلاقي الآن اهتماماً كبيراً نتيجة للأزمات التي تواجه الشركات المساهمة العامة والتي تؤثر ليس فقط على مجلس الإدارة والمساهمين والمدققين وإنما تؤثر أيضاً على الموظفين والزبائن والموردين وعلى الاقتصاد بشكل عام. وفي العادة كانت كل أزمة تمر بها شركة معينة ناتجة عن عدم الكفاءة، أو الغش والخداع أو سوء الاستخدام تقابل باستحداث أنظمة إدارية جديدة لمنع حدوث مثل هذه الأزمات. إن المتتبع لأوضاع الشركات في العالم، يدعو إلى تشديد المتابعة والمراقبة على سلطات الإدارة في الشركات، حيث أن هذه المتابعة أصبحت من الأمور المهمة لتصحيح أوضاع الاقتصاد وإصلاح الخلل في الأسواق المالية، وأن الإدارة الجيدة للمؤسسات الاقتصادية تؤدي إلى تدعيم وتحديث الاقتصاديات المرتبطة بالسوق العالمية، لذا فمن الضروري أن تتبع الشركات القواعد السليمة المعمول بها في إدارة الشركات. إن تنفيذ إصلاحات في إدارة الشركات يجب أن يتبع أسلوباً منظماً بحيث تضع الحكومات القوانين والأنظمة اللازمة وذلك لضمان وجود أنظمة رقابية قادرة على تنفيذ هذه الإصلاحات وتغيير أفكار الجمهور لضمان معرفتهم الكاملة بأن أي شخص يخالف القوانين والنظم سوف يواجه بعقوبات رادعة لعدم التزامه بها. وتنظر دول العالم اليوم إلى الممارسات المتطورة في الحوكمة باعتبارها أساساً لزيادة الرخاء، وخلق فرص العمل من خلال تدعيم قدرات الشركة على التنافس لاجتذاب رؤوس الأموال العالمية. ويجد المتفحص لأنظمة إدارة الشركات في الأردن إلى أن الأردن يسعى جاهداً إلى تطبيق المعايير الدولية في هذا المجال، وعند إجراء مقارنة بسيطة بين تلك المعايير الصادرة عن منظمة الـ OECDوبين ما هو مطبق في الأردن نجد ما يلي: فيما يتعلق بالإطار القانوني فإن قواعد إدارة الشركات في الأردن منظمة ضمن تشريعات قانون الشركات رقم 22 لسنة 1997 وتعديلاته والذي ينظم عمل الأنواع المختلفة من الشركات وقانون الأوراق المالية المؤقت رقم 76 لسنة 2002 والذي ينظم سوق الأوراق المالية في الأردن، كما ينظم عمل كل من البورصة والوسطاء وصناديق الاستثمار كذلك الأنظمة والتعليمات الصادرة عن مؤسسات سوق رأس المال، كما تنظم قوانين البنوك ومراقبة أعمال التأمين والاتصالات الأمور المرتبطة بالبنوك وشركات التأمين وقطاع الاتصالات لتكمل بذلك قوانين الشركات والأوراق المالية. أما بخصوص حقوق المساهمين فقد أعطت التشريعات الأردنية المنظمة للشركات المساهمة العامة (باعتبارها الشركات التي يسمح بإدراج وتداول أسهمها في البورصة) المساهمين ضمانات كافية، حيث نجد سهولة تسجيل وانتقال الملكية وحق المساهم في الاطلاع على البيانات التي تخص عمل الشركة وحق المساهم في حضور اجتماعات الهيئة العامة العادية وغير العادية وحق المساهم في التصويت على قرارات الهيئة العامة وحق المساهم في المشاركة بأرباح الشركة. وبالنسبة لمسئوليات مجلس الإدارة فقد نظم قانون الشركات عملية انتخاب أعضاء مجلس الإدارة بحيث يقوم أعضاء الهيئة العامة ومن خلال الاقتراع السري بانتخاب أعضاء مجلس الإدارة ولمدة أربع سنوات، حيث يقوم الأعضاء بانتخاب الرئيس ونائبه من بينهم، كما حدد نظام الشركة عدد الأسهم التي يجب أن يمتلكها المساهم حتى يترشح لعضوية مجلس الإدارة (حيث لا يجوز له التصرف بها طيلة مدة عضويته)، هذا وتتمثل مهام مجلس الإدارة في إدارة أموال الشركة والاقتراض وتعيين الإدارة التنفيذية ودعوة المساهمين لاجتماعات الهيئة العامة وتقديم التقارير المالية للهيئة العامة. ولقد اعتبر القانون مجلس الإدارة مسئول تجاه الشركة والمساهمين عن كل مخالفة للقوانين والأنظمة أو أي خطاء في إدارة الشركة. وضمن قانون الشركات معاملة متكافئة للمساهمين حيث أن جميع الأسهم لها نفس الحقوق وعليها نفس الالتزامات، وان