الصراع الدولي على غنائم حرب الخليج

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاحد 3 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 4 مايو 2003 دوما ما يكون للحروب حصاد ودوما ما يكون هناك خاسر ورابح فالمنتصر هو من يربح الحصاد والمهزوم هو من يدفع الثمن، وهنا يتباين الثمن بين معركة وأخرى فالثمن يكون غاليا وصعبا حينما تكون الكفة لصالح المنتصر وميزان القوة يميل لصالح المنتصر فيما الضعيف دوما ما يكون مهزوما في أية معركة، سواء أكانت عسكرية، أو اقتصادية أو سياسية، ودوما ما يفرض أو يملي المنتصر القوي شروطه واملاءاته على المهزوم الضعيف، وهذا ما حدث في الخليج. هذه المنطقة التي أصبح قدرها أن تكون غنية بثروة النفط وبالتالي دوما ما تكون مستهدفة من قبل الطامعين فيها لا سيما إذا كان هؤلاء الطامعون مجموعة من الدول العظمى التي لم تكن يوما تراعي حقوق الإنسان في غير مناطقها، ولم تكن يوما تعمل على استقرار مناطق غير مناطقها ولا تنمية شعوب غير شعوبها، ودوما ما تنصب المشانق لاعدام حريات الشعوب واضطهادهم تارة باسم التنمية والحرية، وتارة باسم الارهاب وتهديد حضارة الدول المتقدمة. ورغم كل التنازلات التي قدمتها وتقدمها دول منطقة الخليج للدول الطامعة، إلا ان هذه الأخيرة تتجاوز في طغيانها وظلمها وتجد ان ما أخذته هو حق لها وان لها حقوق أكبر ومصالح أعظم في هذه المنطقة التي لن تتنازل عنها حتى لو كان على حساب حصد الزرع والضرع والبشر بآلات الحرب. وهكذا تحملت منطقة الخليج طوال تاريخها حصاد الصراع بين الدول الاستعمارية ودوما ما يكون حصادها من الحرب المزيد من التخلف وعدم الاستقرار ويبدو ان المستقبل يخبئ المزيد من الويلات والصدمات والأزمات لحكومات وشعوب هذه المنطقة والمزيد من التدمير والقهر النفسي. وهكذا يصبح قدر هذه المنطقة أن تكون بوابة كبيرة نحو العولمة (الهيمنة) حيث تصبح الدول العظمى الصناعية هي اللاعب الرئيسي في ساحة العولمة فيما تصبح شعوب ودول العالم ومنها دول الخليج لاعبين ثانويين في لعبة الصراع الدولي في ساحة العولمة!! هذه المنطقة التي أصبحت تزداد أهميتها مع مرور الوقت بالنسبة لأطراف الصراع بسبب ما تملكه من ثروات نفطية حيث احتياطياتها النفطية التي تقدر بثلثي الاحتياطيات النفطية في العالم، ثم احتياطيات استراتيجية من الغاز (إيران ثاني دول العالم، وقطر ثالث دول العالم) ثم إن أهميتها تكمن في كونها سوقا للسلاح الأميركي والأوروبي وكلما أصبحت شركات السلاح تعاني من ركود أو كساد أوعزت إلى حكوماتها نحو خلق أزمة جديدة بالمنطقة فتتسارع الدول لارضاء هذه الشركات بشراء أسلحتها التي ربما البعض منها كاسد!! ثم حينما تعاني اقتصاديات دول الصراع من ركود اقتصادي ومالي وتعاني خزائنها من نقص في السيولة فإنها تعمد إلى تفجير أزمة عسكرية في منطقة الخليج لتتدفق السيولة إلى مصارفها وأسواقها وبالتالي تتوفر لديها السيولة اللازمة لانعاش اقتصادياتها. وحينما ترغب في المزيد من السيولة وتنشيط حركة التجارة وسوق الاستهلاك فإنها تنظر إلى السوق الاستهلاكية في الخليج لتخلق فيها حربا نفسية تارة واعلانية تارة أخرى أو تسويقية تارة ثالثة وهنا يتدفق الناس في