لما كان النظام الاقتصادي الذي تبنته الإمارات سواء بعد قيامها كدولة أم قبل ذلك يعتمد الحرية الاقتصادية في الشئون الاقتصادية الداخلية, وسياسة الباب المفتوح في العلاقات الاقتصادية الخارجية, وحيث إنه بموجب هذا النظام لا توجد هناك قيود على حرية التجارة أو تبادل العملات, ولما كان القانون قد كفل الحرية الكاملة لإنتقال رؤوس الأموال إضافة إلى ثبات سعر الصرف الذي ساعد على استقرار الأسعار وتحقيق معدلات تضخم سنوية معتدلة, فإن كل تلك الأسباب والعوامل تؤكد بأن اقتصاد الإمارات لم يكن يوماً موصد الأبواب أمام الاستثمارات الأجنبية كي تدخل إلى أسواقنا المحلية ـ وهذا ما جعل البيئة الاقتصادية في الإمارات تتسم بالحضور القوي لرأس المال الأجنبي في القطاعات بدرجات متفاوتة الأمر الذي يجعل رأس المال الأجنبي مستفيداً مما توفره له البيئة الاقتصادية (المقومات) على الرغم من أنه يشكل عبئاً اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً في مجتمع الإمارات وكانت درجة استفادته عالية في القطاعات الخدمية خاصة حيث استأثرت هذه القطاعات استثمارات حكومية ضخمة جعلت فرص تحقيق العائد الاستثماري كبيرة أمام الاستثمارات الأجنبية. أ ـ الاعتبارات التي تفرض فتح سوق الإمارات أمام الاستثمارات الأجنبية: هناك اعتبارات معينة تحتم التعامل مع الاستثمارات الأجنبية في الإمارات على نحو أكثر قبولاً ووفق صيغة تمكن الاقتصاد الوطني من الاستفادة من تلك الاستثمارات وضوابط تحد من التأثيرات السلبية ويمكن تحديد تلك الاعتبارات فيما يلي: ــ طبيعة النظام الاقتصادي الذي تتبناه الدولة والقائم على مبدأ حرية السوق وسياسة الباب المفتوح حيث تساعد تلك الطبيعة على تدفق رؤوس الأموال الأجنبية إلى السوق المحلية. ــ الوضعية الحالية للاقتصاد الوطني ولاسيما القطاع الخاص المهيمن عليه من قبل الأجانب سواء في ادارته أم حجم رأسماله, أو الكثافة السكانية والقوى العاملة في الاقتصاد ونسبة الأجانب العالية إلى حجم السكان في الدولة. ــ تأصل رأس المال الأجنبي في الاقتصاد الوطني حيث يعود للقرن التاسع عشر عندما كان رأس المال الأجنبي يشكل أهمية عظمى في الاقتصاد التقليدي للامارات خاصة في فترة ما قبل ظهور النفط. ــ إنضمام الإمارات لإتفاقية منظمة التجارة العالمية منذ ابريل 1994 وما سوف يترتب علي هذا الإنضمام من إعتبارات سوف تملى على الاقتصاد الوطني, وأهمها ضرورة انفتاح أكبر للسوق المالية الإماراتية أمام الاستثمارات والمشاريع الأجنبية لاسيما وأن تلك الاتفاقية تلزم الأعضاء المنتسبين إليها بمساواة الاستثمارات الأجنبية مع الاستثمارات الوطنية وعدم منح هذه الاخيرة أفضلية على حساب الاستثمارات الأجنبية. ــ المتغيرات الاقتصادية المستجدة في الساحة العالمية والتي سوف تفرض واقعاً اقتصادياً مغايراً تقوده العولمة الاقتصادية التي تعتمد على سيطرة رأس المال الأجنبي على المشاريع الاقتصادية في العالم ولاسيما العالم الثالث وتنقله شركات عابرة للقارات. ــ الأوضاع الاقتصادية المتراجعة ومعدلات نمو التنمية المنخفضة والبطالة وتفاقم الفقر وزيادة معدلات النمو السكاني والصراعات الاقتصادية المحتدمة سواء بين الدول الرأسمالية أو التكتلات الاقتصادية كل ذلك سوف يملي واقعاً اقتصادياً يجعل الأسواق العالمية اكثر انفتاحاً أمام الاستثمارات الأجنبية. ــ الرغبة في تحقيق الاندماج الاقتصادي في الإمارات في الاقتصاد العالمي لمواكبة التطورات التقنية والفنية والرغبة في تحقيق التطور العلمي والتنموي يفرض على اقتصاد الإمارات أن يكون أكثر انفتاحاً واستعداداً لقبول الاستثمارات الأجنبية سيما