(ايرباص).. الحلم عندما يصبح واقعاً ، صفقة طيران الامارات تفتح لها أسواق العالم ومناقشات مع العراقيين وعين على ايران والسعودية

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما تدخل مكاناً به غرف نوم مريحة ملحق بها كازينو وبار وأحواض جاكوزي وصالة عرض سينمائي, فأغلب الظن ان هذا المكان هو فندق خمسة نجوم, أما اذا كان هذا المكان مزوداً بأحدث وسائل تكنولوجيا المعلومات ، كالانترنت والفاكس والهاتف فربما يكون مركزاً للاتصالات الدولية, اما الحقيقة ــ وهو الامر الذي قد لايصدقه كثيرون ــ فان كل هذه المواصفات موجودة بالفعل في طائرة ايرباص الجديدة التي ستدخل الخدمة في طيران الامارات بعد حوالي خمس سنوات. وللوهلة الأولى عندما وجدت نفسي داخل الطائرة الجديدة ــ وهي قيد التنفيذ ــ لم اصدق انني بالفعل داخل طائرة, وهو ما حدث لغالبية الزملاء اعضاء الوفد الصحفي الذي زار مقر شركة ايرباص الاسبوع الماضي في مدينة تولوز جنوب غرب فرنسا هذا المقر وملحقاته هو المبنى الأكبر من حيث المساحة في كل أوروبا كما أخبرنا أحد المسئولين في ايرباص. هذه الطائرة الجديدة التي تعتبر أحدث عضو في عائلة ايرباص تمثل انقلاياً في عالم طائرات الركاب مثلما هو الحال في بقية اعضاء هذه العائلة خاصة طائرة رجال الاعمال التي تعتبر الارقى.. فهناك صالة العاب وتمارين رياضية, وبها ايضا مطعم واذا قدر الشخص ان يدخل مغمض العين لهذا المكان فقد يتصور نفسه انه قد ضل الطريق الى سفينة سياحية عائمة أو نادٍ لرياضة الايروبك. وطائرة A3XX التي ستتسلمها طيران الامارات مصممة من طابقين ولها اربعة محركات وتستوعب حوالي 550 راكباً بما يجعلها أكبر طائرة تجارية يتم صنعها حتى الان. وخلال الزيارة السريعة لتولوز فان الامر الملفت لنظر الجميع ان كل مسئولي ايرباص الذين التقينا بهم يتحدثون بكل تقدير عن الامارات, ويؤكدون بحق ان (طيران الامارات) دخلت الالفية الجديدة بتقديم مفهوم جديد في عالم السفر شعاره الرئيسي (رفع مستوى الخدمات وتخفيض تكلفة السفر). تقدير واحترام مسئولي ايرباص لـ (طيران الامارات) لم يأت من فراغ, فالامارات هي أول عميل للشركة فيما يتعلق بأكبر طائرة ركاب في العالم A3XX مثلما كانت أول عميل للايرباص 30A وكما كانت ايضا العميل الأول لبوينج 777. هذا التقدير ايضا لايمت للعواطف بصلة, فالمسألة في النهاية هي مصلحة الشركة, وطيران الامارات لم تتجه لهذا النوع من الطائرات العملاقة الا بعد ان اثبتت الدراسات التي اجرتها الشركة الجدوى الاقتصادية للطائرة الجديدة سواء من الناحية التشغيلية أو الاقتصادية, كما انها حصلت على السعر الأفضل باعتبارها العميل الأول الذي فتح الباب امام بقية الشركات, والمعروف ان الصفقة بين طيران الامارات وايرباص ــ والتي ستوقع رسمياً بعد أيام بعد ان كان الاتفاق عبارة عن خطابات نوايا ــ تبلغ حوالي 5.2 مليار دولار وتشمل خمس طائرات ركاب وطائرتي شحن كخيار مؤكد, وخمس طائرات من الطراز نفسه لم يتحدد نوعها كخيار شراء. وبالصفقة الاخيرة اصبحت طيران الامارات الشريك الأكبر لايرباص في الشرق الاوسط حيث اصبح اجمالي الطلبات 40 طائرة مختلفة الانواع, بعد