تبدأ اليوم اعمال المؤتمر الدولي «الحضارة الصناعية والاقتصاد» الذي ينظمه مركز زايد للتنسيق والمتابعة، وتشارك فيه نخبة من رجال الاقتصاد العالميين في افرع الاقتصاد المختلفة. ويقدم مركز زايد ورقة في المؤتمر بعنوان «التنمية الاقتصادية في فكر صاحب السمو الشيخ خليفة»، تؤكد أن تجربة التنمية في دولة الامارات العربية تعد نموذجا يحتذى به عربيا واقليميا ودوليا، وهذه التجربة في حاجة الى مزيد من البحث والتحليل لاهدافها وخططها وآلياتها التي سمحت لهذه الدولة العربية أن تحقق معدلات كبيرة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتقول الورقة : ان ما حققته دولة الامارات من انجازات تتمثل في النهضة العمرانية والصناعية والزراعية والتجارية وغيرها يعد بكل المقاييس الدولية معجزة حقيقية سابقت الزمن وغالبت العصر في مجالات التحديث والتخطيط والتنفيذ، وقد انعكس ذلك كله في المشهد الحضاري للدولة القائم اليوم في روعة وشموخ. وتضيف انه حري بنا ونحن نتحدث عن مسيرة النهضة المشهودة لدولة الامارات العربية المتحدة أن نستجلي ونتأمل فكر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الاعلى للقوات المسلحة الذي اظهر قدرة فائقة في التعامل مع الافكار والرؤى الاقتصادية الناجحة وفي التأثير الايجابي باتجاه تجسيد الاستراتيجيات الكبرى التي ساهم في صنعها ووضع اطرها ووسائلها، مسترشدا في ذلك بخبرته الطويلة في تحمل المسئولية والاشراف على المشاريع، ويؤكد ذلك في قوله: اننا قمنا بارشادات مؤسس هذا البلد والدنا صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة، ونفذنا اوامره التي كانت تصدر لمصلحة الشعب، فبعد أن اعلن كلمته المشهورة «لا فائدة من المال اذا لم يسخر لمصلحة الشعب» قامت الاعمال على قدم وساق. ويعبر صاحب السمو الشيخ خليفة عن نهج الاستمرارية في تنفيذ استراتيجية التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي باشرتها الدولة وحققت اعلى معدلات النمو الاقتصادي بقيادة وتوجيهات صاحب السمو رئيس الدولة ويؤكد سموه هذا التواصل في قوله: نحن ماضون باذن الله.. في العمل على تكوين واقامة هيكل اقتصادي متوازن، يقوم على تنويع مصادر الدخل، وضمان استمرار معدلات نمو جديدة في كافة القطاعات، والارتفاع بمستوى معيشة ودخل المواطنين. وفي اول يوليو 1971 عندما صدر قانون اعادة التنظيم الحكومي في أبوظبي عين سموه رئيسا لمجلس وزراء أبوظبي ووزيرا للدفاع والمالية واسهم بذلك مساهمة فعالة في كل النشاطات التي استهدفت بناء ركائز المجتمع على اسس متينة، وتواصل مشوار سموه على هذا المنوال، حيث عين عقب اعلان الاتحاد في الثاني من ديسمبر 1971، نائب لرئيس مجلس الوزراء، ويترأس سموه منذ 1974 وحتى الان المجلس التنفيذي لأبوظبي. أن هذا المشوار الحافل بالبذل والعطاء يكشف عن روح مسئولة ومتطلعة دوما الى الاضافة البناءة ودعم التنمية الشاملة، وليس هذا بمستغرب عن سموه وهو المدرك مدى معاناة المنطقة ماضيا وتطلعاتها حاضرا ومستقبلا، وهو لاجل ذلك خاض ميادين التشييد والتطوير والتحديث تاركا وراءه سجلا حافلا من الاقوال والافعال التي تضيء جوانب من فكر وسلوك سموه الاقتصادي والتنموي بوجه عام. لقد شملت رؤية وانجازات صاحب السمو الشيخ خليفة كل المجالات، حيث تجلت بصماته واضحة في تأسيس قيادة العديد من القطاعات الاستراتيجية بالدولة، فعلى صعيد قطاع النفط يترأس سموه المجلس الاعلى للبترول الذي انشيء في عام 1988، ويعمل على توجيهه نحو ما يحقق المصلحة الوطنية، سيما وأن هذا المجلس هو الذي يتولى وضع السياسة البترولية ويعنى بتطوير الصناعات النفطية، وقد اكد صاحب السمو الشيخ خليفة حرص الدولة على أن يستفيد ابناء الوطن من ثروة النفط التي حبا الله تعالى بها البلد، وأن يستفاد من هذا الخير في تعليم المواطنين والرعاية الصحية وتوفير المرافق الضرورية وتحقيق حياة كريمة لكل مواطن. ومن منطلق الحرص على التوظيف الجيد لثروة النفط وتحقيق استغلالها عقلانيا وبكفاءة بادر سموه الى فتح مجال الصناعة البترولية وتطويرها بما يكفل المصالح الوطنية ويدعم السيطرة على المقدرات البترولية للدولة، ووضع من اجل ذلك خططا طموحة لتصنيع البترول والغاز الطبيعي وقواعد ضخمة للصناعات البتروكيميائية. وفي سياسته النفطية ازاء الاسواق العالمية حيث تحتل الامارات مكانة مميزة ضمن اكبر احتياطيات العالم من النفط يؤكد سموه ضرورة الحفاظ على اسعار عادلة بين المنتجين والمستهلكين. ولا يقتصر تفكير سموه على هذا المورد