عندما تقوم المشاريع هذه بإنتاج سلع ذات مستوى وجودة عالية لها جاذبية في السوق العام. ــ إن محدودية مواطني الإمارات في ظل كثافة سكانية من الأجانب والرغبة الأكيدة من قبل الأجانب بالاستقرار الدائم في الإمارات يجعل الترحيب أكبر للاستثمارات الأجنبية للعمل في سوق الإمارات لاسيما في ظل ضغوط فعلية من قبل المستثمرين الأجانب الحاليين بمنحهم المزيد من المرونة ومطالبتهم بحقوق اقتصادية أكثر اتساعاً. ــ إن الإمارات سوف تعاني من ضغوط سياسية واقتصادية خارجية بفتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية ولاسيما في قطاع الصناعة النفطية على الرغم من الحجم الكبير للاستثمارات الأجنبية في قطاع استخراج النفط وتصديره وبالتالي يحتم الأمر هنا ضرورة الإستعداد لتلك المرحلة والتكيف مع الأوضاع الجديدة التي سوف تمليها هذه المرحلة. ــ لا يمكننا أن نغفل الدور الذي تلعبه المؤسسات والمنظمات الدولية كصندوق النقد الدولي, أو البنك الدولي, أو منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وأخيراً منظمة التجارة العالمية في تسويق الاستثمارات الأجنبية للدول الرأسمالية حيث تلعب هذه المنظمات دوراً ضاغطاً على دول العالم الثالث لتمرير المشاريع الاستثمارية والاستثمارات عامة سواء المباشرة أو غير المباشرة وفي بعض الأحيان يكون ذلك لصالح الدول الرأسمالية الكبرى ويتمثل ذلك في هيئة توجيه استثماراتها إلى دول معينة, أو التوصية بتوجيه استثمارات الدول الرأسمالية إلى دول معينة. ــ الأوضاع الاقتصادية الحالية وبروز ظاهرة البطالة والعجز في الميزانية العامة للدولة, ثم مطالبة الحكومة للقطاع الخاص بتولي قيادة التنمية الاقتصادية في الإمارات كل هذه العوامل تفرض فتح السوق المحلية أمام الاستثمارات الأجنبية حيث إن قيادة القطاع الخاص للتنمية في الدولة تتطلب حاجة هذا القطاع إلى الاستثمارات الأجنبية, وربما العمالة الأجنبية والخبرة الفنية والتقنية وهذه المتطلبات تملى على السياسة الاقتصادية أن تكون أكثر مرونة مع الاستثمارات الأجنبية لاسيما في ظل توجه السياسة الاقتصادية نحو فسح المجال لتوسيع الملكية الأجنبية في شركات القطاع الخاص. الآثار السلبية للاستثمارات الأجنبية في الإمارات في ضوء الاعتبارات السالفة الذكر التي تفرض فتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية لدخول سوق الإمارات والضرورات التي تحتم تطوير العلاقة مع الأسواق العالمية والاستثمارات الأجنبية, ومع تحديدنا لدوافع الاستثمارات الأجنبية في الإمارات وكذلك للإيجابيات المتوخاه من هذه الاستثمارات, ومع إشارتنا للصيغة المناسبة للتعامل مع الاستثمارات الأجنبية, فإننا نأتي لنؤكد بأنه على الرغم من أهمية الاستثمارات الأجنبية للعمل في بيئة اقتصادية تحكمها معايير وظروف وتعاني من معوقات ومحددات طبيعية وغير طبيعية فإنه لابد أن نأخذ بعين الاعتبار الاثار السلبية للاستثمارات الأجنبية على اقتصاديات الإمارات من واقع اختلاف طبيعة اقتصادنا عن بقية الاقتصاديات الأخرى وفي ضوء ذلك نجد أن تلك الآثار تتمثل فيما يلي: ــ سيطرة رأس المال الأجنبي أو الاستثمارات الأجنبية على الأوضاع الاقتصادية وبالتالي السياسة الاقتصاديةحيث تصبح ملكية الأسهم والشركات تحت رحمة المستثمرين الأجانب. ــ زيادة المضاربات بشكل يؤدي إلى اهتزاز سوق الإمارات وخلق الأزمات وانهيار العملة الوطنية وتدهور الاقتصاد الوطني مع الاشارة هنا إلى الأزمة المالية العنيفة التي حدثت لدول جنوب شرقي آسيا في مايو عام 1997. ــ الخشية من عدم وجود نظام رقابة وقوانين تنظم نشاط السوق المالي في الإمارات مما ينعكس