ان كانت (مصر للطيران) في المقدمة (38 طائرة), وانطلاقاً من هذه الصفقة ايضا انفتح الباب واسعاً امام ايرباص في سوق المنطقة العربية والشرق الاوسط فطبقاً لما أكده لنا مدير العلاقات العامة بالشركة ديفيد فيلبوليا ــ الذي كان والده يحمل جنسية سريلانكا ــ فان ايرباص تتناقش وتتفاوض الان مع (مصر للطيران والكويتية والقطرية) والاعتقاد ان السعودية ستكون الأكثر اهتماماً بالحصول على هذا الطراز الاضخم من نوعه في عالم الطيران.. لكن صدمة ايرباص كانت كبيرة ايضا خلال اليومين الماضيين حينما تمكنت غريمتها بوينج من الفوز بصفقة ضخمة للخطوط المغربية. وبجانب المنطقة العربية فان ايرفرانس تنوي الحصول على هذا الطراز ايضا, ويراهن مسئولو ايرباص على تفهم سوق الطائرات العالمي لهذه النوعية التي وجهت بحرب شرسه من قبل شركة بوينج لتسويق A3XX التي تحتاج الى حوالي 12 مليار دولار أمريكي تم تأمين معظمها من قروض أوروبية. وصفقة الامارات مع ايرباص تبدو منطقية للغاية فالنمو في حركة الطيران بالامارات في تزايد مستمر, ويكفي للتدليل على ذلك ان عدد المسافرين الذين نقلتهم طيران الامارات خلال العام الماضي بلغ حوالي 7.4 ملايين راكب بزيادة نسبتها 12% عن عام ,1998 في حين حقق قطاع الشحن نمواً نسبته 26% بمعدل بلغ حوالي 270 الف طن بضائع, ويقابل ذلك ايضا ما قدمته شركة داناتا من خدمات الى 2.11 مليون مسافر في مطار دبي و498 الف طن بضائع بزيادة قدرها 7.11% و1.16% على التوالي, واذا كانت الزيادة السنوية التي يشهدها مطار دبي تبلغ حوالي 5%, فيبدو منطقياً اتجاه طيران الامارات للتعاقد مع هذه النوعية من الطائرات التي تقطع 8000 ميل بدون توقف وتعمل على الخطوط الأكثر ازدحاماً مثل لندن وبانكوك وسيدني وغيرها من العواصم الكبرى في آسيا وأوروبا التي تشهد نمواً ثابتاً ومطرداً في عدد المسافرين منها واليها. وخلافا لما يعتقده البعض بان قاطرة الاقتصاد تقود قطار السياسة, وهذا ما كنت اعتقده قبيل الوصول الى مقر ايرباص في تولوز, فان المناقشات واللقاءات مع المسئولين هناك اكدت ان ذلك ليس صحيحا دائما, خاصة عندما يتعلق الامر بالمنطقة العربية والشرق الاوسط, فعلى سبيل المثال فان ايرباص تتلهف الى السوق العراقي, لكن يدها مغلولة بسبب الحصار وطبقا لما اكده لنا حبيب فقيه نائب الرئيس التنفيذي للمبيعات في الشرق الاوسط فان هناك مناقشات وحوارات مع العراقيين بشأن المبيعات المستقبلية لكن لا توجد مفاوضات او عقود. الامر نفسه ينطبق على ايران, لكن القيود الامريكية ايضا عامل حاسم في هذا الشأن, وقد يكون الامر ذاته وان كان بقيود اقل فيما يتعلق بليبيا. وعندما سألت مدير العلاقات العامة بالشركة ديفيد فيلبوليا عن اثر تغير المزاج العربي بشأن الاقبال على شراء ايرباص بديلا للبوينج الامريكي خاصة بعد اندلاع الانتفاضة والاحساس المتزايد بالتأييد الامريكي السافر لاسرائيل رد بتحفظ شديد قائلا, لم يحدث ما يؤكد ذلك حتى الآن, وان كان كل مسئولي ايرباص يتمنون اتجاه الاسواق العربية اليهم بديلا للشركة الامريكية. وكما يقول المثل (فمصائب قوم عند قوم فوائد). وخلافا للغة الدبلوماسية التي تغلف