الطبيعي الناضب بل انه شديد الاهتمام بتنويع مصادر الدخل القومي وايجاد مصادر جديدة له وقد عبر عن هذا الامر في وقت مبكر عندما اعلن: «اننا نفكر في كيفية مواجهة المستقبل عندما ينضب البترول بتنويع مصادر الدخل القومي»، وقد اثمرت جهود سموه في هذا الاطار على ما يراه المرء اليوم ميدانيا من توسع في مختلف النشاطات الانتاجية والخدماتية الاخرى، بما يقلل من اعتماد الدولة على النفط كركيزة اساسية ووحيدة، وأوجد ركائز وبدائل اخرى اعطت ديناميكية وتوازنا في بنية وهيكلية ونشاط الاقتصاد الوطني. والحقيقة الماثلة اليوم في اطار تكريس بناء انسان الامارات، هي الاهتمام بالنشء والشباب وهو ما يتجلى في الانفاق السخي الذي تبذله الدولة في سبيل التعليم والتدريب وتأهيل المواطن بتوفير كل مستلزمات النهوض وصقل قدراته العلمية والابداعية من اجل أن يتبوأ الريادة في العملية التنموية لانه هو وسيلتها الاولى وغايتها النهائية. ويؤمن سموه بالعلاقة العضوية بين الوطن والمواطن ويرى بأن «المواطنة ليست اخذا باستمرار.. انها عطاء قبل كل شيء»، فالعمل شيء مقدس لدى سموه. وعندما ننتقل الى المجال الصناعي نجد أن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد قد اعتنى بايجاد بنية وقاعدة صناعية متينة مزودة بأحدث المنشآت والتقنيات القادرة على استيعاب الحاجة الوطنية في الصناعات التحويلية والغذائية وغيرها، بل والقادرة على المنافسة في الاسواق الدولية. وبالاضافة الى تركيز سموه على تطوير القاعدة الصناعية في الدولة لم يغفل القطاع الزراعي الذي اعطاه عناية خاصة وحيزا هاما من تفكيره وجهوده، وفي هذا يقول سموه: يهمني هنا أن اشير الى ما حققناه في ميدان الزراعة من انجازات حيث اصبحت الزراعة من القطاعات المنتجة التي نعتمد عليها في تنويع مصادر دخلنا القومي بعد أن وصلنا الى مرحلة ا لاكتفاء الذاتي في تلبية احتياجاتنا من الخضروات اضافة الى اننا نغطي معظم احتياجاتنا من الفاكهة فضلا عن اننا حققنا نجاحا كبيرا في مجال زيادة المساحة المزروعة من القمح. فالتنمية الزراعية بهذا المعنى تمثل رأس المال الحقيقي الذي سعت دولة الامارات على تثمينه وتقديم كافة اوجه الانفاق من اجل النهوض به وتطويره. وما قيل عن الصناعة والزراعة يقال كذلك عن باقي المجالات الاخرى في الدولة كقطاع المصارف والسياحة والخدمات وغيرها، حيث أن الاستراتيجية التنموية بالدولة اعتمدت مبدأ التوازن وتفعيل كل الامكانات المتوافرة من دون استثناء، والاهم من ذلك أن هذه الاستراتيجية اخذت على عاتقها مواكبة حركة التطور والتحول التي يعرفها الاقتصاد العالمي وما يمثله ذلك من تحديات، ووفرت لذلك الدعم والوسائل والاليات الكفيلة لتحقيق نوع من المرونة والتجاوب الفاعل من معطيات العصر. لقد تناغم الاقتصاد بدولة الامارات مع التحولات الخارجية، وهذه الميزة سمحت للاقتصاد الوطني بالانخراط الايجابي في تيار العولمة من جهة والمحافظة على كيان الدولة وقوتها من جهة اخرى، ويؤكد صاحب السمو الشيخ خليفة على ضرورة الانسجام الاقتصادي على الصعيدين الداخلي والخارجي، وأن هذا: يكون من خلال محورين رئيسيين اولهما المساهمة الفاعلة في قيام شراكة استراتيجية حقيقية بين مؤسسات القطاع العام وشركات ومؤسسات القطاع الخاص وثانيهما تشجيع وتعزيز الشراكة الاقتصادية على مستوى فعاليات القطاع الخاص من خلال تكوين تحالفات استراتيجية وقيام شركات مشتركة والعمل على تشجيع المؤسسات والشركات القائمة حاليا للاندماج وذلك بهدف خلق شركات عملاقة لانتاج سلع وخدمات قادرة على المنافسة القوية في الاسواق المحلية والاقليمية والعالمية في ظل السياسات الاقتصادية القائمة على اسس ومبادئ الحرية والمنافسة الدولية. وعلى الصعيد الخارجي كرس صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان جهوده لتجسيد التضامن العربي والانساني، الذي دعا اليه صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، وعمل سموه بصفته رئيس مجلس ادارة صندوق أبوظبي للتنمية على توفير العون والمساعدة للدول الشقيقة والصديقة في جهودها الرامية الى تحقيق التنمية الاقتصادية. ان المسار الاقتصادي في دولة الامارات العربية المتحدة بكل ما حمله من طموح وانجازات، يشكل في هذا المنعطف التاريخي العالمي الذي تتشابك فيه الازمات الاقتصادية والسياسية وتتهاوى فيه النظريات والنماذج، معلما بارزا يضفي على الجهد الانساني معناه عندما تتوفر الارادة المخلصة وعندما يكون هدف الاقتصاد هو الانسان والتنمية بمدلولها الشامل.