سلباً على أداء السوق ذلك أن تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى سوق الأوراق المالية لشراء أسهم الشركات القائمة من شأنه أن يؤدي إلى منافسة المستثمرين المواطنين, وتملك الأجانب للأسهم سوف يؤدي إلى ارتفاع أسعار الأسهم وقد يؤدي إلى تحكم المستثمر الأجنبي في أسعار الأسهم خاصة في ظل غياب القوانين التي تحد من الإحتكار. ــ الاستثمارات الأجنبية تسعى للدخول إلى سوق الإمارات للاستفادة من الإمكانيات والوفورات والمزايا والفرص الاستثمارية وهي لا تتورع من الانسحاب المفاجىء من هذه السوق حينما تحقق أهدافها الوقتية لاسيما إذا وجدت فرصاً أكثر إغراء في أسواق اخرى الأمر الذي يؤدي إلى انهيارات أو أزمات في سوق الإمارات. ــ تعتمد الاستثمارات الأجنبية في سياساتها على تكثيف العمالة الرخيصة التي تستقدمها من خارج حدود الوطن حيث تشكل عبئاً حقيقياً على الإمارات سواء الأمني أم الاقتصادي أم الاجتماعي فيما لا تعمل على خلق فرص لأبناء الإمارات ولا حتى تدريبهم وتأهيلهم كما أنها لا تنظر إلى تكثيف رأس المال والتكنولوجيا أو استقدام الخبرة الفنية وتشير نشرة مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية على أن التحويلات الخارجية للعاملين في دول مجلس التعاون تقدر بحوالي 20 مليار دولار سنوياً, مشيرة إلى أن العمالة الوافدة ولاسيما الآسيوية تتراوح نسبتها بين 40% و80% من اجمالي القوى العاملة في دول المجس وهذا ما يؤكد ان العمالة التي تعتمد عليها الاستثمارات الأجنبية تساهم في استنزاف السيولة المالية من السوق المحلية إلى الأسواق الخارجية. ــ تتسم الاستثمارات الأجنبية عادة في الإمارات بأنها استثمارات قصيرة المدى ووقتية وبالتالي فإنها تسعى إلى اختيار القطاعات الخدمية التي تحقق أهدافها المرحلية مستغلة غياب استراتيجية التنمية وضعف القوانين والتشريعات وكذلك ضعف الوعي الاستثماري لدى المستثمرين المواطنين. ــ تساهم الاستثمارات الأجنبية في تقوية النزعة الاستهلاكية لدى سكان الإمارات بغية تسويق منتجاتها وخدماتها وبقصد الاستفادة من حجم الإنفاق الاستهلاكي الخاص والحكومي وذلك لتحقيق أرباح قياسية وخلال فترة زمنية محدودة ومن أجل ذلك فهي تسعى إلى إغراق السوق بالسلع الاستهلاكية مستغلة القوة الشرائية وقدرة منتجاتها على إخراج السلع والمنتجات الوطنية إلى خارج السوق. ــ إن وجود الاستثمارات الأجنبية في الإمارات علاوة على أنها تبعد الاستثمارات الوطنية من السوق فإنها تشكل نزيفاً حقيقيا لاحتياطي الدولة من العملات الصعبة من الاقتصاد الوطني. ثم إن وجودها يؤدي إلى بروز مشاريع في بعض الأحيان لا تفيد الاقتصاد الوطني بقدر ما تضره وذلك إذا كانت تلك المشاريع تعتمد على الواردات من الخارج وكذلك العمالة الأجنبية إذ أن ذلك يؤدي إلى حرمان الاقتصاد الوطني من القيمة المضافة فيما لو تم الاعتماد على استثمار الموارد المتاحة والعمالة الوطنية ومن أمثلة تلك المشاريع مصانع التعبئة حيث يتم استيراد المواد من الخارج مقابل العملة الصعبة وكذلك العمالة الرخيصة فيما تبقى العملية هنا في الإمارات قائمة على التعبئة والتغليف وهذا لا يشكل اضافة حقيقية إلى الناتج المحلي الإجمالي وبالتالي الاقتصاد الوطني فضلاً عن حرمان المشاريع الوطنية من العملة الصعبة حينما توجه إلى الخارج بدلاً من أن توجه إلى الداخل. الأزمة الآسيوية والعبرة من الاستثمارات الأجنبية!! يجب أن ندرك تماماً ان الإنفتاح غير المدروس للاقتصاد أمام الاستثمارات الأجنبية هو أمر في غاية الخطورة إذ إن التدفقات الرأسمالية والاستثمارية الأجنبية قد تتحول إلى وسائل تدمير