أسباب متعددة وراء هروب الأموال والاستثمارات من روسيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتواصل عملية هروب وتهريب رؤوس الأموال من روسيا, وتترك تأثيراً كبيراً على حجم الاستثمارات الموظفة في الاقتصاد الروسي, وهي بذلك تعد من أهم المشاكل التي تواجه البلاد خلال السنوات العشر الأخيرة على الأقل. ويعتقد الخبير الاقتصادي ميخائيل دلياجين, مدير المعهد الروسي للعولمة بأنه لا ينبغي البحث عن سبب هروب رؤوس الأموال والاستثمارات من روسيا في القضاء على الشيوعية خلال حكم يلتسين أو في مكافحة الثراء غير الشرعي خلال حكم بوتين, فرؤوس الأموال تتوجس خيفة من الحماقة وليس من الشيوعية أو الأوليجارشية. ويرى رئيس الغرفة التجارية الأمريكية في روسيا, سكوت بلاكين (أن بوتين ليس ديمقراطياً مثالياً ولكن تطوير الديمقراطية في روسيا لا يعد من اختصاصات رجال الأعمال حيث يحتاج المستثمرون إلى الاستقرار وليس إلى الديمقراطية وكما هو معلوم فإن روسيا تعاني من نقص في الاستقرار). في الحقيقة توجد عوائق كثيرة تقف في وجه الاستثمارات وتجعلها تهرب من روسيا. ومن بين العوائق عدم وجود سياسة واعية لمكافحة الاحتكار. فبمقدور أي شركة ذات طابع احتكاري لي ذراع أيا كان في روسيا. ومن أبرز الأمثلة على ذلك أزمة البنزين عام 1999م عندما قرر مسئولون في اتحادات محطات البنزين ضرورة رفع أسعار البنزين دون الرجوع إلى الحكومة. ويرى البعض أن هؤلاء المسئولين لو فعلوا ذلك في الولايات المتحدة ربما فتح ملف جنائي ضدهم. أما في روسيا فقد مرت المخالفة دون عواقب. والعيب الأساسي لسياسة مكافحة الاحتكار في روسيا أنها لا تستهدف في الحقيقة تعقب المخالفات التي ترتكبها الشركات الاحتكارية بقدر ما تستهدف الضغط على هذه الشركات مثل (غاز بروم) أو شركة الكهرباء لتضخ في خزانة الدولة المزيد من الإيرادات. ويرى العديد من الخبراء الاقتصاديين أن السبب الأول وراء هروب رؤوس الأموال من روسيا هو عدم تأمين الحماية للملكية وعدم إصلاح جهاز القضاء حتى أن القضاة لا يجدون ما يمنعهم من تفسير القوانين على هواهم وبالتالي يحيق الخطر بأي مشروع استثماري في ظل هذه الظروف. كما أن الخبرة الدولية تشير إلى عدم جدوى فرض الحظر بقرارات فوقية على هجرة رؤوس الأموال. غير أن خبراء آخرون يؤكدون على أن الضغط الذي مارسته الحكومة الروسية ضد من لا يعيدون عائدات التصدير أو يهربون الأموال إلى الخارج بعقود استيراد وهمية كان له تأثير إيجابي في عام 2000م حيث شهد الربع الثالث من العام المذكور ولأول مرة منذ سبع سنوات خلت عودة لرؤوس الأموال المهربة بعد أن وصل حجم الأموال المهربة في الربع الأول 580 مليون دولار وفي الربع الثاني 54 مليون دولار. إلا أن مجموع رؤوس الأموال المهربة من روسيا لم يتناقص وإنما ارتفع في عام 2000م مقارنة بعام 1999م بنسبة 30 % ليبلغ 24 .6 مليارات دولار وذلك بسبب وجود قنوات لا تخضع لأي حظر. وفي الوقت الحالي يعرف المستثمرون الأجانب والروس الكبار جيدا كيف يذللون العوائق التي يتحدث عنها برنامج