احاديث مسئولي ايرباص فيما يتعلق بصراعهم الضاري مع بوينج للسيطرة على سوق الطائرات المدنية فان الواقع ليس كذلك بالمرة والنكتة الشائعة هناك انه ما اجتمع مسئولان في ايرباص الا وكانت بوينج ثالثهما.. لكن مسئولي الشركة يردوا جادين على مثل هذه النكتة بقولهم ان ذلك هو ما يحدث في بوينج وليس عندنا! ولا يمكن ان يحدثك مسئول بالشركة عن طراز ما من طائرات ايرباص الا وتكون المقارنة مع نوعاً مماثلاً من بوينج, اما النكتة التي حدثت بالفعل فكانت عندما التقينا في المقر الاداري لايرباص باحد المسئولين هناك وهو برنارد روبن مدير التسويق لطائرة رجال الاعمال التي ينتظر اطلاقها قريبا, قال روبن حامل الجنسية البريطانية ذو البشرة السمراء والاصل الكاريبي بانني لن اتحدث في كلمتي عن اي مقارنات بين ايرباص وبوينج, وعندما انتهت كلمته التي استغرقت حوالي نصف الساعة لم يذكر بوينج الا حوالي 22 مرة!!, انتهت المحاضرة وذكرت له ملاحظتي فضحك كثيرا, ولسان حاله يقول: كيف اسوق واروح لمشروعي او طائرتي بدون ان اذكر مميزاتها بالمقارنة بما هو موجود في السوق, وبالطبع فليس هناك سوى بوينج, لكن الصراع بين ايرباص وبوينج يحتاج الى قصة اخرى طويلة تؤكد في النهاية ان ايرباص التي انطلقت فقط في ديسمبر عام 1970 كاتحاد تطور شيئا فشيئا الى اندماج بين اربع شركات فرنسية والمانية وبريطانية واسبانية حققت مبيعات العام الماضي بلغت 7.16 مليار دولار في طريقها للحصول على 50% من سوق طائرات الركاب والشحن في العالم, وقد لا يمضي وقت طويل قبل ان تصبح اللاعب الرئيسي في هذا السوق, فعندما تضطر بوينج إلى الاحتماء بحكومتها في واشنطن كي تشكو ايرباص إلى منظمة التجارة العالمية بحجة الدعم الذي يتنافى واخلاقيات العولمة او السوق الحر المفتوح, فمعنى ذلك ان هذه الشركة العملاقة التي كانت تمرح في السوق العالمي بلا منافس تشعر بخطر حقيقي. احساس بوينج بالخطورة يكفي تلمسه من خلال تعاملها مع تفكير ايرباص في تدشين طائرتها الاحدث وهي A3XX, في البداية قالت انه حلم غير قابل للتحقيق, وعندما خرج الامر من نطاق الحلم إلى بدايات التحقق بدأت في التشكيك قائلة ان عصر طائرات الجامبو العملاقة قد انتهى والسوق لا يحتاجه كما ان جدواه الاقتصادية غير مؤكدة, وعندما اصبح الحلم حقيقة اضطرت بوينج للانصياع له والتفكير الجدي في تدشين طائرة مماثلة!! ولم تكتف ايرباص بالسيطرة على نصف السوق العالمي, بل انها بدأت في اختراق السوق الامريكي نفسه, ليس فقط من خلال التعاقد مع شركات طيران مدنية, بل في مجال الطائرات العسكرية ايضا عبر الاتفاق على تصنيع طائرة تزويد بالوقود ذات تصميم مستوحى من ايرباص A 310. واللافت في كل الاحاديث والمناقشات مع مسئولي ايرباص هو نبرة التواضع في الحديث عن طموحاتهم المستقبلية, لكن هذه النبرة ايضا كانت تشير بكل وضوح إلى انهم عازمون على التقدم بكل هدوء وثقة كي يحتلوا مكان الصدارة. قبل فترة كان شبح بوينج هو الذي يطارد ايرباص, الآن الصورة اصبحت مختلفة ومعكوسة, ويبدو ان المستقبل في صالح هذه الشركة الاوروبية التي مازالت في عمر الشباب. رسالة تولوز (فرنسا) ــ عماد الدين حسين

Email