وتحطيم للمرتكزات الاقتصادية للدولة في ظل ضعف البنية الاقتصادية الإنتاجية والتركيز في الدعوة للاستثمارات الأجنبية على القطاعات الخدمية خاصة إذا كانت درجة الانفتاح عالية وغير مدروسة ولا تحكمها ضوابط ولا قيود وذلك على حركة الاستثمارات في دخولها وخروجها حيث يمكن لتلك التدفقات أن تكون أكبر من الطاقة الاستيعابية للاقتصاد مما يشكل ذلك خطراً مباشراً خاصة في الضغط على خروج الاستثمارات الوطنية من سوق المنافسة لاسيما اذا كانت الاستثمارات الأجنبية تحمل أهدافاً غير اقتصادية, وهي تعمل على تحقيق المصالح الاستراتيجية للدول الكبرى والشركات العظمى في الوقت نفسه وتعمل على تدمير الاقتصاديات الناشئة والصغيرة كاقتصاد الإمارات خاصة وأن سوق الإمارات مازال ضعيفاً ومحدوداً ويعتمد على حجم اقتصاد ضعيف في بنيته الاقتصادية ويتسم بمحدودية الطاقة الاستيعابية وضعف بنيته الفنية بعيداً عن الهالة الاعلامية وتطبيل أقلام المحللين المنتفعين, فسوق الإمارات واقتصادها شديدا التأثر بالأوضاع الخارجية لاسيما في ظل فتح باب الاستثمارات على مصراعيه أمام حركة رأس المال الأجنبي دون وجود قيود على هذه الحركة للحيلولة دون تجاوزها أو تحقيق أهدافها في تخريب السوق وبالتالي الاقتصاد ولعل التجارب التي حدثت في النصف الثاني من التسعينيات ما يؤكد حقيقة ذلك سواء في المكسيك عام 1994م حينما سجل سوقها انهياراً أكبر, ثم الانهيار الكبير الذي حدث في دول جنوب شرق آسيا في مايــو عام 1997 حيث كان تأثيره خطيراً على مختلف الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية, وشكل طوفاناً دمر كل المنجزات التي عملت تلك الدول على تحقيقها, ولعل ما حدث في سوق الإمارات من ركود واضح شمل مختلف جوانب الحياة الاقتصادية, وشل الحركة هو دليل واضح على مدى التأثر ومدى أهمية أخذ العبرة والدرس مما حدث هذا على الرغم من حجم الاستثمارات الأجنبية في الإمارات وصور التأثر أضحت بارزة للعيان سواء في هروب المستثمرين الأجانب الذين تركوا ديوناً وخلقوا مشاكل اقتصادية مرتكبين جرائم اقتصادية أثرت على سمعة الجهاز المصرفي بالدولة حيث تورطت بعض المصارف في تمويل صفقات كبيرة, أو مستثمرين في سوق العقارات استطاعوا أن يتلاعبوا في سوق العقار وهربوا تاركين آثاراً سيئة في سوق العقار عندما لم يتمكنوا من تغطية التزاماتهم!!, أو أصحاب شركات المنسوجات من المستثمرين الأجانب الذين تركوا أعداداً كبيرة من العمال الذين لم يستوفوا حقوقهم لفترة طويلة, وكذلك حجم كبير من الالتزامات المالية لم يتمكنوا من الإيفاء بها فلم يجدوا وسيلة غير الفرار مكبدين كفلاءهم من المواطنين مئات الملايين والشيكات المرتجعة والقضايا.. وهناك العمارات التي تعاني من فراغ لعدم وجود مؤجرين.. وتزايد نسبة البطالة في المجتمع ومنها بين أوساط المواطنين وغيرها من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي خلفها مستثمرون أجانب اصبحت مؤجلة والبعض منها سوف يعلن عنها مستقبلاً وسوف تظهر حينما تكرس الشفافية وحينما تزداد التدفقات للاستثمارات الأجنبية في ظل الترحيب الكبير من بعض الجهات والمؤسسات والفعاليات في سياق التقليد والرؤية الضيقة. إذا ما سلمنا بمستوى النجاح الذي حققته الدول الآسيوية في تحقيقها للنمو والتنمية والعمالة الكاملة وأصبحت تلك الدول تستقطب إهتمام المحللين والباحثين والمفكرين الاقتصاديين فضلاً عن المؤسسات الاقتصادية العالمية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير, ولما كانت تلك التجارب تشكل نموذجاً متميزاً لدول أرادت تحقيق التحرر الاقتصادي ورفض الهيمنة الأجنبية وتحقيق