شركاتنا الوطنية بين تحديات الحاضر وآفاق المستقبل 1-2

ت + ت - الحجم الطبيعي

بادىء ذي بدء, ينبغي ان تكون رؤيتنا المستقبلية للاقتصاد الوطني مبنية على وضع استراتيجية تنموية, يساهم فيها القطاع العام والقطاع الخاص بشكل فعال, واذا كانت فترة السبعينيات والثمانينات, وكذلك التسعينيات, قد شهدت تحمل القطاع العام الحكومي للأعباء الكاملة للتنمية, من هياكل تحتية وتشريعات قانونية, فإن عقد الالفية الثالثة الأول يتطلب من القطاع الخاص مساهمة فاعلة وجادة في تحمل مسئولية التنمية وقيادة قاطرتها, وصولا الى تحقيق أهداف التنمية في المجتمع. غير ان مطالبتنا بدور أكبر للقطاع الخاص ستقودنا الى دراسة وحدات هذا القطاع, خاصة الشركات المساهمة العامة والخاصة, لاسيما الشركات الوطنية, وذلك لما لهذه الشركات من أهمية كبيرة في الاقتصاد الوطني باعتبارها أوعية استثمارية لرؤوس الأموال. ولقد بلغ عدد الشركات الوطنية المساهمة في نهاية 1999 نحو 88 شركة منها 79 شركة مساهمة عامة و9 شركات مساهمة خاصة, ويشمل هذا العدد الشركات المقيدة لدى وزارة الاقتصاد, بينما هناك 21 شركة مساهمة غير مقيدة لدى الوزارة. كما ستقودنا هذه المطالبة ايضاً الى تحديد مدى إمكانية هذه الشركات على الاستمرار في ظل المنافسة الحالية امام الشركات الاجنبية العاملة في الامارات, أو المنافسة المستقبلية التي سوف يفرضها واقع التطورات والمتغيرات المستجدة في الساحة الاقتصادية العالمية, التي سوف تهيمن عليها الشركات متعددة الجنسية وعابرة القارات من خلال الثورة التكنولوجية والتجارة الالكترونية. وبالتالي لابد لنا ان نتساءل هنا حول طبيعة وحجم مساحة هذه الشركات في الاقتصاد الوطني في ظل هذه التحديات وفي ظل دراسة أوضاعها الرأسمالية والفنية والتشغيلية والإدارية. لقد جاء التوسع في الشركات المساهمة الوطنية (العامة والخاصة) بسبب الظروف الاقتصادية ونتيجة للطفرة الاقتصادية الناجمة عن الايرادات النفطية خلال فترة السبعينيات والثمانينيات, وحيث ان الزيادة في أعداد هذه الشركات لم تكن ناجمة عن حاجة فعلية للاقتصاد الوطني لها, فإنه من الطبيعي ان تنتج عن هذا التوسع مشاكل مزمنة تعاني منها معظم هذه الشركات. وقد أكدت السنتان الماضيتان حقيقة هذه المشاكل حينما تراجع الطلب على أسهم هذه الشركات وانخفضت أسعار أسهمها في سوق الأوراق المالية بشكل واضح, الأمر الذي ترك آثاراً غير مريحة على سوق الأوراق المالية, وبالتالي على الاقتصاد الوطني بشكل عام. فتراجع الأمل في دور أكبر لهذه الشركات في مستقبل الاقتصاد الوطني. ولقد اشارت الدراسة التي أعدها الدكتور أحمد علي الحداد عن شركات المقاولات الى عدم قدرة الشركات الوطنية على منافسة الشركات الاجنبية الضخمة متعددة الجنسية, الأمر الذي يدفع الشركات الوطنية الى قبول العروض المقدمة بأسعار متدنية. وبالتالي فإن حصيلة الأرباح التي تحصل عليها الشركات الوطنية تعتبر ضئيلة ومتدنية مقارنة بالأرباح القياسية التي تحققها الشركات الأجنبية العاملة في سوق الامارات. أما عبدالعزيز الغرير, الرئيس التنفيذي لبنك المشرق, فإنه يؤكد على ان السنوات الثلاث المقبلة ستشهد ضغوطاً متزايدة لضبط الانفاق. وستشكل هذه المسألة التحدي الرئيسي الذي ستواجهه المصارف على المدى المتوسط. كما أشار الغرير الى تضرر عدد كبير من المصارف بسبب الديون المعدومة وهروب التجار, وخاصة عملية الاحتيال التي قام بها رجل الأعمال الهندي (باتيل), والتي كانت مؤلمة الى حد بعيد. ومن هنا, فإن دراسة الدكتور الحداد, التي تشخص لأكبر القطاعات الاقتصادية, وهو قطاع المقاولات ثم تشخيص, أو رأي الغرير, لقطاع كبير وهام تعول عليه الدولة الكثير, ألا وهو قطاع المصارف, إنما يؤكدان على مدى محدودية إمكانيات شركاتنا الوطنية, ومدى الخلل الذي تعاني منه هذه الشركات في ظل المرحلة الحالية, وذلك