قرارات الهيئة العامة ملزمة للمساهمين الذين حضروا الاجتماع والذين لم يحضروا وأجاز القانون للمساهمين حق الطعن في اجتماعات الهيئة العامة وقراراتها. وحول دور أصحاب المصالح في إدارة الشركات فقد منح قانون الشركات حماية خاصة لحاملي أسناد القرض وللدائنين بحيث تشكل هيئة تسمى هيئة مالكي أسناد القرض مهمتها حماية حقوق مالكيها، كما اشترط موافقة الدائنين على تخفيض راس المال أو الاندماج أو التحول، كذلك حقهم بمتابعة إجراءات تصفية الشركة. وبالنسبة للإفصاح والشفافية فقد صدرت تعليمات خاصة بالإفصاح من قبل هيئة الأوراق المالية حيث ألزمت الشركات بالإفصاح عن البيانات الدورية التي تتضمن نتائج أعمالها السنوية ونصف السنوية. كما ألزمتها بالإفصاح عن نتائج أعمالها الأولية خلال مدة 45 يوما من انتهاء سنتها المالية. وكذلك الإعلان أو التصريح فوراً عند حدوث أمور جوهرية أو أحداث هامة من المحتمل أن تؤثر على موقف الشركة. كما طالبت هذه التعليمات بتشكيل لجنة تدقيق من ثلاثة أعضاء من مجلس الإدارة غير التنفيذيين أنيط بها العديد من المهام بخصوص التدقيق الداخلي والخارجي وأمور الشركة المختلفة على أن تجتمع اللجنة ما لا يقل عن أربع مرات في السنة وإعلام الهيئة بتشكيلها. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هنالك تقدماً واضحاً قد شهدته السنوات الأخيرة وذلك من حيث التزام الشركات بالإفصاح عن الأمور الجوهرية التي تؤثر على أسعار أوراقها المالية بما في ذلك تقاريرها المالية وغير المالية، وكذلك تشديد العقوبات على الشركات غير الملتزمة بتعليمات الإفصاح سواء من خلال نشر أسماء هذه الشركات أو وقفها عن التداول في البورصة. وأولت التشريعات الأردنية موضوعات معايير المحاسبة والتدقيق اهتماماً خاصاً حيث ألزمت تعليمات الإفصاح الصادرة عن هيئة الأوراق المالية جميع الجهات الخاضعة لها، بما في ذلك الشركات المساهمة العامة، بتطبيق معايير المحاسبة الصادرة عن لجنة المعايير المحاسبية الدولية وكذلك إلزام الشركات المصدرة في بداية كل سنة بتشكيل لجنة تدقيق Audit Committeeمن ثلاثة أعضاء غير تنفيذيين تتولى دراسة ومناقشة الأمور المتعلقة بتدقيق الحسابات والتقارير المالية السنوية ومناقشة ملاحظات المدقق الخارجي المتعلقة بنظام الرقابة الداخلي وأجوبة الشركة عليه، كما اعتمدت الهيئة معايير التدقيق الدولية الصادرة عن لجنة معايير التدقيق الدولية ووضعت شروطاً ومعايير لمدققي الحسابات المؤهلين لتدقيق حسابات الشركات المصدرة للأوراق المالية. وعلى العموم لابد من التأكيد على أهمية زيادة فعالية التحكم المؤسسي لضمان التزام الشركات بالقوانين والأنظمة والتعليمات النافذة، وخاصة ما يتعلق بالتزامهم بالإفصاح والشفافية الكاملة سواء فيما يتعلق بالأمور الجوهرية التي تؤثر على أسعار الأوراق المالية والأمور الإدارية وغيرها وكذلك تشديد العقوبات على الشركات غير الملتزمة بتطبيق التشريعات أو نظم الإدارة السليمة والتي تضمن حقوق المساهمين ومعاملتهم معاملة عادلة ومحاربة سوء الإدارة والتعامل الداخلي نظراً لأهمية ذلك في إعطاء صورة افضل عن الشركات المساهمة العامة مما سيكون له اكبر الأثر في جذب الاستثمارات وتعزيز معدلات النمو الاقتصادي، ومن المهم أيضاً أن تقوم مبادئ الحوكمة على أساس إيضاح أدوار جميع الجهات المرتبطة بالشركة بما في ذلك مجلس الإدارة ومدقق الحسابات والجهات الرقابية والإدارة التنفيذية والمساهمين وكذلك علاقة هذه الجهات مع الأطراف الأخرى ومن المهم أيضا اعتماد أطر محددة للحوكمة يطبق على الشركات المدرجة بالبورصات ليسهل الوقوف على مستوى وكيفية الالتزام بهذه الأطر وتشجيع الإفصاح عن موضوع الحوكمة في التقارير الصادرة عن الشركات. بقلم: جليل طريف

Email