إصلاحات اقتصادية لاسيما وأن تلك المؤسسات الدولية قد باركت الخطوات الاصلاحية وفتح الأسواق الاسيوية أمام الاستثمارات الأجنبية بقصد إحداث التنمية الاقتصادية, بل وأكدت على أنها نموذج حي للتنمية ودعت الدول النامية ودول العالم الثالث إلى السير في نهج هذه الدول, مما جعل تلك الدول يطلق عليها (بالنمور الصفر).. وإذا ما جعلنا نسجل احترامنا لتلك الدول في تحقيق هذا الانجاز الذي انعكس إيجاباً على اقتصاد الإمارات والدول النفطية عامة فإن هذا الإعجاب قد دفع المؤسسات الاقتصادية بالدولة إلى عقد ندوات ومؤتمرات استقطبت كوكبة من الخبراء واصحاب الشركات والاقتصاديين المفكرين والمحللين لشرح أسباب ذلك النجاح سواء في الادارة أم التشغيل أم كيفية جذب الاستثمارات الأجنبية وتوظيفها. فإن انهيار تلك الأسواق يحتم على المؤسسات نفسها دعوة نخبة من أولئك الاقتصاديين وأصحاب الشركات لتحديد أسباب الانهيار أو الإخفاق وذلك من منطلق دراستها وتحليلها للحيلولة دون تكراره على الرغم من اختلاف البيئة الاقتصادية الحيوية في تلك الدول والعقلية الاستثمارية الناضجة والعمالة المتفوقة والفرص الاستثمارية المتوفرة فكيف يمكن أن يكون عليه الوضع في ظل بيئة اقتصادية محدودة الأفق والحجم وتحكمها سيطرة واضحة لعمالة أجنبية وتقاليد ثقافية متنافرة في تكوينها وفي بيئاتها؟!! إن نهوض تلك الدول اقتصادياً مرة أخرى لاسيما وأن هناك بوادر انتعاش اقتصادي أيضا يشكل تجربة مفيدة لاقتصادنا حينما التفتت الشعوب في كل دولة على بعضها البعض وعملت على تجاوز تلك المعضلة بقرارات مصيرية وإرادة شعبية وسياسية قوية رغبة منها في تحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية كي تعمل على بناء نهضة اقتصادية وكي تحد من تأثيرات تلك الأزمة وتحول دون امتدادها إلى مساحات أكبر وتضرب بأوصالها أعماق البنية الاقتصادية وتشل الحياة الاقتصادية والانسانية أكثر من ذلك. إن التوجه الذي سعت إليه الدول الآسيوية التي تستند على تحقيق الأهداف الاستراتيجية, والطموح في تحقيق انعتاق حقيقي من ربق السيطرة والهيمنة الأجنبية, ومحاولتها لكسر الطوق الضيق الذي فرضته الدول الصناعية عليها, ومحاولتها ايضاً التمرد على دول السيطرة العالمية وسيطرة شركات الدول الصناعية في جعل الدول الآسيوية سوقاً مصدرة للموارد الطبيعية, وسوقاً استهلاكية للمنتجات الغربية, ورؤيتها الثاقبة في معرفة كنه وطبيعة التحولات العالمية في الاقتصاد العالمي أو الساحة الاقتصادية العالمية بعد أن أدركت إن اقتصاد السوق وانفتاح الأسواق العالمية أمام السلع المنتجة في الدول الصناعية كي تبقى أسواق الدول النامية ودول العالم الثالث أسواقاً مستهلكة لما تنتجه مصانع الغرب وشركاته, واستشفافها لتجارب الدول الاخرى كل تلك العوامل دفعت بتلك الدول نحو دراسة أوضاعها وطبيعة التحولات التي تحكم العالم وتوصلت من خلال ندوات ومؤتمرات ولقاءات ثنائية وجماعية على أرفع المستويات إلى أن تخط لنفسها سبيلاً يعتمد على تحقيق تكامل اقتصادي بين هذه الدول.. ولأن التكامل وتحقيق اهداف الانعتاق والتحرر والتنمية أمر فيه تجاوز للخطوط الحمر التي رسمتها آليات اقتصاد السوق التي وضعتها الدول الصناعية وكذلك تجاوزاً لمتطلبات العولمة الاقتصادية التي سوف تحكم من خلالها الدول الصناعية العالم فإن أمراً لابد وأن يحدث ولعل في تجربة المكسيك وكذلك فنزويلا ونيجيريا, وهناك تجارب ونماذج لدول عربية أرادت أن تسير في نهج التحرر هذا كالعراق وليبيا, والسودان والصومال والجزائر فما كان قدرها سوى التدمير الداخلي لضرب كل المنجزات الاقتصادية. إن هذا ما يدعونا نحن في