قبل الولوج في مرحلة تطبيق بنود اتفاقية منظمة التجارة العالمية, التي أصبحت الامارات عضواً فيها, وكذلك قبل وصول طوفان العولمة, الذي سوف يعمل على اجتثاث الشركات الوطنية من جذورها, أوالعمل على اختلالها على الاقل. وتشكل هاتان المرحلتان تحدياً خطيراً لكافة الشركات الوطنية العاملة في مختلف القطاعات الاقتصادية في الامارات, بما فيها قطاعا المقاولات والمصارف, حيث ستشهد المرحلة المقبلة ابتلاعاً حقيقياً, أكثر من وقتنا الحاضر, لشركاتنا ومصارفنا الوطنية, من قبل شركات ومصارف العولمة ذات الجنسيات المتعددة, وذات الكثافة الرأسمالية الضخمة, والامكانيات المادية والبشرية الكبرى, والخبرة التاريخية الطويلة, لاسميا في ظل تسابق الامارات وباقي دول مجلس التعاون الخليجي الى الترحيب بالاستثمارات الأجنبية, من خلال فتح أبواب أسواقنا على مصراعيها أمام رؤوس الأموال والاستثمارات الاجنبية, وتعديل التشريعات والقوانين ذات العلاقة بالشركات والاستثمارات بما يتناسب وهذه المرحلة ثم اغرائها بالمزيد من التسهيلات والاعفاءات والخدمات شبه المجانية!! وإذا كانت شركاتنا الوطنية, بما فيها مصارفنا الوطنية, قد حققت خلال السنوات الماضية نمواً في أرباحها وحقوق المساهمين فيها, فإن ذلك النمو لايعزا بالضرورة الى نجاح هذه الشركات في سياساتها وفي أعمالها, بقدر ما يعزا الى الفورة المالية والمناخ المشجع اللذين اتسم بهما اقتصاد الامارات وكذلك الى الدعم المادي والمعنوي اللذين حظيت بهما هذه الشركات كي تعزز من أوضاعها وتوسع من نشاطاتها في السوق المحلية, بغية تمكين هذه الشركات من المساهمة في الاقتصاد الوطني وفي تعزيز قدرتها التنافسية أما الشركات والمؤسسات والمصارف الاجنبية العاملة في البلاد. وعلى الرغم من كل أشكال الدعم المادي والمعنوي اللذين تقدمهما الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية, فإننا نجد ان معطيات هذه الشركات ضعيفة, وأوضاعها التشغيلية هشة, وقدرتها التنافسية محدودة ومساهماتها في الاقتصاد الوطني ضئيلة وأوضاعها الادارية والرأسمالية والفنية تعاني من مشاكل وضعف, أكدتها في السنوات الأخيرة حالة الركود في سوق الأسهم المحلية وتراجع الطلب بشكل كبير على أسهم الشركات الوطنية, بعد أزمة أسعار الأسهم في الربع الأخير من عام ,1998 ولم تفلح كافة المحاولات, سواءً من جانب الحكومة أو من جانب مجالس إدارة هذه الشركات, في معالجة وتصحيح أوضاع هذه السوق, وظل الطلب على الأسهم في تراجع, الأمر الذي أدى الى خبو الأمل وضعفه في ارتفاع اسهم هذه الشركات, خاصة وان معظم هذه الأخيرة, بل غالبيتها, شركات خدمية تفتقر الى القدرة التنافسية في ادائها والى الشفافية في إدارة شئونها الادارية والمالية. وفي ظل معطيات حاضر هذه الشركات, وفي حال حدوث انفتاح أكبر لسوق الامارات أمام الشركات والاستثمارات الاجنبية, يجدر بنا ان نتساءل كيف ستكون أوضاع شركاتنا ومصارفنا ومؤسساتنا الوطنية في ظل رؤية مستقبلية؟! ما هي درجة مساهمة هذه الشركات والمصارف في إحداث تنمية حقيقية في الامارات في مختلف القطاعات الاقتصادية؟! كيف سيكون وضع هذه الشركات والمصارف حينما سيتراجع الدعم والانفاق الحكوميان لها؟! كيف ستكون أوضاع شركاتنا الوطنية في ظل تحديات العولمة ومنظمة التجارة العالمية؟! كيف يمكن للامارات واقتصادها ان يسجلا حضوراً دولياً في الساحة الاقتصادية العالمية من خلال هذه الشركات؟! وهل تستطيع هذه الشركات تعزيز الأوضاع الاقتصادية للامارات أم ان هذه الأوضاع الاقتصادية ستكون ضعيفة ومتراجعة وفقاً لضعف وتراجع أوضاع شركاتنا الوطنية؟! وبالتالي كيف السبيل للوصول الى دور أكبر لهذه الشركات في الاقتصاد الوطني؟! وما هي سبل معالجة أوضاع شركاتنا الوطنية كي تصبح مؤهلة للدور المرتقب لها أو المنتظر منها؟! بقلم: نجيب عبدالله الشامسي

Email