الحكومة الروسية المتعلق بمعوقات الاستثمارات. وعمليا يمكن القول أن رجال الأعمال الصغار والمتوسطين هم أكثر من يعانوا حاليا من هذه المعوقات وعلى رأسها تعسف الجهاز البيروقراطي في روسيا. ويعتقد البعض أن البرنامج المشار إليه والذي أعده وزير التنمية الاقتصادية الروسي جيرمان جريف يتجاهل العقبة الرئيسية أمام الاستثمارات في روسيا, ألا وهي الإصرار على إبعاد الدولة عن ضبط النشاط الاقتصادي .ويعزي هؤلاء هذا التجاهل إلى أن واضعي البرنامج وعلى رأسهم جريف هم من غلاة الليبراليين الذين يجعلون دور الدولة في الاقتصاد والسوق على طرفي نقيض, أي أن الضوابط التي يمكن بل يجب أن تضعها الدولة تتنافى في نظرهم مع الحرية الاقتصادية في حين أن الضوابط المنظمة التي تفرضها الدولة هي الوسيلة الوحيدة لتأمين الحرية الاقتصادية في أحيان كثيرة. ومن الأسباب الأخرى التي تثني المستثمر الأجنبي عن استثمار أمواله في روسيا غموض مستقبل التنمية. فروسيا مطالبة في عام 2003 م بتسديد ما بين 17 و19 مليار دولار كخدمة للديون الخارجية. وهناك تكهنات باحتمال تعطل الكثير من وسائل الإنتاج المتقادمة في قطاع الطاقة الكهربائية والعديد من فروع الصناعة في عامي 2004 و 2005م. يضاف إلى ذلك الهبوط المتوقع لأسعار النفط الذي يمثل أكثر من 40% من الصادرات الروسية. وتجدر الإشارة أن العوائد التي حصلت عليها روسيا من ارتفاع أسعار النفط تتراوح بين 8 و14 مليار دولار أمريكي. ويريد رئيس الدولة أن ينمو الاقتصاد الروسي في عام 2001م بمعدل 6.7%. غير أن التوقعات تشير إلى أن معدل النمو هذا العام لن يزيد عن 4% وذلك بشرط عدم انخفاض أسعار النفط. وتجدر الإشارة أن معدل نمو الاقتصاد الروسي المعلن رسميا للعام المنصرم (حوالي 7%) تحقق في المقام الأول بسبب ارتفاع الأسعار العالمية للنفط. ومن ثم يرى العديد من الخبراء الاقتصاديين إن تحقيق النمو المطلوب (6.7%) أمر مشكوك في حدوثه. يضاف إلى الأسباب السابقة احتمال فرض عزلة دولية على روسيا بعد أن وضعت في قائمة الدول التي لا تكافح تبييض الأموال من ضمن 15 بلداً وأصبحت مهددة بفرض عقوبات عليها. وبالتالي يمكن أن تقدم النصيحة إلى الشركات الغربية بالإحجام عن التعامل مع روسيا كمنطقة نشاط غير مشروع. وأبرز مثال على ذلك قضية مدير إدارة الكرملين في عهد يلتسين بافل بورودين الذي أوقف في الولايات المتحدة بناء على طلب من النيابة السويسرية لاتهامه بتبييض أموال تصل إلى 60 مليون دولار أمريكي بجانب الحصول على رشوة من شركة (مابيتكس) السويسرية مقابل منحها عقود ترميم وصيانة مبنى الكرملين وعدة مباني حكومية أخرى. وبشكل عام تشير المصادر الرسمية إلى أن حجم رؤوس الأموال المهربة من روسيا خلال العشر سنوات الماضية يقدر بـ 150 مليار دولار, بينما ترى المصادر المستقلة أن هذا الحجم بلغ 300 مليار دولار وذلك في الوقت الذي تجد فيه روسيا صعوبة في تسديد خدمة الدين الخارجي وتطالب بإعادة جدولة المديونية وفي الوقت الذي تلهث فيه موسكو وراء الاستثمارات الأجنبية دون جدوى كبيرة.

Email