الإمارات ودول مجلس التعاون إلى إدراك أن هذا المجلس الذي بني على أساس اقتصادي وكانت أولى خطواته وضع آلية التكامل الاقتصادي من خلال الإتفاقية الاقتصادية الموحدة والتي تم إقرارها في عام 1981م يشكل اختراقاً غير مقبول من الدول الصناعية وتجاوزاً لتقاليد العولمة وطقوسها وتحدياً لمبادئها ومتطلباتها إذ إن الدول الصناعية سوف ترفض أية محاولات للنهوض والتنمية في دول صغيرة الحجم والسكان والسوق فإذا كان الإستعمار العسكري الذي حكم تلك الدول لردح طويل من الزمان قد حّجم من أهميتها وزرع فيها قنابل حدودية وإقليمية فإنه كان يهدف من ذلك إلى عدم تحقيق هذه المنطقة لأهداف أبنائها وطموحاتهم المشروعة إذ سوف يتمكن من خلال آلياته الاقتصادية هذه المرة من السيطرة والهيمنة على أسواقنا المحلية. إن دعوة الاستثمارات الأجنبية للدخول إلى أسواقنا وفتح الباب بمصراعية أمامها هو أمر يستحق الوقفة والدراسة المتأنية لبحث دواعيه وأسبابه وتوقيته وأهدافه في ظل تجربة الدول الآسيوية على الرغم من الاختلاف في وضعية هذه الدول وفي تركيبتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ذلك أن أهداف الدول الخليجية في حقيقة الأمر واحدة سواء في تحقيق تكامل ثم ايجاد وحدة اقتصادية أم التحول إلى تحقيق تنمية اقتصادية, ولعل ما يدلل على ذلك ان حجم رأس المال الخليجي ضخم وكبير ويعزز من اقتصاديات الدول الأوروبية الغربية,. وهذا يجعلنا أمام تساؤل عن حقيقة الدعوة للاستثمارات الأجنبية, كما أن تجربة آسيا فيها الكثير من العبر والاستنتاجات التي تجعلنا حذرين من أن المرحلة المقبلة تشكل تحدياً كبيراً وصعباً أمام دول مجلس التعاون لاسيما إذا تجاوزت هذه الدول الخطوط الحمر. ثم أن هناك مشاريع خليجية تؤكد على أن هناك تعطيل واضح لها سواء حركة التجارة البينية, العملة الخليجية الموحدة أم المثبت المشترك لعملات دول المجلس, أو ازدواجية المشاريع ومحاولات الإغراق, أو عدم وجود مشاريع اقتصادية مشتركة ذات الحجم الكبير, ثم تعطيل العديد من بنود الاتفاقية الاقتصادية الموحدة, وتعطيل الاستثمارات والانفتاح على الأسواق العربية لتشكل امتداداً طبيعياً أمام رأس المال العربي الخليجي. من خلال قراءتنا التاريخية لحركة الاستثمارات الأجنبية في الإمارات وتطورها يتأكد لنا مدى انتهازية رؤوس الأموال الأجنبية للفرص التي سنحت لها لاسيما مع بدايات الاكتشافات النفطية, عندما سيطرت الشركات الانجليزية في بداية الأمر على التنقيب والانتاج والتسويق وحالت دون دخول شركات أجنبية منافسة لها ولفترة طويلة تمكنت بعدها الشركات الأمريكية من اختراق الحصار المفروض من قبل الشركات الانجليزية على هذا القطاع الاستراتيجي, وبالتالي ما كان للشركات الأجنبية من الاستثمار في هذا القطاع الاستراتيجي منذ أوائل الستينيات وحتى الآن لولا استفادتها العظمى بتحقيقها لارباح قياسية, وبالتالي فإن الاستثمارات الأجنبية هذه اكتسبت صفة الديمومة أي اتسمت بأنها ذات الآجال الطويلة بعكس الاستثمارات الأجنبية في القطاعات الخدمية التي تتسم بأنها قصيرة الأجل, وسريعة الهروب وتتحاشى الدخول في استثمارات طويلة الأجل. من هنا فإن الاستثمارات الأجنبية في حال قدومها إلى منطقة الخليج عامة والإمارات خاصة فإنها دون شك سوف تتجه نحو القطاعات الاستراتيجية كالقطاع النفطي اما القطاعات الأخرى فسوف تبقى الاستثمارات فيها ذات أجل قصير, وفيما سوف تعمل الاستثمارات الأجنبية على استنزاف النفط وتسويقه بأسعار تحددها شركات الاستهلاك فإن الاستثمارات الأجنبية لن تتجه للاستثمار في القطاع الصناعي, أو الزراعي لأنها في حقيقة الأمر لا يعنيها