أميركا تستنزف بترول العراق خلال 27 عاماً فقط وفاتورة قاسية يتحملها الاقتصاد المصري

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاربعاء 30 محرم 1424 هـ الموافق 2 ابريل 2003 أعرب وزراء سابقون واقتصاديون مصريون عن تشاؤمهم بمستقبل الاقتصاد المصري نتيجة تداعيات الغزو الأميركي البريطاني للعراق، وأكدوا خلال استعراضهم للأوضاع الاقتصادية الحالية وما تشهده من ركود وزيادة في حجم التضخم، وبطالة وضعف في موارد النقد الأجنبي أن السنوات المقبلة لن تبشر بالخير بسبب ما يضيفه العدوان على العراق. وزادت ندوة عقدتها جمعية الاقتصاد والتشريع في مصر من تحذيرها حول ذلك، وشارك فيها نخبة من الاقتصاديين البارزين في مصر جاء في مقدمتهم الدكتور إسماعيل صبري عبد الله وزير التخطيط الأسبق ومحمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق، وسلطان أبو على وزير الاقتصاد الأسبق وغيرهم من خبراء القانون والاقتصاد . وأشار الدكتور إسماعيل صبري عبد الله في الندوة التي ناقشت الآثار الاقتصادية لحرب العراق مدى تأثر الموارد النقدية المصرية بسبب الحرب مؤكدا أن ميزان المدفوعات المصري يعاني من عجز كبير منذ عشرين عاما متوقعا تأثر الموارد النقدية بشكل أكبر وخاصة قناة السويس التي ينظر إليها وقت الحرب على أنها منطقة مخاطر تتجنب السفن عبورها وأن المرور بها يتطلب تأمينا إضافيا وكذلك صادرات البترول التي ستتأثر بدورها خاصة وأن مصر تعاني من خلل في ميزان مدفوعات البترول نتيجة انها تستورد منتجات بترولية أهمها الغاز فهي تشتري نصيب الشركات الاجنبية في قيمة الصادرات المصرية من البترول مقابل عمليات البحث والتنقيب. كما اشار د. إسماعيل إلى تأثر تحويلات المصريين من النقد الأجنبي وخاصة المقيمين بالعراق والمتوقع عودتهم وشكك في عددهم الذي اعلنه وزير القوى العاملة المصري ويتراوح ما بين 30-50 الف مصري مشيرا إلى أنها أكثر من ذلك وقال أن تحويلات المصريين لم تكن تقل عن 3.5 مليارات دولار سنويا وتوقع د. إسماعيل عبد الله أن يحتفظ هؤلاء بأموالهم عند عودتهم خاصة مع توجه الحكومة بتخفيض سعر الفائدة على ودائع الجنيه المصري مما سيخلق ظاهرة الدولرة في السوق . كما استعرض وزير التخطيط الاسبق أوضاع السياحة المصرية مؤكدا أن موسم سياحيا كاملا لم يأت فيه السياح إلى مصر ومع موسم الحر سوف تتقلص أكثر أعداد السائحين وقال ان مصر كانت تعتمد على السياحة العربية في حالة تأثر السياحة الغربية ولكن في هذه الظروف العرب غير مستعدين للسفر إلى مصر مما سيؤدي إلى تزايد البطالة للعاملين في قطاع السياحة التي تعد من أكثر القطاعات استيعابا للعمالة بدءا من حامل الحقائب في المطار حتى المرشد السياحي وأضاف: سوف تتأثر أيضا وسائل النقل وخاصة في مجال الطيران حيث يتعرض الطيران العالمي لأزمة مشيرا إلى أن عام 2003 شهد أكبر انخفاض في أرباح شركات الطيران مثل أكبر شركة في ألمانيا وكذلك شركة إيرفرانس وسويس اير وكذلك شركة مصر للطيران التي تأثرت رحلاتها القادمة من أوروبا والغرب بشكل عام كما تأثرت إيرادات مصر للطيران الواردة من الخدمات الأرضية للترانزيت حيث تسدد كل طائرة نحو 20 دولارا نظير الخدمات. وأشار عبدالله الى تأثر النقل البحري قائلا ان استخدامه يتطلب تأمينا إضافيا