الخليج إلى الأسواق لشراء سلع ومنتجات استهلاكية وكمالية لا ضرورة لها سوى ان الدافع نفسي وربما قهري لارضاء السادة المنتجين في الشركات الأميركية والأوروبية، وإذا ما فكرت دول المنطقة بكسر طوق الهيمنة هذه فإن رد دول الصراع يكون بإتهام دول الخليج بأنها تقوم بممارسة الارهاب ضد حضارة هذه الدول العظمى وتهدد مصالح واستقرار اقتصاديات الدول ذات السيادة العالمية!! هنا تتدخل لضرب محاولات التحرر الاقتصادي وتضرب كل مشاريع التنمية التي تعمل دول الخليج على تنفيذها والشروع فيها. وهكذا تعمل دول الصراع من خلال افتعال أزمات اقتصادية، أو حدودية اقليمية بين دول المنطقة أو تغزو هذه المنطقة بأسلحتها وعسكرها كما حدث في عام 1991 ثم في غزو العراق في عام 2003 بهدف السيطرة على مصادر القوة وتجفيف آبار النفط فيها ثم مصارفها وخزائن حكوماتها. هذه هي استراتيجية الصراع الدولي في هذه المنطقة والتي يرفض البعض استيعابها وفهم مدلولاتها وأهدافها الأمر الذي أدى إلى حدوث فراغ اقتصادي كبير سهل من مهمة دول الصراع في الوصول إلى أهدافها بكل يسر وسهولة!! بل ومن منطلق السعي الدؤوب لدول المنطقة لارضاء دول الصراع فإنها تعمل على الشروع في وضع كل القوانين والأنظمة التي تعطي وتمنح الأفضلية لشركات دول الصراع للاستثمار أو لاستغلال ثرواتها تحت مظلة الاستثمار الأجنبي والخصخصة، وهي بذلك تحقق أهداف دول الصراع كضريبة للاستقرار الوقتي في هذه المنطقة والمحافظة على الكيانات السياسية فيها، وهكذا وارضاء لدول الصراع، فقد شرعت دول المنطقة بواباتها للشركات والاستثمارات الأجنبية رغم يقيننا بأنها في غير حاجة لرؤوس أموال أجنبية ولكونها دول لديها من السيولة اللازمة للمشاريع والاستثمار ولكنها ـ أي تلك السيولة ـ في هيئة ودائع واستثمارات خارجية!! إذا كانت الدول المستهلكة للنفط الخليجي ولا سيما الدول الصناعية وعلى رأسها الولايات المتحدة قد حددت موقفها وأهدافها الاقتصادية والاستراتيجية من الحملة العسكرية الأميركية البريطانية على العراق فإنه من المتوقع أن يحتدم الخلاف وتتزايد حدة الصراع الدولي خلال الفترة المقبلة على غنائم الحرب الثالثة هذه ويعزى هذا الخلاف أو الصراع المتوقع إلى تباين المصالح وتزايد حدته بين الأطراف سواء في النفط العراقي، أو حصة شركات هذه الدول في عمليات الاعمار واعادة تأهيل البنية الأساسية للعراق عامة وللاقتصاد العراقي خاصة. حتى (إسرائيل) قد أعلنت مؤخرا عن أطماعها في نفط العراق حيث نشرت صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية عن نية (إسرائيل) في تشغيل خط أنابيب النفط بين الموصل وميناء حيفا وامداد مصافي النفط الضخمة في حيفا بالنفط العراقي بدلا من استيراد النفط الروسي (الأغلى ثمنا) والأكثر تكلفة، وهذا يعني ان (إسرائيل) أصبحت طرفا في الصراع الدولي على اقتسام غنائم الحرب وتعمل على تحقيق حلمها في الوصول إلى المياه الدافئة (الخليج) مؤكدة قدرتها على اختراق الحواجز العربية المهلهلة والضعيفة لتصل إلى العراق (عدو الامس)!! ثم باقي دول الخليج التي سوف تجد نفسها مضطرة لفتح أسواقها واقتصاداتها بشكل علني هذه المرة للاستثمارات والشركات ذات الجنسية الإسرائيلية ودون