تحقيق تنمية اقتصادية في المنطقة وإنما سوف تعمل على إبقاء أوضاعنا الاقتصادية على حالتها هذه معتمدة على دخلها النفطي لضمان تدفق النفط إلى الأسواق العالمية وبأسعار محددة سلفاً, والإبقاء على ريعية الاقتصاد واستهلاكيته وذلك في ظل غياب استراتيجية التنمية الاقتصادية بالدولة, وفي ظل غياب الرؤى الاقتصادية والتخطيط التنموي المطلوب. إن ما حدث في دول جنوب شرق آسيا في مايو 1997 من تخريب مباشر لاقتصاديات تلك الدول وضرب محاولاتها في التنمية وذلك من قبل الاستثمارات الأجنبية التي تركت بعد خروجها من الأسواق المالية لتلك الدول أزمة مالية خانقة لم تقتصر على هذه الدول , وانما حدث ذلك في بعض الدول العربية حينما سجلت بورصاتها تراجعاً حاداً في أسعار أسهم الشركات المساهمة فيها وذلك حينما سجل المستثمرون الأجانب انسحاباً تدريجياً من أسواق هذه الدول بقصد الاضرار بها وخلق أزمات لها, وما كان ليحدث ذلك إلا بعدما سمحت السلطات الاستثمارية في هذه الدول بتغلغل الاستثمارات الأجنبية في الأسواق المالية فيها بشكل غير مدروس الأمر الذي منح السيطرة للمستثمرين الأجانب على التعاملات في تلك الأسواق, وجاء هذا الفعل المتعمد من قبل المستثمرين الأجانب بهدف واضح وهو تخريب الأسواق المالية للدول العربية, وضرب المكتسبات الاقتصادية التي حققتها هذه الدول نظراً للمواقف السياسية والاستراتيجية لها حيال بعض القضايا العربية وأهمها قضية فلسطين. من هنا فإن فتح أسواقنا المالية في دول المجلس أمام الاستثمارات الأجنبية يجب أن تكون وفق ضوابط دقيقة ومحاذير أكيدة لمواجهة محاولات التخريب المتعمدة التي سوف تسعى الاستثمارات الأجنبية بتحقيقها وذلك لما لدول المجلس من أهمية استراتيجية اقتصادية ليس على المستوى الاقليمي فحسب وانما على المستوى العالمي. لذا فإن محاولات تقزيم موقف دول المجلس والحد من تأثيراتها سوف يكون أحد أهداف الاستثمارات الأجنبية. كما إن هناك شريحة من المستثمرين من غير المواطنين تعمل على استغلال محدودية الوعي الاستثماري لدى المتعاملين في سوق الأوراق المالية من المواطنين لتخترق أسواقنا المالية لتحقيق مكاسب قياسية وذلك كما حدث في أزمة سوق الأسهم الحالية في الإمارات حيث كانت هذه الشريحة بتعاملاتها الانتهازية أحد العوامل المباشرة في أزمة الأسهم التي تعانى منها أسواقنا ومنذ أكثر من عامين, وقد تسببت تلك الأزمة في اختناقات وركود اقتصادي وكان لها انعكاساتها السلبية على أوضاعنا الاقتصادية كما أشرنا إلى ذلك. الاستثمارات الأجنبية والأزمة الآسيوية لقدسجلت الدول الآسيوية الخمس الواقعة في جنوب شرقي آسيا وهي (تايلاند, ماليزيا, كوريا الجنوبية, الفلبين واندونيسيا) تطوراً كبيراً في تحقيقها للتنمية الاقتصادية وذلك رغبة منها في تحقيق التحرر الاقتصادي ورفض الهيمنة الأجنبية وتحقيق معدلات عالية من النمو الأمر الذي حدا بالمحللين الاقتصاديين أن يطلقوا عليها اسم (النمور الصفر), وأصبحت هذه الدول تشكل نموذجاً فريداً للتنمية, إلا أن فتح أسواق هذه الدول أمام الاستثمارات الأجنبية على النحو الذي شهدته تلك الأسواق وفي غياب الشفافية ومصداقية التعامل وضوابط المحاسبة وفي ظل تفشي الرشوة وانتشار المحسوبية وفي غياب السياسة الاستثمارية الجيدة جعلت تلك الأسواق تتهاوى الواحدة تلو الأخرى وذلك حينما لعبت الاستثمارات الأجنبية وفي غفلة من أصحاب القرار الاقتصادي والسياسي في تلك الدول دوراً سلبياً فيما تحولت الاستثمارت إلى المضاربة في العملات لتحقيق أرباح سريعة وذلك بدلاً من أن تصب هذه الاستثمارات في القاعدة الاقتصادية لإنتاج سلع وخدمات تساهم في تصاعد