الأمر للإنتاج الصناعي والتصدير حيث تعتمد معظم الصناعات الحديثة على مكونات أجنبية من قطع غيار ومستلزمات إنتاج وقال ان عددا كبيرا من المصانع متوقع إغلاقه نتيجة ارتفاع تكلفة النقل ونتيجة تحرير سعر الصرف فضلا عن ضعف السلع المصرية في مجال المنافسة. وأكد د. إسماعيل صبري عبد الله أن الحكومة المصرية لم تتخذ الاحتياطات استعدادا للحرب وضرب مثلا بحرب أكتوبر حيث لم تشهد مصر أزمة تموينية في تلك المرحلة ومعدل التضخم لم يزد على 3% وقال ان هناك مشكلة في تأمين احتياجات مصر من الحبوب الغذائية، السكر والزيت وخاصة الزيوت النباتية فقد نقصت مساحة القطن من 1.5 مليون فدان في الستينيات إلى 750 ألف فدان مما اثر على إنتاج الزيوت المحلية في الوقت الذي يتم فيه استيراد زيت الذرة وعباد الشمس وكذلك تعاني مصر من مشكلة التخزين للحبوب لعدم وجود صوامع كافية وحمل الحكومة مسئولية عدم وضع سياسة متكاملة لمواجهة هذه الظروف الشاقة. بينما استعرض د. محمد محمود الأمام وزير التخطيط الاسبق الآثار الاقتصادية للحرب العراقية من خلال علاقة الاقتصاد المصري بمجموعة من الاسواق وكذلك بشبكة العلاقات الخارجية موضحا ان هناك خللا في البنيان الهيكلي المصري والذي لا يعد وليدا للحرب ولكنه يظهر بشدة في الحرب لأنها تكشف العورات المستورة وقال ان أهم الاسواق التي ستتعرض لمشاكل كبيرة هي سوق السلع الاستراتيجية نتيجة رفع الاسعار وصعوبة النقل وظهور عجز في الموارد مما يستلزم السيطرة على الصعود الفاحش في الاسعار ويتطلب ترشيد الطلب إلى جانب تأثر سوق البترول والغاز في مصر ليسا كمصدر للطاقة ولكن لتأثير هما على تكاليف الإنتاج المحلية والصادرات. وقال الامام ان حرب العراق هي بداية حرب بترول طويلة الأجل فالهدف الأساس منها الإستيلاء على بترول العراق ولابد من العمل مع مجموعة الدول المصدرة للبترول والتحول من الإرتباط بالدولار إلى اليورو وقد يكون لذلك تداعيات ولكنه ضروري وقال الامام ان من بين أسباب الضربة العراقية هو تحول العراق من التعامل بالدولار إلى اليورو وكذلك فنزويلا. واضاف بأن مصر تحتاج ترشيد لسوق النقد الأجنبي وكذلك سوق رأس المال فرأس المال لا يأتي لبناء دولة ولكن يأتي لتواجد قاعدة إنتاجية لها ربحية وتحتاج لنظام نقدي قوي. وشدد الإمام على ضرورة إعادة النظر في اعتماد الاقتصاد المصري على السياحة بسبب ما تتعرض له من تقلبات وكذلك إعادة النظر في الشراكة مع أميركا والبحث عن أسواق أخرى أفريقية وآسيوية وضرورة التخلص من المعونات في فترة محدودة وطالب بمقاطعة بريطانيا بسبب تضامنها مع أميركا ومقاطعة أي دول أخرى أيدت قرار الحرب. كما تحدث د. سلطان أبو على وزير الاقتصاد الأسبق وقال أن للحرب أثار على المعتدي وليس المعتدى عليها فقط وكانوا يقولون قبل ذلك ان الحروب تنعش اقتصاد الدول ربما كان ذلك صحيحا في فترة الستينيات ولكن الاحوال مختلفة الآن وستكون الآثار مدمرة على الطرفين وأضاف بأن هذه الآثار تتوقف على عدة عوامل أولا مدى إستمرار هذه الحرب، وهل ستكون حرب نظامية أم حرب عصابات وهل ستمتد إلى دول أخرى خاصة مع الإتهامات الأميركية الآن لكل من سوريا وإيران فضلا عن حقيقة أهداف هذه الحرب وما تتضمنه من تغيرات على المنطقة العربية وقال ان تقدير الآثار الاقتصادية