حاجة لان تدخل هذه المنطقة (المحرمة) من قبل بأسماء شركات أوروبية أو آسيوية!! وإذا علمنا بأن عقود اعمار العراق أصبحت تنهال على الشركات الأميركية وقدر ضئيل لشركات غير أميركية حصلت عليه شركات تدور في فلك السياسة الأميركية وباركت الغزو الأميركي للعراق، وإذا علمنا بأن النية تتجه نحو تصدير النفط العراقي بتوجيه من قبل القيادة الأميركية ودون شرعية دولية وتجاوزا لسيادة العراق على موارده وثرواته الطبيعية، فإنه والأمر كذلك ـ كيف يكون موقف الدول الأخرى التي لن تستفيد من غنائم الحرب وخاصة الدول المناهضة للغزو الأميركي ـ البريطاني للحرب (ألمانيا، فرنسا، روسيا) ثم الدول الآسيوية كالصين ودول جنوب شرق آسيا، وهل تقبل هذه الدول بتجيير تلك الغنائم لصالح الولايات المتحدة التي سوف يكون لها نصيب الأسد. بل ستصبح ذات سيطرة اقتصادية على العراق مستقبلا خاصة وان هذه الدول لم تستفد من قبل من غنائم حرب الخليج الثانية رغم مشاركتها فيها عام 1991، وهل ستترك هذه الدول الولايات المتحدة الأميركية تنفرد بالعراق وهي تدرك العمق الاقتصادي والاستراتيجي للعراق؟! ثم هل سترفع هذه الدول يدها عن منطقة الخليج ذات الحساسية العالمية في الاقتصاد العالمي وتقبل بالفتات الذي ربما تتصدق به الولايات المتحدة الأميركية عليها!! كيف يكون موقف حكومات تلك الدول أمام ضغوط شديدة من قبل شركاتها الطامعة في نصيب من غلة الحرب وغنائمها؟! وكيف يصبح موقف تلك الحكومات أمام برلماناتها وهي تتهمها بخطأ تقدير الأمور وفي رؤية المستقبل للمصالح الاستراتيجية حينما تركت الولايات المتحدة تنفرد بالعراق ومنطقة الخليج عامة، وتتحكم في مفاتيح النفط الخليجي الذي سوف تزداد أهميته بشكل كبير في المرحلة المقبلة وفي الألفية الثالثة خاصة؟! من هنا يتأكد لنا بأن الحرب لم تلق بأوزارها بعد ولم تبدأ مع بدء العمليات العسكرية ضد العراق، ولم تكن حربا بين الولايات المتحدة وبريطانيا من طرف والعراق من طرف آخر، إنما هذه الحرب ربما تكون قد انتهت من الناحية العسكرية ولكنها بدأت تتفاقم بين الأطراف المتصارعة ذات الوزن الكبير بين الولايات المتحدة من طرف وباقي دول العالم من طرف آخر وبما فيها دول الخليج الأخرى، ثم هناك حرب اقتصادية بين الولايات المتحدة من ناحية وشعب العراق الذي لن يقبل بتلك القسمة أو الانفراد الأميركي، كما لن يقبل باستباحة ثرواته ولا سيما نفطه بطريقة غير مشروعة ودون ارادته أو بقرار من حكومة شرعية ينتخبها هو بذاته.. إنها حرب صعبة سوف تخوضها مختلف الأطراف وسوف تكون لها انعكاسات وتبعيات خطيرة ليس على اقتصادات الدول الأخرى فحسب وإنما على منطقة الخليج عامة وبما فيها العراق، إنها حرب اقتصادية أو حرب المصالح الصعبة!! وهكذا يتأكد لدول المنطقة وشعوبها أولا ثم لدول العالم ثانيا بأن هذه المنطقة كانت وسوف تبقى تشكل عمقا استراتيجيا في السياسة الاقتصادية الدولية، ثم انها سوف تكون ضلعا مهما وحيويا في العلاقات الاقتصادية والتجارية الدولية. وعلى حكومات دول المنطقة أن تعمل للاستفادة من هذه الصراعات واستثمار تلك الأهمية بما يخدم أهداف شعوبها ويحقق الاستقرار بالمنطقة والتنمية فيها. بقلم: نجيب عبدالله الشامسي

Email