وتيرة النمو الاقتصادي في تلك الدول ومما ساعد في ذلك انخفاض تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى تلك الأسواق بدءاً من عام 1996 عندما بلغت 93 مليار دولار ثم لتنخفض في عام 1997 إلى 12 مليار دولار وبنسبة بلغت 87,1 في المئة. إن تجربة الدول الآسيوية هذه في تحقيقها لمعدلات النمو التي سجلتها خلال فترة قياسية تشكل نموذجاً جيداً إلا ان أسباب إخفاق هذه التجربة وحدوث الأزمة المالية الشديدة في مايو عام 1997 وفشل الحكومات في التصدي لها قد أصاب حكومات وشعوب تلك الدول بصدمة عنيفة كانت لها انعكاساتها الخطيرة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية وكذلك الأخلاقية تستحق هذه التجربة من القائمين على القرار الاقتصادي في الإمارات لاسيما جهات الاقتصاد والتخطيط دراسة هذه التجربة ووضعها تحت المجهر لما تحمله من نتائج الدراسة لطبيعة الاستثمارات الأجنبية عندما ندعو لفتح أسواقنا أمامها لنؤكد على أهمية دراسة أبعاد ودوافع الاستثمارات الأجنبية وبالتالي ضرورة تحديد أطر وقوانين للاستثمارات الأجنبية وتحديد قنوات الاستثمار وتوجيهها نحو الاستثمار في القطاعات الإنتاجية ولاسيما في إنتاج السلع القابلة للتصدير مشيراً إلى أن الإفراط في تشجيع الاستثمارات الأجنبية لدخولها أسواق الإمارات في ظل عشوائية التخطيط وتلقائية القوانين والضوابط سوف تتحول هذه الاستثمارات إلى خلق أزمة سوف تكون لها انعكاساتها الخطيرة على أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. إن الاستثمارات الأجنبية سوف تكون السلاح الجديد لدى الدول الرأسمالية الصناعية في تحطيم اقتصاديات الدول الصغيرة والحد من توسع الأسواق الناشئة كسوق الإمارات خاصة في ظل محدودية البنية الاقتصادية لسوق الإمارات حيث تبقى مخاطر الاستثمارات الأجنبية قائمة وسوف تبقى أوضاعنا الاقتصادية رهينة تلك الاستثمارات التي تتصف بالانتهازية والانقضاض على فريستها في غفلة من أمرنا مستغلة مثالبها الحادة وقوة بنيانها وسوف تكون أسواق الأسهم والمضاربة في العملة مدخلان للاستثمارات الأجنبية لتحقيق مآربها حيث يعتبران أسهل الطرق وأسرعها في تحقيق الأرباح القياسية ولعل أزمة الأسهم التي بدأت في صيف 1997 بعد إرتفاع كبير بداية لضرب أسواقنا الناشئة وتحطيم قدراتنا كي نفسح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية ليس بقصد التنمية وإنما السيطرة والهيمنة وأرضية العولمة الاقتصادية هي أرضية خصبة لتحقيق ذلك. ومن ناحية أخرى فإن الإمارات وبقية دول مجلس التعاون لن تكون بمنأى عن صراعات مراكز النفوذ المالي والاقتصادي الاقليمي والعالمي, فمازالت الحرب الاقتصادية والتجارية مشتعلة بين الولايات المتحدة واليابان باعتبارهما قطبا التجارة والاقتصاد في العالم, ثم هناك صراعاً واضحاً بين مجموعة الدول في غرب اوروبا والولايات المتحدة الأمريكية, وهذه الصراعات المستمرة لن تكون الإمارات وبقية دول المجلس والدول العربية عامة بمعزل عنها, وسوف تكون لهذه الصراعات تأثيرات وانعكاسات واضحة خلال المستقبل القريب الأمر الذي يتطلب الاعداد الجيد للحد من التأثيرات السلبية لتلك الصراعات على أسواقنا. كما إن لمحدودية الطاقة الاستيعابية لأسواقنا الخليجية لحجم الاستثمارات الأجنبية التي تتنافس دولنا عليها من شأنه أن يكشف الأسواق الخليجية هذه من السيطرة على حركة الاستثمارات الأجنبية عند شروعها في تدمير المنجزات التي تحققت والمراكز المالية لدول المنطقة حينما تستغل تلك الاستثمارات الثغرات الواضحة في أسواقنا لاختراقها وتحقيق أهدافها دون مراعاة لطبيعة أسواقنا ومجتمعنا الخليجي.