يحتاج لمنهج ولرصد العلاقات المتشابكة للإقتصاد المصري وغير ذلك مجرد تخمينات ذكية في ضوء المتغيرات وطرح سلطان أبو على ثلاثة سيناريوهات أولها الأقل ضررا على الاقتصاد المصري والتي قد تحدث تحسن ملحوظ في ميزان البترول مع وجود حصيلة صادرات مناسبة منه والسيناريو الثاني يتمثل في تأثير محدود على الصادرات بتوقف صادرات مصر للعراق والتي تصل إلى مليارين دولار والسيناريو الثالث الأشد ضررا وهو توقف الصادرات وعودة المصريين من الخارج ويقدر أعدادهم بنحو مليون 700 ألف قد يعودون فضلا عن زيادة فاتورة الواردات وأشار أبو علي إلى مايسميه بالسيناريو المعتدل والمقدر فيه خلال سنة أن يكون هناك نقص في حصيلة العملات الأجنبية وزيادة في الواردات من السلع الاستراتيجية وتقدر خسائره بـ 4.4 مليارات دولار بينما السيناريو الاشد ضررا تقدر خسائره بـ 8 مليارات دولار. وقال ان العائدين من الخارج سوف تصرف لهم تعويضات إذا قدرت بـ 2500 جنيه للفرد لـ 400 الف عامل. ويرى سلطان أبو علي أن هذه السيناريوهات تحتاج لمواجهة بإعادة هيكلة الاقتصاد المصري عن طريق أعداد خطة طوارئ لمواجهة الآثار وترشيد الاستهلاك وزيادة معدل الإدخار المصري الذي لا يزيد عن 15% بينما يصل في تونس إلى 40%. وعن تأثير الحرب على البيئة قال تناول ذلك الدكتور محمد عبد البديع عمران نائب رئيس مجلس الدولة والخبير البترولي الذي أكد أن للحرب تأثيرات سلبية على البيئة من خلال ظاهرة التلوث وإستنزاف الموارد في الحرب نتيجة الحرائق التي تنتج عن القصف ونتيجه احتراق البترول الذي يطلق مجموعة من الغازات الضارة مثل أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد النيتروجين وغيرها وهو ما يسبب ظاهرتين أولاهما الضباب الدخاني الذي قد يؤدي للوفاة والامطار الحميمة المليئة بالأكاسيد وهو ما يحتاج تكلفة عالية لمعالجة تلك الآثار. وأشار عمران إلى أن الهدف الاساسي للحرب هو تأمين احتياجات أميركا من البترول وإستنزاف المورد نفسه من المنطقة خاصة وأن البترول يمثل 40% من مصادر الطاقة والفحم لا يزيد عن 22% الغازات 2%، الطاقة النووية 6%، مساقط المياه 6% ولا تصلح كل تلك المصادر كبديل للبترول نظرا لنضوب بعضها ولإرتفاع تكلفة إستخراج البعض الآخر وأضاف أنه منذ حرب 73 والعالم يبحث عن بدائل للبترول وفشل في ذلك وقال ان أميركا تنتج 3.5 ملايين برميل يوميا وتستورد 10 ملايين أي أنها تستهلك بقيمة 300 مليون دولار يوميا إذا كان السعر 30 دولارا وفي العام 110 مليارات دولار وأوضح أنه في حالة إنتصار أميركا سوف تفرض سعرا للبترول لا يزيد عن 15 دولارا للبرميل وإذا إستخدمت صيغا صحيحة لحساب السعر من احتياطي، ومعدل إستنزاف وإستثمار ونفقة الإستثمار يصل سعر البرميل إلى 60 دولارا رغم ذلك هي تتغاضى عن ذلك وتزيد فرض سعر يناسبها وسوف تفرض على دول البترول وعلى دول الخليج خصما في سعر البرميل يقدر بـ 15 دولارا مقارنة بسعره الحالي وتوفر بذلك 55 مليار دولار سنويا. وستجبر العراق بدلا من أن ينتج 2.8 مليون برميل يوميا خلال 100 سنة أن ينتج 10 ملايين وهذا يعني أنها سوف تستنزف بترول العراق خلال 27 سنة وللمرة الأولى. تواجه أبشع جريمة بيئية في التاريخ وهي إستنزاف أميركا لمورد البترول العراقي بهذا الشكل.

Email